عماد شقور يكتب – شتاء حار في الشرق الأوسط الكبير
القدس العربي – عماد شقور – 10/11/2017
كأننا على فوّهة بركان يمكن له ان يثور في أي لحظة، ويلقي بحممه في أي اتجاه، ويمكن لضحاياه، او لبعضهم على الاقل، ان يتحولوا إلى «قذائف بشرية» تتفجر هنا وهناك، في أي عاصمة او مدينة قريبة او بعيدة.
الى ما قبل اسابيع قليلة ماضية، كنت اكرر قناعة راسخة لدي منذ حوالي اربعة عقود، وتحديدا منذ الاطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي، وبنظامه المتحالف مع اسرائيل، ان «الشيعة الفارسية/الايرانية» لن تُضرب. سببا هذه القناعة ومبرراها هما:
ـ ان هذه القوة الشيعية الكامنة لا تشكل تهديدا جديا للنظام العالمي. وهي في احسن او اسوأ الحالات، (حسب الزاوية التي يرى الناظر منها اوضاع وتطورات احداث المنطقة والعالم)، قد تطمح للاستقلال الحقيقي عن الغرب، بكل مكوناته، واسرائيل واحد من هذه المكونات.
ـ ان لهذه القوة الشيعية الكامنة دورا محوريا في اشغال القومية العربية، ومخزونها السّني الهائل، لمنعها من انتاج منافس قوي على الحلبة الكونية، لفرض، او للمساهمة الفعّالة، في رسم أي نظام عالمي جديد، يحفظ ثروات الامة العربية ويحمي مصالحها، على غرار التجربة الثابتة عمليا، والتي مثّلها الدور الريادي للزعيم العربي الخالد، جمال عبد الناصر، ودوره الحاسم في انهاء النظام العالمي القائم على اساس الاستعمار المباشر، وغير المباشر ايضا، في قارّات العالم الجنوبية: آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. والأخطر من ذلك: زعزعة التسليم بنظام عالمي يقوم على معادلة نظام القطبين: الغربي، بقيادة الولايات/الدول المتحدة الاميركية؛ والشرقي، بقيادة الاتحاد السوفييتي. وتمثل ذلك بقيادته تحركا عالميا، استقطب إلى جانبه صديقيه الحميمين: الهندي، جواهر لال نهرو، واليوغسلافي، جوزيف بروز تيتو، اضافة إلى شو إن لاي في الصين، وسوكارنو في اندونيسيا، والسيدة باندرا نايكا وعشرات زعماء الاستقلال من الاستعمار والهيمنة الاوروبية والامريكية: نكروما، ليوبولد سنغور، احمد سيكوتوري، جوليوس نيريري، فيديل كاسترو، بل وامبراطور الحبشة، هيلا سيلاسي. هذا الدور الريادي في اقامة معسكر عدم الانحياز والحياد الايجابي، منع السيطرة المطلقة للمعسكرين المتصارعين الغربي والشرقي، على مقدّرات كافة شعوب العالم ودوله، وفتح بابا لامكانية ان تتقدم تلك الشعوب والدول حديثة التخلص والتحرر من الاستعمار المباشر، على طريق الاستقلال الحقيقي، والاستفادة من ثرواتها لضمان مستقبلها، والمساهمة في بناء عالم اكثر استقرارا.
هذا لم يعد قائما اليوم. فالقيادة الايرانية بالغت كثيرا في تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية القريبة منها، بل تسعى وتتدخل في دول عربية في المغرب العربي. وجميع هذه التدخلات رافقتها وترافقها نزعات طائفية واضحة، تغطي بها احلام يقظة باستعادة مجد فارسي يهيمن على مجمل دول الشرق الاوسط العربية.
ايران، مع مواصلة اندفاعها في سياسة التدخل في دول الجوار العربي، تعرض نفسها للخطر. ويبدو، حتى الآن، ان ما حققته لنفسها من مكاسب في العراق، بفضل غباء سياسي امريكي بدأه عهد الرئيس الامريكي الاسبق، جورج بوش الإبن، وتابعه من جهة معاكسة عهد الرئيس الامريكي السابق، باراك اوباما؛ وما حققته من مكاسب في سوريا، بفضل التدخل الروسي الحاسم هناك، قد زاد ثقتها بصوابية سياستها، فأقدمت على التصعيد في اليمن، الذي تمثل باطلاق صاروخ، ايراني الصنع، من هناك إلى المطار السعودي شمال العاصمة الرياض. وذلك دون ان ننسى تصريحات ايرانية في ساعات نشوات انتصارات هنا وهناك، حول هيمنة ايرانية على اربع عواصم عربية، وغير ذلك من تصرفات رعناء متتالية، تثير قلقا في عواصم عربية ذات وزن وتأثير، وتدفع الامور باتجاه صدام عسكري يتدحرج من مرتبة الصدام غير المباشر، إلى مرتبة صدام مباشر، نسمع هذه الايام اصداء دقات طبوله.
كل الدلائل، حتى الآن، تشير إلى ان اندلاع حرب في المنطقة اصبحت شبه مؤكدة، وكثيرون لا يسألون عن امكانية اندلاعها، وانما عن تاريخ وتوقيت اندلاعها. وفي مثل هذه الاجواء، والاحتقان الذي يبلغ كل يوم، وما بين كل نشرة اخبار والتالية لها، ذروة جديدة، يصبح توقع نشوب الحرب مبررا ومنطقيا ومتوقعا. يكفي والحال كما هو عليه اليوم، انطلاق رصاصة واحدة، حتى ولو بالخطأ، او تفسير خاطئ من طرف لخطوة يقدم عليها الطرف الآخر، لتشعل حربا لا احد ينتصر فيها.
اخطر من ذلك ايضا، ان هناك اطرافا ذات علاقة بالمنطقة وشؤونها، واولها واخطرها اسرائيل، معنية باندلاع حرب عربية ايرانية. وليس من المستبعد اطلاقا ان تبادر اسرائيل، علنا، او خفاء، وهو الاحتمال الارجح، بعمل يفتعل حادثا ويملك آلية التطور الذاتي، مشكلا الطلقة الاولى في هذه الحرب.
حتى الآن، كان عنوان الصراع الغربي، (والامريكي اساسا)، الداعم لاسرائيل مع ايران، هو من يسيطر على مقدرات وثروات دول الجوار العربي، والسعودية والخليج العربي خاصة. وكثيرا ما كررت ان «هذا صراع علينا، وليس صراعا لنا»، وان استخدام قضية شعبنا الفلسطيني المقدسة والعادلة، وتعابير «الشيطان الاكبر» و»الشيطان الاصغر»، و»الموت لاسرائيل»، ليست الا تكتيكا وذرّا للرماد في عيوننا.
اصبحت المعادلة الآن اكثر تعقيدا. وايران مندفعة في تقديم مبررات لاندلاع حرب مدمرة في المنطقة باسرها، وقودها ابناء الشعب الايراني، (او قل الشعوب الايرانية)، وابناء الشعوب والدول العربية. وفي حال نشوب هذه الحرب فانها ستكون حربا بالغة التدمير، قوامها الاساسي اسلحة الطيران والصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، ودور معارك الدبابات والاسلحة البرية محدودة فيها، لان لا احد من اطرافها معني بالتوسع والاستقرار في البلد الذي يخوض الحرب ضده، وربما باستثناء واحد هو دولة البحرين.
لن يكون مجال الحرب، في حال نشوبها، محصورا بين ايران والسعودية. من المستحيل ان لا تسعى ايران إلى اشراك اسرائيل فيها بتحريض حزب الله اللبناني على توجيه بعض من ترسانته الصاروخية إلى قلب اسرائيل، او حصره بالمنطقة الحدودية على اقل تقدير، الامر الذي يقدم لاسرائيل ذريعة لاحداث تدمير هائل في لبنان، وربما في سوريا ايضا.
في اوج هذا الاحتقان والتوتر في المنطقة، يجدر بالجانب العربي اعتماد التريث وعدم الانجرار لما فيه مصلحة اسرائيل. ليس من مصلحتنا كعرب المبادرة إلى حرب مباشرة مع ايران.
لكن ليس من مصلحتنا كعرب ايضا السكوت او القبول بهذا التغلغل الفارسي في الجسد العربي، تحت غطاء هذه الطائفة او تلك. ففي الدولة الايرانية تتراوح نسبة الفرس ما بين 49 في المئة إلى 51 في المئة فقط، واما بقية الايرانيين فيتوزعون على اقليات قومية اخرى، اكبرها التركمانيون والاكراد والعرب وغيرهم. ويتحدثون في ايران بـ 110 لغة، وان كانت اللغة الفارسية هي الطاغية.
لا ينبغي اعتماد سياسة التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة. لكن عندما تتدخل دولة ما في شؤون داخلية لشعوب ودول اخرى، فانها تستدعي وتبرر التدخل في شؤونها الداخلية.
ما زالت في هذا السياق قضايا كثيرة مجهولة. واذا نشبت الحرب، فلا احد يعرف كيف تنتهي، ولا يستطيع مفجروها السيطرة على مجرياتها وتطوراتها. ولكن يبقى المجهول الاعظم هو الموقف الروسي الذي استقر اخيرا في «المياه الدافئة» في المتوسط. ومن المستبعد تماما انخراط روسيا في أي من معارك الحرب التي تسعى اسرائيل لاشعال فتيلها، الا اذا كان التدخل الامريكي سافرا، وليس عبر ادواتها في المنطقة، وعلى الاخص اسرائيل.
٭ كاتب فلسطيني