أقلام وأراء

عماد شقور يكتب – من مقاعد المتفرجين… إلى مقاعد لاعبي الاحتياط

عماد شقور – 30/4/2020

نقف اليوم على عتبة تشكيل حكومة برأسين في إسرائيل، كثمرة لمناورات ونتيجة لمفاوضات بين كتلة اليمين واليمين المتطرف والحزبين اليهوديين المتزمتين الشرقيين (السفاراديم)، والغربيين (الاشكنازيم)، بقيادة رئيس الحكومة الإسرائيلية، ورئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، من جهة، وبعض من الوسط ـ اليسار (بالمقاييس الإسرائيلية)، بقيادة رئيس هيئة اركان الجيش الإسرائيلي الاسبق، ورئيس حزب «حوسن ليسرائيل» (مناعة إسرائيل)، وكتلة «كحول لفان» بعد انشقاقها.

يخطئ كل من يظن أن أيمن عودة، ومن معه في القائمة المشتركة، كان يعتقد ان اسم من يتفاوض معه لترشيحه لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، هو الوطني الفلسطيني «بيني عرفات»، او انه القومي العربي «بيني عبد الناصر». كان أيمن عودة، ومن معه، يعرف ويعرفون أنهم يرشحون الجنرال المتقاعد في جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، بيني (بنيامين) غانتس، الرئيس الاسبق لهيئة اركان الجيش الإسرائيلي، مؤسس حزب «حوسن ليسرائيل» (مناعة إسرائيل)، وكتلة «كحول لفان» (ازرق ابيض)، وهما لَونا العلم الإسرائيلي. لكن أيمن عودة، ومن معه، يعرفون ان بيني غانتس ليس بيبي (بنيامين) نتنياهو. وعندما تكون محصورا، بسبب ضعف فلسطيني، وانهيار في المحيط العربي، ولا خيار لك الا واحدا من بين اربعة خيارات: خيار مر، وخيار اكثر مرارة، وخيار العدمية، وخيار الاستنكاف، فإن القرار الحكيم والشجاع، هو التبني، بألم وحسرة ودون رضى، للخيار المر، وكان هذا الخيار المر هو التوصية بتكليف غانتس تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، تريح الناس من نتنياهو وعهده اليميني العنصري المتطرف.

لهواة التفاجؤ أن يتفاجأوا كما اعتادوا، بل وربما كما يحبون ويريدون ويتمنون ايضا. لكن القائمة العربية المشتركة، والغالبية العظمى من جمهورها ومؤيديها، لم يتفاجأوا ابدا، فهم يعرفون بالضبط انه لم يكن امامهم أحصنة بديلة افضل يراهنون عليها، وان الاستنكاف عن المراهنة كان سيبقيهم حيث كانوا منذ عام النكبة 1948، على مقاعد المتفرجين، يندبون مع النادبين من شعبهم، امام نظام عنصري وحكومات تزداد تطرفا وعنصرية، وجمهور لا يرى عذاباتهم ومعاناتهم ولا عذابات ومعاناة ابناء شعبهم الفلسطيني على ارض فلسطين، وفي دول المنافي واللجوء والشتات، ولا يسمع نحيبهم، ولا تهمه نكبتهم التي تعني له سيادته هو، وسطوه هو على تاريخهم وتشويهه، وأسره هو لحاضرهم، ومحاولته هو لتغييبهم، ووضعه هو للعراقيل والجدران والحواجز والعقبات، بل والألغام ايضا، امام مستقبلهم.

يعرف كل متابع للحياة السياسية في إسرائيل، أن ما أحدثته جماهير الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل، بين الجولتين الاخيرتين للانتخابات البرلمانية هناك، (17.9.2019 و 2.3.2020)، كان نقلة نوعية غير مسبوقة.

كانت هذه الجماهير، وممثلوها في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، منذ انتخابات الكنيست الاولى سنة 1949، وحتى انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين، محشورة على مقاعد المتفرجين، تنظر وتتحسر، مشلولة القدرة على الفعل والتأثير والتغيير، وتخسر مع تسجيل كل هدف في أي من الشباكين.

“هل نضجت الظروف الموضوعية بما يكفي لانتقال هذه القائمة، (بما هي عليه وما تعنيه وما تشير إليه)، من موقعها الحالي إلى موقع الفعل والمشاركة في رسم السياسات الإسرائيلية، على صعيد المساواة والسلام ونبذ العنصرية؟”.

كان المطلوب منطقيا ووطنيا، (في ظل كل ظروف النكبة ومآسيها المعروفة)، أن ينزل ممثلو الجماهير العربية الفلسطينية في الكنيست، من مقاعد المتفرجين الى ارض الملعب، الى ساحة الفعل والعمل والتأثير والانجاز. لم يتحقق هذا المطلب الوطني في دورة الانتخابات الاخيرة، الا انه حقق خطوة كبيرة وحاسمة على هذا الطريق: حقق الانتقال من مقاعد المتفرجين الى مقاعد لاعبي الاحتياط، وهي على ما يبدو.. بحكم طبيعة الحياة، وطبائع الأمور، وتعقيدات الواقع والظروف المحيطة، عملية انتقال الى محطة لا بد منها، وقد تم انجازها بنجاح كبير، بعد عملية مخاض عسيرة.

لكن ما نحن فيه الآن اكثر تعقيدا، لأن المطروح امامنا، وبعد ان استقر اعضاء القائمة العربية المشتركة على مقاعد لاعبي الاحتياط، هو سؤال المستقبل، سؤال: من هنا الى اين؟، واي من المسارب والطرق عند هذا التقاطع نختار، او، وبلغة لينين: ما العمل؟.

المطلوب، وطنيا، بذل كل الجهود للانتقال من مقعد لاعب الاحتياط، الى ميدان المباراة والعمل الشاق لتسجيل الأهداف. والسؤال الصعب والمحير هنا هو: هل القائمة العربية المشتركة، بتركيبتها الحالية، مؤهلة للنزول الى الملعب الحقيقي؟. جوابي على هذا السؤال: نعم هي مؤهلة وقادرة.

إلا أن السؤال الاصعب والأهم، والأكثر احراجا، هو: هل نضجت الظروف الموضوعية بما يكفي لانتقال هذه القائمة، (بما هي عليه وما تعنيه وما تشير اليه)، من موقعها الحالي الى موقع الفعل والمشاركة في رسم السياسات الإسرائيلية، على صعيد المساواة والسلام ونبذ العنصرية؟. وجوابي هنا هو أنني أشك بذلك كثيرا، وليس منبع هذا الشك انعدام الثقة بقدرات وكفاءات أعضاء الكنيست من القائمة العربية المشتركة، بل منبعه هو شبه اليقين عندي أن الشارع اليهودي في إسرائيل لم ينضج بعد لمثل هذه الخطوة الكبيرة، خطوة الانتقال من مقاعد المعارضة في الكنيست، الى مقاعد الوزارة.

هنا نصل الى لحظة الحقيقة، لحظة الاجابة اللازمة على سؤال «ما العمل» في ظل كل هذه الظروف وتعقيداتها.

اجتهد هنا وأقول: لقد ادت القائمة العربية المشتركة حتى الآن ما هو مطلوب منها، خدمة لحقوق ومصالح جماهيرها الفلسطينية في الداخل، على صعيد المساواة ونبذ العنصرية والتمييز، ولشعبها الفلسطيني على ارض فلسطين وفي دول اللجوء والشتات، على صعيد السلام، وحفظ الحقوق المشروعة للاجئين، باعتبار ان جماهير الداخل وقياداتهم في القائمة المشتركة، هم رأس الحربة فقط في النضال الوطني الفلسطيني، وليسوا هم الحربة كلها.

هذه الحقيقة تدفعنا بالتأكيد للبحث عن مسرب الانتقال من مقاعد لاعبي الاحتياط، (وهي بلغة الكنيست: «شبكة الأمان»، او «الكتلة المانعة»، او «التأييد من الخارج»)، الى ساحة الفعل والتنفيذ، (وهي بلغة الكنيست: «مجلس الوزراء» و«الإئتلاف الحاكم»).

أعتقد أن الطريق الواعد بتحقيق ذلك، هو طريق العمل بجدية مطلقة، على تشكيل حزب يهودي عربي برأسين متساويين، او قائمة انتخابية يهودية عربية، لخوض الانتخابات للكنيست الرابعة والعشرين، يكون جوهرها في الشارع العربي الفلسطيني هو القائمة العربية المشتركة الحالية، مع ضرورة تطعيمها بشخصيات مستقلة، وتكون نواتها في الشارع اليهودي هم أعضاء حزب ميرتس والآلاف من اليهود الإسرائيليين الذين صوتوا لصالح القائمة العربي المشتركة، في الانتخابات الأخيرة قبل شهرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى