أقلام وأراء

عماد شقور يكتب – تعالوا نفكّر بهدوء : أي سياسة يجدر بالقيادة الفلسطينية اعتمادها ؟

عماد شقور *- 17/9/2020

لم تنهِ «اتفاقيات السلام والتطبيع» التي وقعتها دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، مع إسرائيل، برعاية العرّاب الأمريكي، «حرباً» لم تقع اصلا، لكنها انهت ما يمكن اختزاله بعنوان «سياسة التكاذب» على الساحة العربية «الرسمية» ساحة التعامل بين الحاكمين في غالبية الدول العربية، ولتعلن تدشين مرحلة سياسية جديدة عنوانها الرئيسي وفحواها هو «اللعب على المكشوف».

هذا تطور كبير، يستدعي التعاطي معه، وخاصة في بداياته هذه الأيام، بجدية كاملة، بعقل منفتح، بأعصاب باردة، بتفكير غير تقليدي، باتقان لقواعد وقوانين «اللعب على المكشوف» التي تختلف تماما عن قواعد وقوانين «حقبة التكاذب».

قبل الولوج في صلب ما أعتقد أنه السياسة الفلسطينية التي يجدر بنا اعتمادها، في ضوء التطورات الاخيرة، اتوقف لتسجيل خمس ملاحظات جوهرية ذات علاقة مباشرة بهذه التطورات:

ـ الملاحظة الاولى، هي ان هرولة الإدارة الأمريكية للاحتفال بتوقيع تلك الاتفاقيات، هي، في جوهرها، اعتراف صريح بنجاح الشعب الفلسطيني، ومنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد لهذا الشعب، في اسقاط ما سمته تلك الادارة «صفقة القرن» وان هذا السقوط كان مدوِّياً الى درجة انه اضطر الادارة الامريكية افتعال احتفال مشبع بالبهرجة والطنطنة والاضواء والكاميرات، على امل أن يغطي ذلك على صورة فشل «صفقته» وضجيج سقوطها المدوّي.

ـ الملاحظة الثانية، هي أن كل ما تقدم في الملاحظة الاولى، حول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، و«صفقة القرن» [ويقول بعض الساخرين، ان الرئيس الأمريكي رجل صادق، فهو لم يحدد عن أي «قرن» يتحدث، وربما كان قصده «القرن الثاني والعشرين» بل وربما أحد «القرون» اللاحقة]، ينطبق على رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو و«ضم منطقة الاغوار وشمال البحر الميت».

ـ الملاحظة الثالثة، هي أن عيون ترامب ونتنياهو، كانت مركَّزة، ساعة توقيع تلك الاتفاقيات، يوم الثلاثاء الماضي، الخامس عشر من ايلول/سبتمبر الحالي، على يوم الثلاثاء المقبل بعد سبعة اسابيع، (يوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية)، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، مما جعل كل ذلك الاحتفال، في نظر ملايين الأمريكيين، وملايين الاشخاص في العالم، مجرد مهرجان انتخابي، يسعى ترامب، من خلاله، الى زيادة حظوظه المتناقصة بفوز صعب لاعادة انتخابه لدورة جديدة في البيت الأبيض الأمريكي. (وربما تنطبق بعض اجزاء هذه الصورة الأمريكية، على وضع نتنياهو مع احتمال اجراء انتخابات برلمانية جديدة في إسرائيل في شهر آذار/مارس العام المقبل).

ـ الملاحظة الرابعة، هي ان نتنياهو ألحَقَ، ويُلحقُ أضرارا بالعلاقات والتحالف الأمريكي الإسرائيلي، الذي ترسّخ منذ ما بعد العدوان الثلاثي الفاشل على مصر، سنة 1956، ونقل «كل البيض الإسرائيلي الى السلّة الأمريكية» بديلا عن الدعم السياسي من بريطانيا، (بناء التحالفات مع ايران الشاه وتركيا الاتاتوركية، وغير ذلك الكثير)؛ والدعم العسكري من فرنسا، ايام غي موليه، (بناء المفاعل الذري في ديمونا، وطائرات الفانتوم، وغيرها)؛ والدعم المالي والاقتصادي من المانيا («الغربية» في حينه)، منذ ايام كونراد اديناور؛ حتى وصل الأمر في ايامنا الى تلخيص الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، التركيز على ان السياسة الإسرائيلية تقوم على ثلاثة قواعد: قاعدة التحالف مع امريكا أولاً، وقاعدة التحالف مع امريكا ثانياً، وقاعدة التحالف مع امريكا ثالثاً.

كان الحزبان الأمريكيان اللذان يتناوبان إشغال البيت الابيض، الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، يتباريان على من يدعم إسرائيل اكثر من الحزب الآخر، واستمر هذا الحال منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، وترسخ في عهد الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون، عشيّة واثناء حرب حزيران/يونيو 1967 الكارثية، وبعدها خاصة، الى ان اصبح دعم إسرائيل وتبنيها «ظالمة او ظالمة» بندا ثابتا في السياسة الأمريكية منذ حرب اكتوبر/تشرين الأول 1973، ايام الرئيس الجمهوري، ريتشارد نيكسون، (ومعه هنري كيسنجر)، الى ان جاء نتنياهو، قبل خمس سنوات، واعلن عداءه للرئيس الأمريكي السابق، عن الحزب الديمقراطي، باراك اوباما، وبالغ في الارتماء في أحضان ترامب الجمهوري، واحضان اعضاء ادارته ومناصريه الأكثر يمينية وعنصرية وتخلفا في المجتمع الأمريكي، وخرج الحزب الديمقراطي، (او الغالبية الساحقة فيه، على الاقل)، من المباراة مع الحزب الجمهوري في ايهما اكثر دعما للجرائم والعنصرية التي تمارسها إسرائيل.

“هرولة الإدارة الأمريكية للاحتفال بتوقيع تلك الاتفاقيات، هي، في جوهرها، اعتراف صريح بنجاح الشعب الفلسطيني، في إسقاط ما سمته تلك الإدارة «صفقة القرن» “.

وهكذا تسبب نتنياهو في اخراج إسرائيل من دائرة «إجماع» الحزبين الأمريكيين على دعم كل خروقاتها للشرعية الدولية وقراراتها وقواعدها، الى دائرة إدانة ورفض نصف الحزب الديمقراطي لسياساتها البالغة العنصرية، بل وربما اكثر من نصف الحزب الديمقراطي، وربما نسبة عالية من معتدلين وعقلانيين في الحزب الجمهوري الأمريكي، الذين يتابعون بقلق، ما وصلت اليه امريكا من تدنٍّ في شعبيتها وتاثيرها في عالم اليوم، ومن اكثر الاقرب من حلفائها في المعسكر الغربي على وجه التحديد.

ـ الملاحظة الخامسة والاخيرة، في هذا السياق، هي ان كل المحتفلين في واشنطن يوم الثلاثاء الماضي، هم عناصر متفاوتة الأهمية، ولكنهم جميعا، وبدون استثناء، موزعون على جيوب معطف، (وربما سِروال، او قل «بَنطلون» باللهجة العامية الفلسطينية)، الرئيس الأمريكي ترامب، وقرر هو ان ينقل هذه العناصر الثلاثة، ويجمعها في جيب واحد، و«نٍيّال من جمع رأسين بالحلال» (او قل: «ثلاثة» رؤوس بالحلال، ان صح جمع ثلاثة رؤوس بالحلال).

طال الكلام في باب «ملاحظات لا بد منها» اكثر مما كنت اتوقعه. لكن ذلك لا يمنع الضرورة لتسجيل ملاحظات تحت باب « أي سياسة يجدر بالفلسطينيين اعتمادها».. فأقول:

واحد: لا عدو، (بالمطلق)، للشعب الفلسطيني، غير إسرائيل، والحركة الصهيونية. وهذا ليس خيارا او اختيارا فلسطينيا. الحركة العنصرية الصهيونية، ونتاجها العملي، الواقعي والملموس، إسرائيل، تحتل 78 في المئة من ارض فلسطين، وتستعمر الضفة الغربية، ( او قل «الضفة الفلسطينية» بلغة الصديق الكاتب الصحافي حمادة فراعنة، الصحيحة والدقيقة)، والقدس العربية منها، وتخنق مليونين من ابناء شعبنا في قطاع غزة، وتحاصرهم من الجهات الست: الشرق والغرب والشمال والجنوب والسماء من فوق، وباطن الارض من تحت. هي العدو بـ«ال التعريف». ولو كانت البرازيل او اليابان او حتى جزر الواق واق هي من تحتل وتستعمر الفلسطينيين وارض فلسطين لكانت أي واحدة من هؤلاء هي العدو.

اثنان: ليس من مصلحتنا، كشعب فلسطيني، ان نتساوق مع ما يسعى اليه عدونا الإسرائيلي، وننقل دولة الإمارات ومملكة البحرين، لا حكومة ولا سلطة ولا جماهير، من خانة الشقيق الى خانة العدو. حتى وإن كان في القلب المٌ، وفي النفس غصّة. مصلحتنا، كشعب منكوب باحتلال واستعمار صهيوني عنصري إسرائيلي، أن نتعامل مع كل هذا الواقع المرير، وكل هذا الرضوخ للابتزاز الأمريكي، بعقل متيقظ، وبحنكة وحكمة سياسية، وبتفاعل حار وودي وصادق مع هذه الشعوب الشقيقة، وعتاب وملامة وحنق، وكل ما شئت من هذه الاوصاف مع الحاكمين هناك، ومع حرص حقيقي على «شعرة معاوية».

ثلاثة: هل لنا، كفلسطينيين، مصلحة في تمكين مواطن عربي شقيق من دولة الإمارات مثلا، ان يدخل المسجد الاقصى للصلاة، او كنيسة القيامة او المهد، تحت حراب جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي؟؟. هل من الصعب مثلا ان نرجو ونطلب ونتوسل من كل قادم الى أي من هذه الاماكن ان يصطحب معه ولو عجوزا فلسطينيا او فلسطينية من مخيم الجلزون او مخيم عسكر او حتى من مدينة روابي التي بنيت بموافقة إسرائيلية، وان يكون الوصول من «معبر حاجز قلنديا» او غيره، ليرى اشقاؤنا ما نعانيه من عنصرية وتمييز وظلم وامتهان لكرامتنا.

رابعا: ماذا عن مناطق الـ48؟؟ هل من مصلحة فلسطينية في وصول مواطن من البحرين، مثلاً، لزيارة اهل واقارب صديقه، السفير الفلسطيني المستدعى من البحرين، في قريته «كوكب ابو الهيجا» في ظل، وبحماية، حراب وبنادق جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي.

لن اطيل اكثر.. واقول: تعالوا نفكّر. تعالوا نحاول الوصول الى ما فيه منفعة حقيقية لشعبنا الفلسطيني.

تعالوا نضع تحت أعين اشقائنا في الخليج، وربما غير الخليج، ما نعانيه من الاحتلال والاستعمار والعنصرية والتمييز الإسرائيلي.

لكن لا بد قبل النهاية من القول: ليس لشعب كوريا الجنوبية لا امتين (عربية وإسلامية)، بل ولا حتى امة واحدة، وبرغم ذلك وقف الرئيس الأمريكي ترامب، طالبا الاذن بوطء ارض كوريا الشمالية. دون أن يعني ذلك، مطلقا، اعجاباً، او رضىً، او قبولاً، او تمنياً ان نعيش في ظل حكم شبيه بما هو عليه الحال في بيونغ يانغ.

* كاتب فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى