أقلام وأراء

علي قباجه يكتب – خطط تفتيت سوريا

علي قباجه *- 28/8/2020

غرقت سوريا – أم الحضارات – قبل أيام في ظلام دامس؛ بعد انفجار إرهابي هو السادس من نوعه في خط الغاز العربي بين منطقتي الضمير وعدرا في ريف دمشق، وتزامن ذلك مع حملة تعطيش شعواء، شُنت على مليون سوري في مدينة الحسكة وريفها، (شمال شرق)؛ نتيجة صراعات دامية – ضحيتها دوماً المواطن السوري- بين تركيا وميليشياتها من جانب، والإدارة الذاتية للأكراد من جانب آخر.

استهداف البنية التحتية من قطع الكهرباء، والتعطيش، والتجويع، والحرمان من الموارد الأساسية، لا بد من قراءتها من منظور الحرب الشاملة التي تتعرض لها سوريا، فهي ليست مصادفة، أو مجرد عمل إرهابي؛ بل تندرج في إطار منظم؛ قوامه الصراع الإقليمي والدولي؛ الهادف إلى تقسيم البلاد على أساس إثني أو طائفي، وإيجاد كانتونات ضعيفة مبعثرة؛ بحيث يتحطم معها قوام الدولة المركزية؛ لتسهل السيطرة عليها فيما بعد، فتركيا من خلال أدواتها الميليشياوية استخدمت المياه سلاحاً ضد المدنيين؛ بهدف تضييق الخناق على الأكراد؛ بغية إيجاد بيئة شعبية ضاغطة لإضعاف شوكتهم؛ تمهيداً لطردهم، على الرغم من أن قطع المياه يعد تصرفاً منافياً للقيم الإنسانية والأخلاقية، ويمثل جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي، واتفاقيات جنيف، لكن هذه الجريمة ارتدت على أنقرة؛ إذ ظهرت حملات شعبية، دعت إلى ردع تركيا، لعدم التلاعب بأرواح السوريين؛ لتحقيق أثمان سياسية، ما دفع روسيا إلى الدخول كوسيط لحل هذا الإشكال، لتنجح جزئياً في ذلك من دون حله كاملاً.

عملية التفجير، وصراع تركيا والأكراد، والهجوم الروسي المحدود على إدلب، و«قانون قيصر» والمناوشات بين القوات الأمريكية والروسية في الشمال السوري، تجيء في توقيت حرج، فهذه المعضلات مجتمعة تهدد الجهود الأممية التي أثمرت بعقد اجتماع في جنيف بحضور الحكومة والمعارضة والدول الضامنة وأمريكا؛ لمناقشة دستور جديد محتمل، وهي خطوة إيجابية، وصفها وسيط أممي بأنها «فتح الباب»، لحل نهائي للحرب المدمرة المستمرة منذ تسع سنوات.

«الدول الضامنة» وإلى جانبها أمريكا والميليشيات التي ترتع في البلاد، أضحت غير مضمونة الجانب، فكل دولة منها ترفض الحلول التي تصطدم بأهدافها، فهي تُغلب مصالحها الخاصة على حساب المشكلة الأساسية؛ لذا فهي لا تتوانى عن وضع العصي في دواليب أي حل يمكن أن يرمم ما هدمته الحرب المدمرة. وبعكس مواقفها المعلنة بدعمها لأي عملية سياسية، فإن ما تبطنه عكس ما تقوله، فهذه الدول، كتركيا بتدخلها المتواصل، وإيران بخبرائها، وروسيا وأمريكا بجيشهما، تطلق باستمرار عمليات عسكرية، وتعمل حثيثاً على تغيير المشهد الميداني، كلٌ لمصلحته، الأمر الذي دفع المبعوث الأممي جير بيدرسون للخروج عن صمته، مطالباً الأطراف ببناء «الثقة»؛ كي لا تذهب جهوده أدراج الرياح.

سوريا تسير في نفق مظلم، ويبدو أن نهايته ليست قريبة، وهذا من صنع الأطراف السورية التي رفضت منذ البدء التوافق؛ لتجنيب الدولة مربعاً تتقاذفه أيدي العبث الخارجية. السلام أولاً وأخيراً يكون من الداخل، فإذا تحقق، فعندها لا يحيق المكر السيئ إلا بداعميه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى