أقلام وأراء

عمر الردّاد يكتب – معارك عض الأصابع بين الأردن وفلسطين من جهة مع إسرائيل من جهة أخرى

عمر الردّاد – 23/5/2020

مؤشرات التصعيد لا تحتاج أدلة على الأقل في المستوى الإعلامي بين إسرائيل وجيرانها على خلفية توجهات الحكومة الإسرائيلية بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وغور الأردن، فبعد تصريحات الملك عبدالله الثاني لمجلة ديرشبيغل الألمانية التي تضمنت خطابا أردنيا يحذر من “الصدام الكبير” بين الأردن وإسرائيل في حال أقدمت الأخيرة على قرار الضم، يأتي موقف القيادة الفلسطينية الذي عبر عنه الرئيس عباس بان منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية”في حل” من اتفاقاتها وتفاهماتها مع واشنطن وتل أبيب، تدخل إيران وبأعلى مستوى من خلال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية على خط  التصعيد بالمطالبة بتسليح الضفة الغربية، كما غزة لمواجهة إسرائيل، فيما من المنتظر ان يدخل الرئيس التركي بخطاب أكثر سخونة وتصعيدا لحماية الأقصى،وعلى الجهة المقابلة يتصدر المشهد العربي الرسمي خطاب فاتر من خلال الجامعة العربية برفض الإجراءات الإسرائيلية، ما خلا خطاب ثوري يمارسه الرئيس التونسي” قيس سعيد” ومن غير الواضح مدى تطابقه وتعبيره عن الواقع التونسي والعربي.

من بين كل تلك المواقف يبدو ان الموقف الأردني محط أنظار وتساؤلات ليس من داخل إسرائيل وأمريكا فحسب بل ومن الشعبين الأردني والفلسطيني، لأسباب مرتبطة بقدرة السياسة الأردنية، وبأدواتها الناعمة على إرسال رسائلها غير المشفرة لعل آخرها رفض تجديد عقد تأجير أراضي الباقورة والغمر لإسرائيل، وخروج الإسرائيليين منها، ومن المؤكد ان الملك عبدالله ما كان ليتخذ هذا الموقف الجديد الا في إطار ادارك عميق لمخاطر تداعيات القرار الإسرائيلي على الأمن الوطن الأردني لدرجة تطرح تحولات حول مصير الأردن بعد ضرب ما يوصف بمصالح الأردن المصانة في قضايا الحل النهائي،وبالتالي تغيير في شكل ومضمون المملكة الأردنية الهاشمية،وعلاقتها مع الضفة الغربية، وهو ما يعطي افقأ للتحليل بالخطوات التي يمكن يتخذها الأردن تجاه معاهدة السلام وكل ما لحق بها ونتج عنها من اتفاقات،بما فيها العسكرية والأمنية.

هذا التقييم يفسر الى حد بعيد “صرامة” الموقف الأردني مقارنة بمواقف بقية الإطراف تجاه الخطوات الإسرائيلية، فما أشبه اليوم بالبارحة حينما وقف المغفور له  الملك الحسين معلنا ان حياة خالد مشعل،قائد حماس بكفة ومعاهدة السلام بالكفة الأخرى عندما تعرض لمحاولة اغتيال من قبل اسرائيل في عمان عام 1997، وللصدفة كان نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية حينذاك، والذي اجبر على إرسال الترياق مرغما لإنقاذ حياة مشعل ومعاهدة السلام،وهو رئيس الحكومة الإسرائيلية التي تنوي اليوم تشريع قرار الضم.

والمرجح ان هناك إدراكا وقناعات في أوساط النخب العربية والشعبية، ان مواقف القيادة الفلسطينية المكررة تجاه وقف العمل بالاتفاقيات مع أمريكا وإسرائيل لا يمكن بناء رهانات جادة عليها بعد ان أصبحت ترجمة لقصة”راعي اغنام القرية والذئب” وان التقييمات التي تقدم مقاربة بعدم قدرة السلطة على وقف التنسيق لأسباب عديدة تتضمن درجة عالية من الموضوعية، وتطرح تساؤلات حول إمكانية قيام انتفاضة ثالثة بوجود اكثر من 100 الف موظف وحقيقة اتجاهات الغالبية من سكان الضفة الغربية حول تحديد مصيرهم ومستقبلهم؟

وبالتزامن مع ذلك فان مواقف كل من إيران وتركيا في إطار مشروعيهما في المنطقة لن تتجاوز عتبات وفضاءات التصريحات الإعلامية المتكررة ما بين التهديد والوعيد في الوقت الذي تستخدم فيه القيادتان الملف الفلسطيني برمته ورقة للتفاوض مع أمريكا وإسرائيل، بدلالة ان كافة حروب ومناوشات حزب الله أداة إيران الضاربة لم تكن من اجل القضية الفلسطينية،بل جاءت في إطار مفاوضات إيران مع أمريكا بما في ذلك حرب تموز 2006، فيما اللامشروع العربي يشكل عنوانا للنظام العربي الرسمي.

يعول الأردن على موقف أوروبي ودولي ممثلا بالصين وروسيا، وكذلك تفعل السلطة الفلسطينية، خاصة بعد الموقف الفرنسي الذي أكد رفضه لأية قرارات إسرائيلية أحادية الجانب، والمؤكد ان الأوربيين لن يقدموا موقفا متقدما على مواقفهم تجاه الاتفاق النووي مع إيران، اذ ذهبت رهانات إيران الدولة المحورية في المنطقة بأفاق اقتصادها وفرص الاستثمار الواسعة فيها أدراج الرياح، فيما تبقى الرهانات على موقف روسي متوازن يؤيد حل الدولتين وفقا لسياقات ما قبل قرار الضم الإسرائيلي اقرب للواقعية، خاصة بعد نجاحات روسيا بالملف السوري ومصداقيتها في إنقاذ الدولة السورية،وانشغال الصين بالدفاع عن نفسها امام واشنطن بنفي تهمة نشر فايروس كورونا وتبعاته الاقتصادية التي ستميل لصالح الولايات المتحدة، غير ان الموقفين الشعبيين للأردنيين والفلسطينيين وتحديدا في الضفة الغربية سيكونان بيضة ألقبان التي ستسمح او لا تسمح بالضم.

ان التصعيد الذي يمارسه الأردن ومن بعده القيادة الفلسطينية،بعث برسالة غير مشفرة بأنه لا يمكن القبول بما تطرحه إسرائيل، خاصة وان القرار لا يحظى بإجماع لا في إسرائيل ولا في أمريكا،رغم ان أصوات الدعم للقرار هي الأقوى، ويبدو أننا أمام صراع من نوع جديد يشبه الى حد بعيد الصراع الأمريكي – الإيراني ،وجوهره العض على الأصابع والرهان على الزمن فيما يتعلق بالانتخابات الأمريكية القادمة بعد اقل من نصف عام،وسياقات دولية عنوانها تسويات كبرى وليس حروبا طاحنة ستكون العنوان الأبرز لتداعيات كورونا،تبدأ بين الصين والغرب بقيادة أمريكا، وستصل الى الشرق الأوسط بعنوانها الأبرز إيران، وبما يعني تسويات ربما لن تحقق نجاحات كاملة في العراق وسوريا وفلسطين واليمن وفي ليبيا، لكنها تؤسس لعقد جديد في أعقاب عقدين من التعاطي مع الإرهاب.

*مدير عام الطريق الثالث للاستشارات الإستراتيجية/ عمان/ الأردن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى