أقلام وأراء

عماد شقور يكتب – عن إسرائيل العنصرية وعن راهنها الاستراتيجي الفاشل

عماد شقور *- 21/10/2021

في التعليقات والتحليلات الكثيرة على خطوة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، سحب قوات الإحتلال والاستعمار الأمريكي من أفغانستان، ذكرت وسائل إعلام أمريكية وغير أمريكية أيضاً، ما معناه وفحواه، (وما نصّه في إحداها): «ضاق بايدن ذرعاً، وملَّ من سماع نصائح جنرالاته، بشأن مواصلة دعم جهودٍ عاقرة للاستمرار ومواصلة ضخّ المليارات والعتاد الحربي، لإطالة أمد السيطرة على أرض وشعب أفغانستان».

ما نعانيه في فلسطين، يكاد أن يكون اعتماد إسرائيل سياسة مناقضة للسياسة التي اعتمدها وطبّقها الرئيس الأمريكي. إذ رغم صوابية ودِقّة المقولة البريطانية المعروفة: «مَن يحمل مطرقة يعتقد، (واهماً) أن حلّ كل مشكلة يواجهها، هو اعتبارها مجرّد مسمار» بمعنى أن كل جنرال يعتقد أن قضية تعترض طريقه وما يتمناه، يمكن معالجتها باستخدام مدفعه، فإن الأكثر تهوّراً في إسرائيل هم رجال السياسة، وليس قادة جيش الإحتلال والاستعمار الإسرائيلية، وقادة الأجهزة الأمنية هناك، حيث أن الغالبية العظمى بين من تداولوا على كراسي الحكومة والحكم في إسرائيل، ورغم أنهم من صفوف كبار ضباط الجيش وقادة الأجهزية الأمنية، فإنهم يغيّرون مواقفهم بين هاتين المرحلتين: مرحلة مواجهة الحقيقة على أرض الواقع من جهة، ومرحلة العمل على حصد أكبر عدد من أصوات الجمهور اليهودي اليميني، واليميني العنصري المتطرف في إسرائيل، في محاولة الى الوصول الى كرسي الحكم ورسم السياسة وتطبيقها؛ ثم يعود هؤلاء، في الغالب الى تحكيم العقل والمنطق، بعد أن يكونوا وصلوا المرحلة الثالثة من عمرهم: مرحلة التعاطي مع القضايا المطروحة، بعقلانية وهدوء، دون الإلتفات الى أصوات غالبية المجتمع اليهودي اليميني العنصري في إسرائيل، في كل معركة انتخابات.

[لا بدّ هنا طبعاً من تسجيل حقيقة ان كل تعميم، مهما كان، هو خاطئ في أساسه، ولكنه صحيح ودقيق تماما في جوهره الذي يقصده، جوهر الحديث عن الغالبية، وعن الغالبية العظمى في الكثير من الأحيان].

دليلنا على ذلك هو ما رشَح ويرشَح من مواقف لجنرالات جيش الإحتلال والاستعمار الإسرائيلي، وقادة أجهزة الأمن هناك، حول سياسة وأسلوب وطريقة التعاطي مع جماهير الشعب الفلسطيني ومناضليه وقياداته، خاصة على أراضي الدولة الفلسطينية، وفي «داخل الداخل» أيضاً. (مع ضرورة معرفة أن ما يرشَح قليل نسبياً، بسبب القانون الذي يحظر على قيادات الجيش والأمن التحدث، علناً، في الشؤون السياسية، حيث أن ذلك من حق السياسيين فقط) وما تزخر به الصحافة الإسرائيلية من مقالات كتابها غير المعنيين في المنافسات المباشرة على شغل مناصب سياسية في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) والحكومة، ومثلهم غالبية العاملين في مراكز الأبحاث والدراسات. وقد يكون من الملائم هنا التذكير بتصدي رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، ورئيس جهاز الموساد، ورئيس جهاز المخابرات (الشاباك) في مطلع العقد الماضي، (وخاصة سنة 2012) لرئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع في حينه، إيهود براك، اللذين حاولا الدفع باتجاه مغامرة شن حرب عسكرية، مكشوفة، على إيران.

هكذا هي حقيقة الوضع في المجتمع اليهودي في إسرائيل. رجال سياسة مهووسون في الكنيست والحكومة، يتنافسون حول من يكون منهم أكثر عنصرية وفاشية ضد الفلسطينيين. في آخر فضيحة سياسية عنصرية، قال عضو الكنيست اليميني الفاشي المتطرف، بتسليئيل سموطرتش، اثناء مناقشة «قانون أساس: الهجرة» في الأسبوع الماضي، موجِّهاً كلامه لأعضاء الكنيست العرب: «أنتم هنا عن طريق الخطأ، لأن بن غوريون لم يكمل المهمَة، ولم يطردكم سنة 1948». هذا الكلام العنصري المشبع بالشوفينية، مشبع أكثر بالغباء. فحتى قول هذا المسؤول الإسرائيلي الرسمي أن «مهمة» بن غوريون كانت طرد الفلسطينيين من مدنهم وقراهم في سنة النكبة، كانت كل التصريحات الرسمية الإسرائيلية تحاول التأكيد ان مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين «غادروا» (!) بيوتهم ووطنهم بقرار من جيوش عربية هاجمت «الدولة البريئة الوليدة» وطلبت منهم «المغادرة» لفترة أيام أو أسابيع قليلة، ريثما تنحي الحرب بهزيمة إسرائيل، وعندها يعودون الى مدنهم وقراهم وأملاكهم. جاء عضو الكنيست سموطرتش وأعلنها صريحة: إن مهمة «مهندس» دولة إسرائيل، الذي أعلن إقامتها، دافيد بن غوريون، كانت طرد مئات أُلوف الفلسطينيين الذين أصبحوا لاجئين، بل حتى أن سموطرتش استخدم كلمة «زراك» العبرية، التي تعني «رمي» حرفياً.

