أقلام وأراء

عمرو فاروق يكتب –  “إخوان تركيا”.. من التّطبيع الصّهيوني إلى طائرات الدرون

عمرو فاروق *- 4/10/2021

هل يتخلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مصالحه مع جماعة “الإخوان المسلمين” من أجل إتمام التوافق مع الجانب المصري؟ هل يعلن انفصاله التام عن معية التنظيم الدولي؟ هل سيوقف دعم التنظيم الداعشي بالسلاح في سوريا والعراق وليبيا؟ هل سيرفض الاعتراف بشرعية حركة “طالبان” وسيطرتها على كابول؟ هل سيمنع عملية إعادة تموضع تنظيم “القاعدة”؟ هل حقاً سيتنازل النظام التركي عن ورقة الإسلام السياسي في ظل المتغيرات السياسية والإقليمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط تحت رعاية الديموقراطيين والرئيس الأميركي جو بايدن؟

 حالة التماهي بين النظام السياسي التركي ومشروع تيارات الإسلام السياسي، ليست عابرة أو وليدة اللحظة، لكنها متجذرة ومتأصلة تاريخياً تحت مزاعم الإرث العثماني، ومحاولات إعادة الإمبرطورية الإسلامية المتحكمة في مصير الشعوب العربية والإسلامية، أو  مشروع “تركيا الكبرى”، التي يضعها أرودغان ضمن قاموس طموحاته السياسية منذ وصوله الى تربعه على السلطة.

ينتظر الكثير من الساسة نتائج المفاوضات والمباحثات “الاستكشافية”، القائمة حالياً بين القاهرة وأنقرة، تمهيداً لاستئناف العلاقات بين البلدين، وعودة العلاقات سياسياً وثقافياً واقتصادياً وعسكرياً، بعد قطيعة استمرت لأكثر من 7 سنوات على خلفية احتضان تركيا قيادت جماعة الإخوان وعناصرها، وتحول مدنها مراكز نشاط معادية للدولة المصرية، وتهديد استقرارها الداخلي.

المباحثات الاستكشافية السياسية ما زالت في مرحلة بناء الثقة والتفاهمات والتوافق على الكثير من القضايا الإقليمية، لا سيما المتعلقة بالأوضاع في ليبيا وسوريا وفلسطين، وخلافات ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط.

 بدأت المباحثات بين القاهرة وأنقرة على مستوى التعاون والتفاهم الأمني والاستخباري، أو ما يُعرف بـ”دبلوماسية الباب الخلفي”، بعيداً من الدبلوماسية السياسية المباشرة والأجواء الإعلامية، لإعادة ترتيب جذور المشهد بين الجانبين وفقاً لمجموعة من المطالب المتبادلة التي لا ترقى إلى مستوى الشروط، أهمها رفع الغطاء المالي عن جماعة الإخوان.

 فعلياً، اتخذ النظام السياسي التركي عدداً من القرارات تجاه جماعة الإخوان، منها وقف البرامج التلفزيونية المحرضة ضد الدولة المصرية، ومنع تحويل أي أموال من أنقرة إلى القاهرة إلا بعد إثبات مصدرها، وقصر التحويلات المالية على الأقارب من الدرجة الأولى، ووقف منح الجنسية لعدد من شباب الجماعة، وإغلاق عدد من المكاتب الخاصة بقيادات الإخوان في اسطنبول، فضلاً عن استدعاء عدد من العناصر المتورطة في أعمال عنف داخل القاهرة، ووضع بعضهم تحت الإقامة شبه الجبرية.

 لكن الغريب في ظل هذه الإجراءات قيام سلطة الطيران المدني التركية بالتعاون مع جامعة اسطنبول، بتدريب عناصر إخوانية على الطائرات الدفاعية المسيرة “الدرون” تحت مظلة “شبكة محرري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” الإخوانية، التي يستخدمها التنظيم الدولي غطاءً للهيمنة على الساحة الإعلامية في منطقة الشرق الأوسط.

 نفذت الشبكة حتى الآن ثلاث دورات تدريبية على طائرات الدرون للنماذج الإعلامية، مقابل الحصول مبالغ مالية قدرت بنحو 1500 ليرة تركية، والحصول شهادة موثقة من أكاديمية الطيران المدني وجامعة اسطنبول.

في منتصف أيلول (سبتمبر) 2021، احتفلت شبكة محرري الشرق الأوسط الإخواني داخل اسطنبول، بمرور 3 سنوات على تأسيسها في لندن، ونشاطها داخل 23 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحضور ياسين أقطاي مسؤول التنظيم الدولي للإخوان في تركيا وعدد من قيادات الإخوان. 

 في إطار توسع جماعة الإخوان في تأسيس عدد من المنصات المشبوهة التي تروج لمشروعها القطبي، من داخل تركيا، وبعض الدول الأوروبية، أطلقت الجماعة كياناً يعمل على استهداف الإعلاميين والصحافيين، الى جانب القطاعات الشبابية العربية الجديدة بحجة التدريب والتأهيل على القوالب الإعلامية الحديثـة تحت عنوان “شبكة محرري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا  MENA EDITORS .

 تم تأسيس المنظمة الإخوانية في بريطانيا كشركة غير ربحية برقم 11579456 بتاريخ 20 أيلول 2018، وتم افتتاح فرع لها في النمسا تحت رقم1643702166  بتاريخ 17 أيلول 2019، وفرع ثالث تابع لاتحاد الجمعيات الأهلية في تركيا (أحد كيانات التنظيم الدولي)، برقم  34-263/068   بتاريخ 11 أيلول 2020، وفرع بدولة تونس الشقيقة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020.

ويتولى رئاسة مجلس إدارة منظمة “شبكة محرري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، الإخواني الأردني عاطف دلقموني، المستشار السياسي لشبكة قنوات “الجزيرة”، ويتولى منصب المدير التنفيذي الإخواني المصري أبو بكر خلاف، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة بممثلي الكيان الصهيوني، وغيّر اسمه إلى (أبو بكر إبراهيم أوغلو)، بعد حصوله على الجنسية التركية. 

 خلال الفترة الماضية، دعت المنظمة الإخوانية المشبوهة، للتطبيع الصهيوني وفقاً لما يعرف بـ”صحافة وإعلام السلام بين الشعوب”، في إطار الترويج للتعايش مع الكيان الصهيوني داخل المنطقة العربية والشرق الأوسط، فضلاً عن تركيزها المباشر على القطاعات الشبابية الجديدة لاستقطابها والتأثير في أدبياتها الفكرية والذهنية.

ضمت المؤسسة الإخوانية المشبوهة ” MENA EDITORS”، بين صفوفها التنظيمية والإدارية، أحد أخطر رجالات التنظيم الدولي للإخوان، إسماعيل محمد مصطفى القريتلي، من مواليد مدينة بني غازي الليبية، ويحمل الجنسية القطرية، وجواز سفر رقم  18992.

وفقاً لتسريبات لجهاز الأمن الخارجي الليبي، فإن إسماعيل القريتلي، لعب دوراً مهماً في خدمة جماعة الإخوان لسنوات طويلة داخل أفغانستان وقطر وبريطانيا، كما أنه من المطلوبين على لائحة الأمن الليبي الخارجى وجهاز الاستخبارات الليبية، فضلاً عن مساهمته في تأسيس عدد من وسائل الإعلام الإخوانية المعنية بالمشهد الليبي الداخلي، من بينها “أجواء البلاد”، و”أجواء نت”، وموقع “عين ليبيا”، والإشراف على تأهيل الكوادر الإعلامية الإخوانية الصاعدة وتدريبها، بتعليمات من قيادات “حزب العدالة والبناء” الإخواني في ليبيا، وعلي الصلابي، المعروف بـ”قرضاوي ليبيا”، وأحد المشرفين على الحركات المسلحة في العمق الليبي. 

 ضمت الهيئة التأسيسية للمنظمة المشبوهة كلاً من الإخواني السوداني حسن سعيد المجمر، مسؤول الشراكات والبحوث في مركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان، والفلسطيني أحمد بعلوشة، مدير تحرير موقع “مسبار”، الذي يعمل وفقاً للأجندة الإخوانية والمعني بمراقبة ومتابعة وسائل الإعلام المصرية، والصحافي المصري، أحمد سليم، وياسر فتحي، وحسام الوكيل، والصادق الرزيقي رئيس اتحاد الصحافيين في السودان، المحسوب على جماعة الإخوان.   

لم تتوقف منظمة” MENA EDITORS” الإخوانية عن دورها في تخريب العقول الشبابية، إذ عقدت اتفاقيات مباشرة مع عدد من المؤسسات الأميركية والممولة للمشاريع المناهضة للأنظمة السياسية الحاكمة، والتي تتفق مع أجندته ومع أدبيات تكتيكات الثورات الشعبية، والتدريب على العصيان المدني. 

 في مقدمة المؤسسات الممولة “الصندوق الوطني للديموقراطية” (NED)، والذي يقدم منحاً لا تقل عن 50 ألف دولار سنوياً، ووفقاً لتعريفه عبر موقعه الرسمي (يشجّع الصندوق المنظمات العاملة في بيئات متنوعة، بما في ذلك الديموقراطيات الحديثة، والدول شبه الاستبدادية، والمجتمعات القمعية والدول التي تمر بمرحلة انتقال ديموقراطية للتقديم)، ويتبع “الصندوق الوطني للديموقراطية” (NED)، مجموعة من المنظمات الأميركية التي تعمل على تغيير الأنظمة العربية الحاكمة، ولعبت دوراً تخريبياً خلال مرحلة الثورات العربية عام 2011، مثل المعهد الأميركي للمشاريع، ومعهد بحوث المثلث، والمعهد الوطني الديموقراطي للشؤون الدولية، والمعهد الجمهوري الدولي، والمركز الأميركي للتضامن الدولي في العمل، وصندوق الأمم المتحدة للديموقراطية، ومؤسسة وستمنستر للديموقراطية. 

 روّجت منظمة MENA EDITORS  الإخوانية لدروات وورش عمل، ودبلومات مهنية حول الإعلام البديل أو الإعلام الموازي، يقدمها مدربون من جنسيات عربية، ينتمون في غالبيتهم تنظيمياً الى الجماعة، الى جانب إعلاميين عاملين في شبكة قنوات الجزيرة، بما يخدم الأهداف الإخوانية ورسالتها التحريضية التي توظفها لتفكيك البنية المجتمعية للشعوب العربية، والتدريب على نظريات إسقاط الأنظمة السياسية الحاكمة تحت دعاوى الديموقراطية وحرية التعبير والرأي، وهدم الثوابت العقائدية وتغليفها بالمنطلقات القطبية المتشددة.

 تتولى شركة “غرس”، المتخصصة في مجال الاستشارات القانونية للمؤسسات العاملة على الأراضي التركية، الدفاع عن المنظمة وأنشطتها في المنطقة العربية، وهي شركة “إخوانية”، تأسست نهاية عام 2012، فضلاً عن عقدها شراكة مؤسسة مع منظمة “منصة الدراسة” للخدمات التعليمية في اسطنبول، ويديرها الإخواني السوري فادي محمود عيبور.

تعتبر منظمة “شبكة محرري الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” من الكيانات الإعلامية والسياسية التي تؤدي أدواراً مزدوجة، لا سيما في ظل وجود الإخواني أبو بكر خلاف، المعروف بتطبيعه مع الكيان الصهيوني، إذ شارك في مؤتمر “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي”، الذي عُقد في تل أبيب، في الفترة ما بين 27 إلى 29 كانون الثاني (يناير) 2019.

كانت زيارة أبو بكر خلاف سريّة، حتى قيام المحلل السياسي الإسرائيلي إيدي كوهين، بنشر تفاصيل مشاركته في المؤتمر الإسرائيلي، ودعوته الى اعتناق الديانة اليهودية والإقامة في إسرائيل، والحصول على الجنسية، باعتباره أحد المتعاونين مع الكيان الصهيوني.

 تخرج أبو بكر خلاف من كلية الآداب – جامعة عين شمس، في القسم العبري، ثم التحق بالمعهد الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة، لمدة ثلاث سنوات، ورغبة في التطبيع المبكر، خاطب السفارة الإسرائيلية لتسهيل دخوله الى تل أبيب، تحت لافتة دراسة الأدب الإسرائيلي، سعياً إلى التقرب من الدولة الصهيونية، واختار بحثاً عن البعد الاجتماعي في رواية الأديبة سارة إنجل، ووصلته فعلياً دعوة للسفر إلى إسرائيل في آب (أغسطس) 2015، من ميخائيل غلوزمان الأستاذة في كلية الآداب في جامعة تل أبيب.

خلال ترتيبات السفر إلى إسرائيل، ألقت السلطات المصرية القبض عليه، في واقعة تخص تصوير أماكن سيادية وعدد من المواقع العسكرية، وأحيل إلى التحقيق في القضيتين 4449 و4748 لعام 2015، وفي كانون الثاني 2016 أُفرج عنه بكفالة على ذمة القضية، ليتمكن بعدها من الهروب عن طريق السودان ومنه إلى تركيا.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى