عمر الغول يكتب – الجولان وأميركا والقانون
عمر حلمي الغول ٢١-١١-٢٠١٨
يقول المثل الشعبي “يارايح كثر الملايح”، ولكن نيكي هيلي، مندوبة الولايات المتحدة المنتهية ولايتها من المندوبية الأميركية في الأمم المتحدة مع نهاية العام الحالي، أي بعد أقل من شهر ونصف تعمل عكس ذلك، وشعارها “يا رايح كثر القبايح”، ونموذجها فيما ذكر، انها صوتت بإسم بلد المقر الأممي ضد مشروع قرار أممي يرفض قرار إسرائيل ضم الجولان السورية العربية، واية إجراءات إتخذتها دولة الإستعمار الإسرائيلية لضم الهضبة. وهي ليست المرة الأولى، التي تتخذ فيها أميركا موقفا صريحا ضد قرارات ومواثيق وقوانين الشرعية الدولية. لا سيما وإن إدارة ترامب اليمينية المتطرفة إتخذت قرارات سابقة بشأن القدس العاصمة الفلسطينية، وضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وضد الحقوق والمصالح الفلسطينية في المنظمات الأممية المختلفة، وفي ذات السياق ضد عملية السلام.
لكن التصويت الأميركي ضد الجولان السوري العربي، هو الأول من نوعه بذريعة أن النظام السوري، نظاما فاشلا، ولا يؤتمن على حكم الشعب السوري. مع أن العالم يعلم أن مسألة الحقوق السياسية والسيادية للدول لا تقاس بطبيعة النظام السياسي الحاكم هنا أو هناك. والإدارة الأميركية تعلم، أو يفترض ان تتعلم أن حقوق الشعوب والدول لا تخضع للمزاج، ولا للمواقف من هذا النظام أو ذاك، انما تحكمها المعايير الدولية ومواثيق الهيئة الأممية. وفي أسوأ الأحوال إن كانت أميركا تريد ان تعاقب النظام السوري، بإمكانها الإمتناع عن التصويت، أو الإنسحاب من الجلسة كشكل من أشكال الإحتجاج.
لكن التصويت ضد القرار الأممي، الذي فاز بأغلبية ساحقة بحصوله على 151 صوتا مقابل صوتان ضد وأربعة عشر صوتا ممتنعة، لا يندرج تحت منطق معاقبة نظام بشار الأسد، إنما كان تصويتا لصالح خيار دولة الإستعمار الإسرائيلية، التي أعلنت خلال الأسابيع والشهور الأخيرة إصرارها على ضم الجولان، الذي إتخذته أول مرة في ال14 من كانون أول/ ديسمبر 1981، ورفضها إعادته للسيادة السورية متسلحة بذرائعها الواهية والمفضوحة، وهي “حماية الأمن الإسرائيلي”!؟. والذي يصب في المحصلة النهائية مع التوجهات الأميركية الإسرائيلية الماضية قدما لبناء الشرق الأوسط الجديد، الهادف إلى تمزيق وتفتيت وحدة الدول العربية إلى دويلات دينية وطائفية وإثنية قزمية لتتمكن إسرائيل الإستعمارية من التسيد على العالم العربي وإقليم الشرق الأوسط الكبير.
ونيكي هيلي لا تتصرف وفق مزاجها الشخصي، ولا تعمل لحسابها الخاص، إنما هي تنفذ سياسة الإدارة اليمينية بقيادة دونالد ترامب. هذة الإدارة، التي باتت تهدد العلاقات الأممية برمتها، وتعمل على تقويض الأمن والسلم العالميين خدمة لإغراض أباطرة رأس المال المالي، والعودة لفرض الهيمنة الأميركية الشاملة على النظام الدولي ككل بما في ذلك القارة العجوز، أوروبا، المفترض انها حليف الولايات المتحدة التاريخي والإستراتيجي.
لكن مصالح الطغم المالية في الهيمنة والسيطرة على اسواق وثروات العالم تقف على رأس جدول أعمالها، ولا تساوم عليها، أو تتنازل عنها إلآ مرغمة، ونتيجة هزيمة ساحقة أمام أعدائها ومنافسيها. ورغم أن النظام العالمي بشكل عام يخضع للمنظومة الرأسمالية، مع إستثناءات تمثلها الصين الشعبية وكوبا وكوريا الشمالية، إلآ ان الإرتداد إلى الحاضنة القومية الشوفينية مع صعود قوى اليمين المتطرف يضاعف من إحتدام الصراع والمنافسة بين الأقطاب الدولية على مناطق النفوذ في العالم، مع ما يحمله هذا الصراع من أخطار على مستقبل البشرية.
وعليه لم يكن التصويت ضد قرار الضم الإسرائيلي للجولان السورية العربية تصرفا إنفعاليا، أو نتاج موقف من نظام الأسد الإبن، إنما هو جزء من سياسة أعم وأشمل تطال الخارطة العالمية كلها. غير أن الموقف الأميركي الأخير لن يغير من عروبة الجولان السورية المحتلة في الخامس من حزيران / يونيو 1967، ولن يتأبد الإستعمار الإسرائيلي لها ولا لفلسطين ولا للأرض اللبنانية في مزارع شبعا. ولعل التصويت الأممي لصالح الجولان العربية بالإضافة لسبعة قرارات أممية مناصرة للقضية والشعب الفلسطيني تعكس الإرادة الدولية الرافضة المنطق والخيار الإسرائيلي والأميركي الإستعماري.