عماد شقور يكتب – ثلاث ملاحظات سريعة…عن الأردن وانتفاضة لبنان وأحداث غزة
عماد شقور 14/11/2019
هي ثلاث ملاحظات، حول استعادة الأردن لأراضيه في الباقورة والغمر، ومقال الياس خوري قبل ايام، والوضع المتفجر منذ ثلاثة ايام بين حركة «الجهاد الإسلامي» وقوات الاحتلال الإسرائيلي.
نبدأ بالملاحظة الايجابية المفرحة : استعادة الأردن لأراضٍ أردنية في منطقتي الباقورة والغمر، اولاهما في الاغوار الشمالية، وثانيتهما في وادي عربة، شمال العقبة وجنوب البحر الميت.
لا بد من تسجيل بعض الحقائق التي يجدر بي تثبيتها، خاصة بعد ملاحظتي لكثير من الاخطاء والبلبلة التي حفلت بها مقالات عديدة، بل واخبار وتغطيات ومداخلات حول هاتين المنطقتين.
ـ احتلت إسرائيل الاراضي المعنية في قرية الباقورة الأردنية، ومساحتها أكثر قليلا من 800 دونم، سنة 1950، أي بعد عام واحد من توقيع اتفاقية الهدنة بين إسرائيل والأردن، (والاتفاقيات المشابهة لها مع مصر وسوريا ولبنان)، بحجة أن تلك الأراضي في ذلك الموقع الاستراتيجي، كان الانتداب البريطاني، قد منحها الى بنحاس روتنبرغ، سنة 1921، (وروتنبرغ هذا هو مهندس روسي ورجل أعمال، إضافة إلى أنه زعيم صهيوني، لعب دورا بارزا في الثورة البلشفية الروسية عام 1917، خلال الحرب العالمية الأولى، وكان من بين مؤسسي الفيلق اليهودي والمؤتمر اليهودي الأمريكي)، ليقيم عليها مشروع كهرباء فلسطين، بعد أن منحه الانتداب البريطاني امتياز كهربة فلسطين، (وبالمناسبة: اعترض مواطن يوناني، كان «الباب العالي» العثماني قد منحه امتياز انتاج الكهرباء لمنطقة القدس، وظلت هذه القضية تتصاعد، الى أن وصلت الى محكمة لاهاي الدولية، التي ثبتت حق المواطن اليوناني في انتاج كهرباء لمنطقة القدس، التي حددتها المحكمة الدولية بانها منطقة دائرية، نصف قطرها 25 كيلومترا، ومركزها كنيسة القيامة في القدس، ومنها نتج ما هو قائم حتى الآن، تحت اسم «شركة كهرباء القدس»).
نقول إن منطقة الباقورة هذه استراتيجية، لأنها تقع عند نقطة تلاقي نهر الأردن مع نهر اليرموك، حيث حدد الانتداب البريطاني نهر الأردن حدّاً فاصلا بين فلسطين و«إمارة شرق الأردن»، (المملكة الأردنية الهاشمية لاحقا)، وحدد نهر اليرموك حدّاً فاصلا بين سوريا والأردن، الأمر الذي يجعل منها منطقة ذات اهمية استراتيجية حسّاسة. ومن هنا جاءت تسمية إسرائيل لهذه المنطقة «نَهَرايِم»، أي نهرَين.
[في هذا السياق ايضا، سياق انسحاب إسرائيل من أراض احتلتها قبل سبعة عقود، يجدر بنا تسجيل لفت انتباه المفاوض الفلسطيني، (في يوم مفاوضات لاحق بالتأكيد)، لما كان يكثر الزعيم الفلسطيني الخالد، ياسر عرفات، من تكرار الحديث حوله، وهو ما كان يسمّيه «مثلّث الحِمّة»، الواقع بين جنوب بحيرة طبريا وملتقى نهري الأردن واليرموك، والذي يمكن، في يوم من الأيام، من تأمين منفذ حدود برية تربط أراضي «دولة فلسطين»، (على جزء من أرض فلسطين التاريخية)، بسوريا، بدل ان تظل دولة فلسطين محصورة بحدود برية مع إسرائيل والأردن فقط، (ولموضوع قطاع غزة والحدود البرية مع مصر حديث آخر). وكذلك لفت انتباه المفاوض السوري،(في يوم مفاوضات لاحق بالتأكيد)، الى سابقة اعتراف إسرائيل بالحدود التي رسمها الانتداب البريطاني في حينه، مع كل الفروق المعروفة بين موضوع أراضي قرية الباقورة الأردنية وموضوع الحدود السورية الإسرائيلية].
لأراضي منطقة الغمر وضع آخر مختلف عن وضع أراضي قرية الباقورة. هذه الأراضي، ومساحتها نحو 4000 دونم، أي اربعة كيلومترات مربعة، وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي في حرب حزيران/يونيو الكارثية والمشينة، سنة 1967، من ضمن مساحة ما يزيد على 370 كيلومترا مربعا، جرى انسحاب إسرائيل من بعضها لاحقا، وجرى تبادل بين إسرائيل والأردن لبعضها مع أراض فلسطينية في النقب كانت إسرائيل احتلتها سنة النكبة الكبرى 1948.
إسرائيل تفهم جيداً لغة القوة، ولغة السياسة والدبلوماسية الجادّة، التي تضع المصالح الوطنية العليا للدولة وللشعب، وتضع كرامة الوطن والمواطن، فوق كل اعتبار .
تم جمع قضيتي أراضي الباقورة والغمر بملحقين لإتفاقية وادي عَرَبة للسلام بين الأردن وإسرائيل، اقرّت إسرائيل فيها بالسيادة الأردنية على أراضي المنطقتين، ووافق الملك الأردني الراحل، الحسين بن طلال، من باب حسن النية، على تأجير تلك الأراضي لإسرائيل لمدة 25 سنة، قابلة للتجديد، ما لم يبدِ أحد طرفي الاتفاق رغبته في التجديد، على أن يبلغ الطرف الآخر قبل انتهاء فترة الاتفاقية بسنة على الأقل.
في ضوء الاستهتار الإسرائيلي بمصالح الأردن، بل وبدوره ايضا، على مدى طوال العقد الأخير، الذي تولى بنيامين نتنياهو خلاله رئاسة الحكومة الإسرائيلية، كان من المنطقي والبديهي، أن يعلن الملك الأردني، عبدالله الثاني، يوم 21.10.2018، أنه «لطالما كانت الباقورة والغمّر على رأس أولوياتنا، وقرارنا هو إنهاء ملحقي الباقورة والغمّر من اتفاقية السلام انطلاقًا من حرصنا على اتخاذ كل ما يلزم من أجل الأردن والأردنيين». وألحقت وزارة الخارجية الأردنية بالقرار الحكيم للملك الأردني، إعلانها بإرسال مذكّرتين الى وزارة الخارجية الإسرائيلية، أبلغت عبرهما الحكومة الإسرائيلية قرار الأردن بإنهاء الملحقين الخاصّين بمنطقتي الباقورة والغمر في معاهدة وادي عربة.
مع ما نشهده هذه الأيام من أحداث وتطورات، ومن تجاذبات واشتباكات، تغطي إيران وتركيا ومناطق الأكراد، وتغطي اضافة إلى ذلك سوريا ولبنان والعراق واليمن وتونس وفلسطين (وخاصة قطاع غزة)، وكامل الجزيرة العربية والمغرب العربي، يمكننا القول بثقة إن إسرائيل تفهم جيداً لغة القوة، ولغة السياسة والدبلوماسية الجادّة، التي تضع المصالح الوطنية العليا للدولة وللشعب، وتضع كرامة الوطن والمواطن، فوق كل اعتبار. ولو أضفنا إلى ما تقدم، رضوخ إسرائيل، بإفراجها عن هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي الأردنيين، بعد أقل من اسبوع من إعادة السفير الأردني من تل أبيب الى عمّان «للتشاور»، لأصبحت هذه الحقيقة اكثر وضوحا.
لكن، حتى وإن كان لا لزوم لاثبات اضافي على ان إسرائيل تتراجع عندما تتم مخاطبتها بالقوة، او بالسياسة والدبلوماسية الجدية الحاسمة، فاننا نذكر أن تعنت نتنياهو نفسه، عندما كان رئيسا للحكومة الإسرائيلية، قبل نهاية القرن الماضي، وامتناعه عن تطبيق الاتفاق الفرعي بخصوص الانسحاب من مدينة الخليل، الأمر الذي ازعج الرئيس الراحل ياسر عرفات، ودفعه للتهديد جدياً بالانسحاب من كل ما هو متفق عليه، ومؤكدا بدء استعداده لنقل اقامته من رام الله وغزة الى القاهرة، سارع الملك حسين، رغم مرضه وعلاجه في أمريكا الى عمّان، وانتقل منها بالمروحية الى تل ابيب، حيث التقى نتنياهو هناك، وتابع بمروحيته في ذات الليلة الى غزة، حيث ابلغ عرفات أن نتنياهو سيسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي من ثلاثة ارباع الخليل، ومن 13٪ من أراضي المنطقة (ج)، ليتم ضمها الى أراضي المنطقة (أ).
أنتقل هنا الى مقال الصديق الياس خوري الأخير في «القدس العربي»، يوم الاثنين الماضي، بعنوان « رسالة إلى الصديقات والأصدقاء في فلسطين»، وفيه عتب وعتاب مفهوم ومقبول، على عدم خروج مظاهرات في فلسطين تضامنا مع «انتفاضة الشعب اللبناني»، أقول له إن الغالبية العظمى، بل وربما الغالبية الساحقة من الفلسطينيين، سعيدة وفخورة ومتضامنة مع انتفاضة شباب وصبايا الشعب اللبناني الشقيق، الذي له مكانة خاصة لدى الفلسطينيين وثورتهم، وله دين في أعناق شعبنا. لكن فلسطين ضحية، وشعب فلسطين ضحية، والضحية، (كما تعلم ايها الصديق، «صاحب القلب الفلسطيني»)، لا تُسأل هي مع مَن.. الضحية تَسأل: من معي.
ثم نصل الى الملاحظة الاخيرة، ان كان من المستساغ الكتابة عن وضع متفجر اثناء تفجره وتدحرجه، كما هو حاصل على جبهة غزة بين «الجهاد الإسلامي» وإسرائيل. وأول ما نقول لحركة حماس: «اللهم لا شماتة!!». فقد عانت فتح كثيرا.. مرّات ومرّات ومرّات، من انفراد حماس بقرار تسخين المواجهة مع إسرائيل، بمبادرة منها احيانا، وباستدراج إسرائيل لها في أحايين كثيرة، لما فيه مصلحة القائم على رسم السياسة الإسرائيلية. اقول هذا ونحن نقترب من نهاية اليوم الثاني من المواجهة والقصف لمواقع واهداف في القطاع، بعد ان استدرجت «الجهاد الإسلامي» باغتيال بهاء ابو العطا، القائد العسكري في «الجهاد الإسلامي» الذي حمّلته إسرائيل المسؤولية عن اطلاق قذائف صاروخية، (دون تنسيق مع حماس)، على مدينة اسدود حيث اجبر نتنياهو على قطع خطابه هناك، اثناء حملة الانتخابات، وكان ذلك سببا في انتقادات كثيرين من المنافسين له في تلك الانتخابات.