أعاد سموطرتش القضية الفلسطينية الى الحلقة الأخيرة في المربّع الأول في الصراع الفلسطيني، وفي الصراع العربي الصهيوني بشكل عام. الحلقة الأولى في هذا الصراع هي حلقة المؤتمر الصهيوني الأول في نهاية القرن التاسع عشر. أمّا الحلقتان الوسيطتان في هذا المربّع فهما حلقتا «وعد بلفور» و«صكّ الإنتداب البريطاني» وإعادة عضو الكنيست العنصري، سموطرتش، بغبائه، لقضية صراعنا المتواصل والممتد مع الحركة الصهيونية العنصرية، هي خطوة إيجابية كبيرة، يجدر بنا اعتمادها نقطة انطلاق جديدة في صراعنا مع هذا العدو العنصري.

صحيح أن الحركة الصهيونية العنصرية حققت غالبية عظمى من أهدافها ورهاناتها التكتيكية قصيرة المدى، (بالمعنى التاريخي للكلمة) لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، وأخفقت، حتى الآن على الأقل) في تحقيق أهدافها ورهاناتها الإستراتيجية طويلة المدى، (بالمعنى التاريخي للكلمة):

ـ راهنت على إقامة «دولة إسرائيل» على كل أرض فلسطين وكل أرض المملكة الأردنية. من البحرغرباً حتى حدود العراق شرقاً. ولا يضيرنا هنا التذكير بكلمات نشيد «بيتار» وهو الجذور التي نمَت عليها حركة «حيروت» التي شكّلت الجذع الذي نمَت عليه حركة «الليكود» وجميع الحركات اليمينية العنصرية الأُخرى، والتي تولّت تشكيل الحكومات الإسرائيلية منذ سنة 1977 وحتى ألآن، أي على مدى الـ44 سنة الأخيرة، باستثناء ثلاث سنوات لحزب «العمل» برئاسة اسحق رابين، وسنة وتسعة أشهُر برئاسة أيهود براك. تقول كلمات نشيد بيتار: «للأُردن ضفّتان، واحدة لنا، والثانية أيضاً». أين هم أصحاب هذا النشيد الصهيوني من هذا؟.

ـ راهنت، بخصوص موضوع اللاجئين الفلسطينيين، كما عبّرت عنه غولدا مئير: «الآباء يموتون، والأبناء ينسون فلسطين». فلا الأبناء نسوا، ولا الأحفاد، ولا أحفاد الأحفاد نسوا.

ـ راهنت على القفز عن حقوق الشعب الفلسطيني، والتوصل الى»سلام» مع الدول العربية. اين هي إسرائيل من تحقيق هذا الحلم؟ باستثناء تحقيق «سلام» مع قصور حكّام عرب، في حين يرفضها الشارع وجماهير شعوب الأمة العربية.

ـ راهنت على التحالف مع كل العرب المسيحيين. أنظروا الى الغالبية المطلقة من المسيحيين العرب في مصر والعراق وسوريا والأردن، بل وفي لبنان الذي حاولت أن تُنَصِّبَ عليهم رئيساً من الأقلية المارونية، هو بشير الجمَيِّل. ولا داعي للحديث والتذكير بالدور الوطني النضالي المُمَيّز للمسيحيين العرب الفلسطينيين.

ـ راهنت على التحالف مع كل المسلمين غير العرب، ونجحت لعقدين أو أكثر قليلاً، (بفعل خبث ومكر بريطانيا،عدو العرب الأول) في التحالف مع إيران الشاه/ محمد رضا بهلوي، ومع تركيا عدنان مندريس وبعضٍ من خلفاء مصطفى كمال أتاتورك. أين هو «الحليف» الإيراني لإسرائيل الآن؟، وأين هو «الحليف» التركي لإسرائيل الآن؟.

ـ راهنت على رئيس أمريكي أرعن، (دونالد ترامب) ومناصريه من اقصى اليمين العنصري، الإفنغلست، واستصدرت قرارات بعقوبات على إيران، كانت نتيجتها عكسية تماماً، ومكّنت إيران من قطع شوط مذهل في تخصيب اليورانيوم المرعب لإسرائيل، وعادت أمريكا، بإدارة الحزب الديمقراطي، تستجدي العودة الى اتفاق إيران مع 5+1،.. وأكثر من ذلك فشلت وهي الحليف الأقرب للقوة العظمى من فرض «صفقة القرن» على الفلسطينيين، وهم أقل شعوب الأرض امتلاكاً لعناصر القوة العسكرية والاقتصادية، وهم الشعب الوحيد في العالم الذي ما زال يرزح تحت نير الإحتلال والاستعمار والتمييز العنصري والحصار، ورغم أنه لم يحظَ هذه الأيام بقيادة كفؤة، وتعاني من أداء ركيك، وفي شارع وطني يعاني من انقسام منذ 14 سنة واربعة اشهر.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى