أقلام وأراء

عمرو الشوبكي: نقاشات بعد الحرب

عمرو الشوبكي 5-7-2025: نقاشات بعد الحرب

لافت النقاش الذي جرى بين مختلف الأطراف في أعقاب انتهاء الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، فمن ناحية ردّد الطرفان أنهما انتصرا، وأكد المرشد والرئيس الإيراني أنهما حققا «نصراً مبيناً»، كما أكد نتنياهو أن بلاده حققت «نصراً عظيماً».

وقد اختلفت ردود الفعل في العالم العربي ما بين تعاطف واضح مع إيران داخل البلدان التي لم تعانِ من وجود أذرعها وتدخلاتها وعلى رأسها مصر، كما أن هناك تياراً تمسك بموقفه «العدمي» بأن نتائج أي حرب مع إسرائيل هي الهزيمة لوجود مؤامرة غربية أميركية على المنطقة، ونسى أو تناسى أن هناك بعض الانتصارات التي تحققت في مواجهة إسرائيل، كما أن النصر مرتبط بشكل أساسي بأوراق القوة التي يمتلكها كل بلد، حتى لو كانت هناك مؤامرات تحاك ضدها.

والحقيقة أن حروب المنطقة مع إسرائيل كانت تستدعي في كل مرة تاريخ العلاقة بين تجارب التحرر الوطني والاستعمار، وكيف أن الانتصار كان حليف الدول المحتلة حتى لو كانت أضعف، وأن مشروعية المقاومة والتحرر الوطني ستبقى خالدة لأنها تمثل صراعاً بين العدل والظلم والخير والشر، وأن انتصار الشعوب المحتلة بات جزءاً من سنن الكون.

والحقيقة أن حروب العالم العربي ضد القوى الكبرى وإسرائيل لم تكن كلها حروب «تحرر وطني»، وأن الانطلاق من نظريات المؤامرة لتبرير «الهزيمة» أمر فيه مغالطة تاريخية لواقعنا وما جرى في العالم كله.

وبصرف النظر عن تعاطف ودعم تيار واسع من الرأي العام العربي مع إيران في حربها ضد إسرائيل، إلا أنه من الصعب إخضاع هذه الحرب بشكل كامل لمعايير حروب تجارب التحرر الوطني وانتصاراتها، لأنها ستخضع أكثر لتوازنات القوى والأوراق التي يمتلكها كل طرف في مواجهة خصمه.

إن إدانة العدوان الإسرائيلي والضربة الأميركية على إيران، ورفض المعايير المزدوجة والانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل، لا يعنيان أن الانتصار سيكون حليف الطرف الذي يعتبر نفسه «على حق» إنما من يمتلك أوراق قوة سياسية وعسكرية، وتماسكاً مجتمعياً.

إن رحلة المنطقة مع الحروب والمواجهات العسكرية تقول: إن كثيراً منها عرف هزائم وبعضها شهد انتصارات، والمؤكد أن الحرب الإيرانية – الإسرائيلية لم تكن حرب فيتنام وأميركا، ولا الجزائر في مواجهة الاستعمار الفرنسي، ولا معركة نيلسون مانديلا في مواجهة نظام الفصل العنصري، لأن إيران دولة مستقلة ذات سيادة تبنّت مشروعاً سياسياً دفع الدول الكبرى وإسرائيل لاستهدافها، وهو يحتاج أوراق قوة لكي يستمر وليس فقط خطاب المستضعفين.

لقد امتلكت إيران جانباً من هذه الأوراق، ولذا صمدت في وجه العدوان واستطاعت أن تردعه، حتى لو تفوّق عليها جوياً واستخباراتياً؛ لأن حسابات النصر في معارك عصر ما بعد التحرر الوطني ستحكمها «بشكل بارد» أوراق القوة التي يمتلكها كل طرف، وصلابة تحالفاته الدولية وتماسكه المجتمعي.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى