عمر الغول يكتب – التحديات وسبل الخروج
عمر الغول ١٩-١٢-٢٠١٨
المشهد الفلسطيني شديد القتامة، تضلله غيوم حالكة السواد، وهو ليس إستثناءا عن الواقع العربي والإقليمي والعالمي، وإن إختلفت معايير ومحددات الأزمة في الساحة عن الساحات الأخرى، وبالضرورة سبل وطرق الخروج منها مغايرة.
فإذا توقفنا أمام الحالة الفلسطينية في الأونة الأخيرة نلحظ الآتي: اولا تغول إسرائيلي همجي، وإنفلات لكل مظاهر الدونية الإستعمارية الإسرائيلية: الفاشية والعنصرية والإرهاب الدولاني المنظم المتمثل بعمليات القتل والإعتقال، وهدم البيوت، ومصادرة الأراضي، وسرقة وتزوير ملكيات العقارات في القدس العاصمة الفلسطينية، وإعلان العطاءات لبناء الآف الوحدات الإستعمارية، و”تشريع” البؤر الإستيطانية، والإجتياحات المتكررة للمناطق A وخاصة في محافظة رام الله والبيرة، حيث مركز القرار الفلسطيني وإقامة الحواجز، وتنافس قوى الإئتلاف اليميني الحاكم على تشريع المزيد من القوانين العنصرية لإستباحة ما تبقى، إن تبقى من حقوق للإنسان في فلسطين التاريخية.. إلخ ثانيا غياب أي أفق أمام خيار السلام، وقتل روح الأمل في أوساط الشعب العربي الفلسطيني؛ ثالثا إرتباطا بما تقدم إفراز مركب وشحن يومي لحالة اليأس والإحباط في اوساط الجماهير الفلسطينية، وولادة إرتدادات في أوساط الشباب الفلسطيني للخروج من دوامة المجهول؛ رابعا غياب أي افق للمصالحة الوطنية، وتخندق حركة حماس في مربعها العدمي، وايضا عدم وجود ضغط فلسطيني أو عربي عليها لإعادتها لمربع المصالحة والوحدة، لا بل العكس صحيح، يتمثل بوجود تراخي في أليات التعامل معها، وغالبا مداهنتها.
وبالمقابل عدم تمكن قيادة حركة فتح من خلق الميكانيزمات التنظيمية والوطنية لدفع عربة المصالحة للأمام؛ خامسا زيادة الأسعار، وزيادة نسبة البطالة، والتلكؤ في إيجاد حلول واقعية ومنطقية لرواتب الموظفين في محافظات الجنوب، وتلازم معها الأزمة الناشئة عن الشروع بتطبيق قانون الضمان الإجتماعي، حيث ذهبت القوى المتضررة من القانون (الرأسمال المالي والصناعي والمؤسساتي الفلسطيني ودولة الإستعمار الإسرائيلية) لتأجيج حدة الأزمة الإجتماعية، وإنعكاس ذلك على وحدة الموقف الإجتماعي الفلسطيني؛ سادسا التسابق بين الدول العربية في عملية التطبيع المجاني مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، ليس هذا فحسب، بل إنخراط بعضها علنا ودون حياء في تنفيذ المخطط الأميركي الإسرائيلي، والعمل على فصل القطاع عن الضفة … وغيرها من مظاهر الأزمة البنيوية العميقة على الصعد والمستويات المختلفة.
ولم يتم الإشارة لواقع الحال العربي المريع، ولا لمواقف القوى الإقليمية وتدخلها غير الإيجابي في الشأن الفلسطيني، ولا للموقف الأميركي وإنعكاس كل تلك المواقف على الحالة الفلسطينية. وهي عوامل لا تقل ثقلا في تأثيرها عن العوامل الفلسطينية والإسرائيلية في مضاعفة بشاعة اللحظة، وإنعدام الأفق، وغياب أي ضوء في نهاية النفق، مما يزيد من حجم الإرتدادات والإهتزازات الداخلية في البنية السياسية والفكرية والإقتصادية والإجتماعية والقانونية والثقافية، وطبعا قبل ذلك في البناء التنظيمي داخل فصائل منظمة التحرير تحديدا، وكل حسب وزنه ومكانته في القرار السياسي.
وقبل ان الج إلى سبل الخروج من الأزمة، أود لفت إنتباه القارىء، انه لم تغب عني نقاط الضوء المتناثرة في المشهد الفلسطيني، ولكني هنا، لست بصدد الحديث عنها، وتركيزي على البعد السلبي، واللا إيجابي، ليس تنكرا لعوامل القوة المتراجعة، وانما لتسليط الضوء على السلبيات والأخطار المحدقة بالوجود الوطني برمته نتيجة عمق الأزمة الداخلية، وتلازمها مع عوامل موضوعية خطيرة تهدد مستقبل القضية والمشروع الوطني بشكل كلي، ولقرع الجرس أمام الكل الفلسطيني من القمة إلى القاعدة، والخروج من سبات الحالة السائدة إلى محطة أكثر إشعاعا بالأمل. وبالتالي وضع الإصبع على الجرح، الذي لا يعني الرغبة بمواصلة النزيف، أو توسيعه وتعميقه، بقدر ما هو وضع العلاج المناسب، وقبل فوات الآوان لتعافي الحالة الوطنية.