أقلام وأراء

عماد شقور يكتب – القائمة العربية المشتركة في الكنيست… عن الهدف والأداة

عماد شقور *- 1/10/2020

يقف المواطنون الفلسطينيون الذين يحملون بطاقة الهوية الإسرائيلية، هذه الاسابيع والاشهر القليلة المقبلة، على عتبة مرحلة جديدة تماما، من مراحل نضالهم المتواصل منذ عام النكبة 1948، يمكن ان تكون لها تأثيرات بالغة الايجابية، وليست مقصورة على اوضاعهم فقط، بل وعلى مجمل اوضاع الفلسطينيين في الوطن وفي دول اللجوء والشتات، بل وربما على مجمل الاوضاع في العالم العربي، والمنطقة بشكل عام؛ كما يمكن لها ايضا، ان تتعرض لعراقيل كثيرة، من فلسطينيين وغير فلسطينيين، قد تصل الى اتهامات (باطلة) تلامس التشكيك بوطنيتهم.

من هنا، فإن قرار الكتابة عن الوضع السياسي في إسرائيل، مع تركيز على المواطنين العرب هناك؛ وعن الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي و»القائمة العربية المشتركة» فيه؛ وعمّا تحقق، وما هو قابل للتحقيق؛ وعن «الهدف»، (كلّ هدف)، الذي يتحول، فور إنجازه، الى مجرّد «أداة» لتحقيق الهدف التالي؛ وعن إمكانية، ومنافع، ومخاطر التحالف مع قطاعات من الجماهير اليهودية في إسرائيل؛ هو اشبه ما يكون بقرار دخول حقل الغام.

كل هذه المحاذير، وما فيها من مخاطر حقيقية ملموسة، واضحة لي تماما. ولكن ما اعتقده مصلحة وطنية فلسطينية عليا، تجعلني اختار قرار دخول حقل الألغام هذا، مع حرص على تجنب الدّوس على أيٍّ من ألغام هذا الحقل الذي لا يملك أحدٌ خريطةً دقيقةً له، واستند، لتلبية هذا الحرص، الى تسجيل ما اعتقده، وما انا مقتنع به، في نقاط محددة، على النحو التالي:

1ـ على مدى عقدين تقريبا من النكبة، عانت جماهير الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، من ظلم الاهل الفلسطينيين، و»ظلم ذوي القربى» العرب لهم، ومن التشكيك بالتزامهم الوطني الفلسطيني، والتزامهم القومي العربي. بدأ هذا الظلم في التلاشي، في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، (ويجدر بي التذكير هنا بان الخطوة الاولى في اتجاه رفع الإفتراء الفلسطيني والعربي على هذه الجماهير، كانت خطوة الشهيد الكبير، غسان كنفاني، عند اصدار كتابه عن «شعراء المقاومة»).

2ـ تلا العقدين الأولين ثلاثة عقود، (حتى نهايات القرن العشرين)، حفلت بلقاءات بين قيادات وجماهير الفلسطينيين في إسرائيل، بدءاً من تواصل عبر «الخط الاخضر»، مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم اخذ هذاالمنحى بالتوسع، ليصل الى تواصل مباشر مع قيادات «رأس الحربة» الوطنية الفلسطينية، مخيمات اللجوء في الاردن و»دول الطوق» الاخرى، وقيادات «الكفاح المسلح الفلسطيني»، (وهو كفاح جدير بإعادة للإعتبار له)، ثم مع اجهزة وأُطر وممثلي منظمة التحرير الفلسطينية، وما رافق ذلك من تنسيق مواقف، بلغ ذروته بتشكيل اعضاء الكنيست العرب في إسرائيل، بقيادة الراحل، توفيق زيّاد، وعبدالوهاب دراوشة، لـ»شبكة امان»، مكّنت رابين وحكومته من اقرار اتفاقية اوسلو في الكنيست، (وهي ايضا الاتفاقية الجديرة بإعادة الإعتبار لها، ولكن ليس في سياق هذا المقال).

3ـ مع انتهاء المرحلة الانتقالية لاوسلو، دون انجاز اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ساد العمل الفلسطيني عقد كامل من الضباب والعتمة، تخلله تنكر رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، ايهود باراك، لاتفاقية اوسلو، ورفع شعاره المدمّر: «لا يوجد شريك»؛ وما لحق بذلك من نجاح لأريئيل شارون في تفجير «الانتفاضة الثانية»، واستدراج «عسكرتها»، لتلعب في الساحة الأكثر ملاءمة لغلاة اليمين العنصري في إسرائيل، بل والى إشراك الأقلية الوطنية الفلسطينية فيها، وخاصة في ايامها الاولى، وهو ما أدّى الى الغاء كل قدرة لجماهير تلك الاقلية على التاثير في الشارع اليهودي في إسرائيل؛ وبدء تآكل دور قيادة منظمة التحرير، الذي بلغ ذروته برحيل القائد والرمز الفلسطيني، الشهيد ياسر عرفات؛ ونجاح شارون في اقرار وتنفيذ الانسحاب من قطاع غزة، دون تنسيق مع منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، واخضاع القطاع لحصار خانق ومتواصل، ليسقط سنة 2007، (كما توقع شارون)، لقمة سائغة بيد حركة حماس، معلنا على رؤوس الاشهاد بدء «الانقسام» الفلسطيني، والتشكيك بوحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني. لقد كان عِقداً اسوداً.

” انتقل الصوت الفلسطيني في إسرائيل، بفضل تشكيل القائمة المشتركة، من «مقاعد المتفرجين» الى «مقاعد لاعبي الاحتياط»، هذه نقلة نوعية بامتياز، يلي هذه النقلة الخطوة التالية، وهي الانتقال الى «ملعب السياسة الإسرائيلية» “.

4ـ انتقل «رأس الحربة» في العمل الفلسطيني بفعل نكبة 1948 الى خارج «الخط الأخضر»، وإثر حرب حزيران/يونيو المشينة، تركز «رأس الحربة» في مخيمات اللاجئين في الاردن بشكل خاص، ثم تمدد باتجاه مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا، ليستقر اثر احداث ايلول الاسود 1970 في بيروت وجنوب لبنان، وبعدها في تونس بدءاً من سنة 1982، الى حين انطلاق الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، حيث ساد التنسيق والانضباط بين قيادة منظمة التحرير و»رأس الحربة» الجديد في قطاع غزة والضفة الفلسطينية، الى ان عادت قيادة منظمة التحرير برئاسة ابوعمار، (بفضل اتفاقية اوسلو)، لتشكل قيادة العمل الوطني الفلسطيني و»رأس الحربة» فيه، وظل هذا الوضع قائماً الى ان وقع «الانقسام»، بالانقلاب في غزة، وتآكل دور منظمة التحرير، وانكشاف عبثية المفاوضات مع إسرائيل، لينتقل «رأس الحربة» الى الجماهير الفلسطينية في إسرائيل منذ ما يزيد على عقد حتى الآن.

5ـ لكل «رأس حربة» ظروف، وقواعد وقوانين، وادوات، واسلحة: عندما كان في مخيمات دول الطوق، كانت أداته الاساسية هي الكفاح المسلح، وسلاحه الاساسي هو الكلاشنكوف والـ»أر بي جي» وما تيسر وامكن من مدافع وغيرها. وعندما انتقل الى لبنان زاوجت منظمة التحرير بين الكفاح المسلح والعمل السياسي لكسب التأييد في الساحات العربية والدولية، وعندما انتقل الى تونس، اصبح التركيز على العمل السياسي، ورعاية قوات الحركة الفدائية الفلسطينية في الدول العربية، والعمل على تشكيل بنى مقاومة منظمة ومنسقة في قطاع غزة والضفة الغربية، وعندما تفجّرت وانطلقت الانتفاضة، كان سلاحها هو الحجر ورفع العلم الفلسطيني. وعندما انتقلت قيادة المنظمة الى جزء من ارض الوطن، واعادت شغل موقع «رأس الحربة» من جديد، بعد اوسلو، كان سلاحها المفاوضات، وبدء بناء مؤسسات السلطة الوطنية السياسية والتشريعية والقضائية والاقتصادية وغيرها، استعدادا لتحقيق اقامة الدولة الفلسطينية. لكن ذلك لم يتم. وعندها انتقل «رأس الحربة» الى الجماهير الفلسطينية في إسرائيل، واصبح سلاحها، في هذه المرحلة، «بطاقة الهوية الإسرائيلية»، وحق الترشح والانتخاب، وأداتها التماسك، والعمل داخل المجتمع اليهودي في إسرائيل، وزيادة المقاعد التي تشغلها في الكنيست، وبناء تحالفات جدية وحقيقية مع قطاعات من المستنيرين والليبراليين في الشارع اليهودي، وصولا الى المساهمة في رسم السياسة الإسرائيلية.

لشعبنا الفلسطيني تاريخ مشرف من النضال بكافة الأسلحة، على مدى ما يزيد على قرن من الصراع في مواجهة مع الصهيونية العنصرية المدعومة من الغرب ومن الشرق، والمتحالفة مع القوة الأعظم في العالم. ولا يضيرنا، بل ويشرفنا، ان نركز في كل مرحلة من مراحل نضالنا، (الذي طال كثيرا، لسوء حظنا)، على التزام شعبنا بمواصلة النضال، ملتزمين بقواعد وقوانين الصراع، ومستخدين، في كل مرحلة سلاحها المتوفر والمشروع.

6ـ انجز «رأس الحربة» الوطني الفلسطيني الحالي، الكثير: تمكن من لملمة وتجميع قواه السياسية الفاعلة، وشكّل قائمته العربية المشتركة للانتخابات، وحقق رقما قياسيا في عدد المقاعد في الكنيست، واحتل بجدارة موقع الكتلة البرلمانية الثالثة من حيث الحجم. هذا انجاز كبير. لكن كل انجاز، في أي مجال كان، يتمثل في البداية كـ»هدف»، ويتحول فور انجازه ليصبح «أداة» لتحقيق الهدف التالي.

انتقل الصوت الفلسطيني في إسرائيل، بفضل تشكيل القائمة المشتركة، من «مقاعد المتفرجين» الى «مقاعد لاعبي الاحتياط»، هذه نقلة نوعية بامتياز، يلي هذه النقلة الخطوة التالية، وهي الانتقال الى «ملعب السياسة الإسرائيلية»، حيث يتم رسم السياسات وإقرارها وتنفيذها.

هذه النقلة الضرورية والمطلوبة والممكنة، يدعو لها ويناصرها ويدعمها 72% من الفلسطينيين حاملي بطاقة الهوية الإسرائيلية المستطلعة آراؤهم، حسب ما جاء في وسائل الاعلام الإسرائيلية.

تحقيق هذا الهدف، (مع انعكاساته المباشرة والفورية على اوضاع وحياة الفلسطينيين في إسرائيل، وانعكاساته على كل ابعاد القضية الفلسطينية، بدءاً من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وصولا الى جميع الفلسطينيين في دول اللجوء والشتات، وعلى كل اوضاع المنطقة العربية)، ممكن جدا، لكن ليس بزيادة عدد مقاعد القائمة المشتركة في الكنيست، وانما ببناء تحالف مع مستنيرين وليبراليين في الوسط اليهودي في إسرائيل، استعدادا، من الآن، لانتخابات الكنيست المقبلة.

هل نحن على ابواب انتخابات في إسرائيل؟. نعم، وكثيرة هي الدلائل التي تشير الى احتمال تفجر الخلافات بين المكونين الاساسيين لحكومة نتنياهو/غانتس الحالية، في شهر كانون الاول/ديسمبر المقبل، لتكون الانتخابات في آذار/مارس من العام المقبل، أي بعد ستة أشهر من الآن. انها مهلة زمنية غير طويلة، ولكنها كافية لترتيب مثل هذا التحالف، الذي لا يمكن تجاوزه في تشكيل أي حكومة إسرائيلية مقبلة.

* كاتب فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى