أقلام وأراء

عماد شقور يكتب – المهمة الوطنية الأسمى : ملء الفراغ بالتركيز المطلق على التعليم من الصفر

عماد شقور – 30/8/2018

نتيجتان أساسيتان حتى الآن لسياسة الرئيس الامريكي دونالد ترامب، على صعيد الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، والصراع العربي الصهيوني:

ـ أولاهما، خروج أمريكا من مقعد الوسيط المنفرد لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتقدم هذه السياسة الامريكية البالغة الانحياز لسياسات الحكومة الاسرائيلية، الأكثر عنصرية من كل سابقاتها، حتى لو نجحت في اختطاف قطاع غزة بسلخها عن جلدها الفلسطيني لفترة زمنية، وهي قصيرة بالضرورة.

ـ وثانيتهما، وهي النتيجة الإيجابية، منح الفلسطينيين فسحة من الوقت لترتيب سلّم أولوياتهم على صعيد العمل الوطني بأوسع معانيه.

لا يضيرنا هنا تسجيل أن هذه الفسحة توفّرت للفلسطينيين، بفضل نعمة إعفاء المواطنين الفلسطينيين من عذاب متابعة أخبار ما سموه، تجاوزا للحقيقة، «مفاوضات»، وفي إطار ما سموه، تجاوزا للحقيقة أيضا، «مسيرة سلمية»، انقطعت عمليا بعد أشهر قليلة من توقيع اتفاق اوسلو، بفعل اليمين العنصري الديني اليهودي في اسرائيل، من جهة، وبفعل تجاوزات التيار الديني الفلسطيني، باستهداف المدنيين في إسرائيل، يهودا وعربا، الأمر الذي وفّر لإسرائيل ذريعة، ومن ثم مبررا، لدى الرأي العام المحلي والدولي، لارتكاب موبقات وجرائم ضد المشروع الوطني الفلسطيني، وضد المدنيين الفلسطينيين، وصولا إلى إخضاع الزعيم والرمز الفلسطيني الخالد ياسر عرفات، إلى حصار خانق، ومن ثم اغتياله بالسم، كما تشير الدلائل، ووفق أجهزة إعلام أجنبية موضوعية ومحايدة.

تقتضي الأمانة والموضوعية هنا، أن يسجل للقيادة الفلسطينية، التقدير الكبير لوقفتها الصلبة وغير المساومة، (وبدعم من موقف أردني قوي، ورأي عام عربي ودولي واسع)، في وجه انحياز الرئيس الأمريكي وإدارته للظلموالاحتلال والاستعمار الاسرائيلي. بدون أن ننسى في هذا السياق إدانة ركاكة أداء المؤسسات المحيطة برأس الشرعية الفلسطينية، والأفراد القائمين عليها، (الذين يتحمل الرئيس نفسه قرارات اختياره: إبعادا لبعضهم، وتقريبا لبعضهم الآخر)، وإدانة التقصير الفلسطيني، المتمثل في انعدام مبادرات فلسطينية خلّاقة، سياسية وعملية على أرض الواقع.

نعود لواقعنا الحالي، حيث توفرت لنا فسحة من زمن، كانت تملأه نشاطات سياسية بعضها غير مثمر، وغالبها مُضِرّ. وهذا يضعنا في مواجهة السؤال الإلزامي: ما العمل؟ والسؤال الأهم: بماذا نملأ الفراغ الذي نعيشه، والمتوقع أنه سيطول ليغطي بضع سنين على الأقل؟ بديهي القول ألا فراغ في الكون. وكل فراغ لا يملأه الفرد أو المجتمع أو الدولة، بما يلائم مصلحتهم، يملأه فرد آخر، أو مجتمع آخر أو دولة أخرى، بما يتلاءم ومصلحتهم هم، وغالبا ما يكون على حساب الطرف القاعد عن العمل. وعندما يتعذر على الطرف المعني الإقلاع والتحليق، فإن بالإمكان ملء الفراغ بالتمترس على الأرض وحرثها وزرعها وتمتين جذور أشجارها.

في وضعنا الفلسطيني الحالي: مع انعدام القدرة على التحليق لإنجاز حل سياسي، يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة؛ ومع انعدام وجود كفاءات فلسطينية عند قمة هرم القيادة الشرعية، مؤهلة وقادرة على خلق حالة مقاومة شعبية شاملة، تعيد للعمل الوطني الفلسطيني وهجه، وتثمر إنجازات حقيقية على أرض الواقع، وفضحا وإضعافا ونبذا عالميا للاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، مقدمة لدحره وهزيمة مشروعه غير العادل، والمناقض لقيم عصر التحرر والانعتاق؛ ومع انعدام وجود إمكانيات فلسطينية ذاتية، ولا محيط داعم يحمي بذور نضال فلسطيني على أصعدة ومستويات أخرى؛ فإن ذلك يوفر فراغا، يتوجب علينا ملأه، ليس بالتركيز على معالجة قضايا الحاضر، مثل معالجة أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية، وأوضاع السلطة الفلسطينية، وقضية الانقسام وتفرد حماس بمعالجة واقع قطاع غزة المأساوي، ودحرجته نحو إطالة عمر الانقسام بتبني سياسة السعي إلى عقد هدنة مع إسرائيل، هي أكثر ما تتمناه إسرائيل وتعمل على ترسيخه، أو ما هو أخطر من التركيز على هذه الهموم الفلسطينية، باقتصار العمل عليها. صحيح تماما أنه لا بديل عن معالجة الأوضاع الفلسطينية المزرية الراهنة، لكن ما يفوقها أهمية هو المستقبل. وللمستقبل المنظور اسم واحد هو جيل الشباب، وللمستقبل الحقيقي الأبعد والأهم ايضا اسم واحد: الأطفال. ذلك أولا، ويلحق بهم الفتية والشباب المبكر. الاهتمام والتركيز الكبير والجدي على جيل أطفال اليوم، يعني التركيز على التعليم. وما يفوق أهمية التركيز على التعليم الجامعي، هو البدء بإعطاء الأولوية للتعليم الثانوي. لكن ما يتقدم في الأهمية على هذا وذاك، وبما لا يقاس، هو التعليم الابتدائي، وبدءا من الصف الأول. من هذه البذور والبراعم، ينمو جيل فلسطيني غني بالعلماء والباحثين، قادر على إدخال فلسطين ساحة المنافسة العالمية، واللحاق باسرائيل والتفوق عليها.

حقيقة هي أن إسرائيل «أسبارطة العصر الحالي». وللتفوق على أسبارطة لا بديل عن أن تكون فلسطين وشعبها، «أثينا العصر الحالي». لكن ما يجب علينا كفلسطينيين أن نعرفه، واكثر من ذلك: أن نعترف به، لنتمكن ولننجح في مواجهته، هو أن اسرائيل ليست اسبارطة العصر الحالي فقط، بل إن فيها من ميزات ومواصفات اثينا الشيء الكثير الكثير. ويكفي للتدليل على ذلك متابعة ما تحتله جامعاتها ومعاهد الابحاث فيها من مواقع غاية في التقدم في تقارير المؤسسات الدولية المتخصصة في تصنيف الجامعات ومراكز الابحاث في العالم، في مقابل ما هو عليه الحال في الجامعات الفلسطينية والعربية عموما. وقد يكون من المفيد، في هذا السياق، أن نعرف، من تقارير نشرتها وسائل الاعلام الاسرائيلية قبل اشهر، أن مجموع ما باعه علماء وباحثون ومخترعون اسرائيليون، في السنوات العشر الماضية، وفقط في الصفقات التي بلغت قيمة كل واحدة منها على انفراد اكثر من مليار دولار، (نعم اكثر من الف مليون دولار)، بلغ 64 مليار دولار، علما بان معدل أعمار هؤلاء العلماء والمخترعين، اقل من 35 سنة، بمعنى أن كل واحد من هؤلاء كان قبل ثلاثين سنة فقط، (سنة الانتفاضة الأولى 1988)، في الصف الأول الابتدائي، ولكن في بيئة واعية ومشجعة وراعية لهذه البراعم.

لا بد من الاعتراف: لا خبرة لمنظمة التحرير الفلسطينية في هذا المجال. تتغنى بالمستوى العلمي للفلسطينيين، وتقارن نفسها على هذا الصعيد بالمحيط العربي المتخلف. وأضيف إلى ذلك: كان مستوى التعليم بين الفلسطينيين في الاردن سنة 1968 أفضل منه سنة 1970. وكان مستوى التعليم بين الفلسطينيين في لبنان سنة 1970، يوم استقرت المنظمة هناك، أفضل بكثير جدا عما وصل إليه الحال سنة 1982، يوم غادرت المنظمة الأراضي اللبنانية. وواضح تماما أن هذه المعادلة نفسها، تنطبق على اوضاع التعليم في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما بين عام 1993 وعامنا الحالي. صحيح أن عدد الجامعات في فلسطين قد ارتفع كثيرا في هذه الفترة، لكن مستوى التعليم نفسه قد هبط. وما كانت عليه جامعة بير زيت مثلا قبل اوسلو غيره بعد اوسلو. لا بديل عن الاعتراف بالحقيقة لكل من يسعى لتغيير هذا الواقع.

لا بديل عن استقطاب افضل الكفاءات الفلسطينية للانخراط في سلك «رسالة التعليم»، ولا اقول «مهنة التعليم»، للصف الأول الابتدائي في السنة الاولى، وللصف الثاني في السنة الثانية، وصولا إلى صف التوجيهي في السنة الثانية عشرة، بمضاعفة رواتب المؤتمنين على صياغة وصناعة مستقبل شعب فلسطين، لنضمن بدء مواجهة متكافئة مع اسرائيل، وضمان هزيمتها، واستعادة حقوقنا المشروعة، مدججين بحشود من العلماء والباحثين والمخترعين، وغير مكتفين بحشود مدججة بالحق، والمطالبة بتطبيق قرارات الشرعية الدولية.

أين هو من سيرفع لواء «علماء فلسطين 2030»؟

رأي اليوم – كاتب فلسطيني

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى