أقلام وأراء

علي حمادة يكتب بداية تمرّد إسرائيلي على بايدن … هل ينضمّ العرب؟

علي حمادة *26/4/2021

بعدما انطلقت مفاوضات فيينا (المخصصة لإنقاذ اتفاق 2015 النووي الإيراني) بين إيران ومجموعة دول الـ”4+1″ الموقعة عليه ولم تنسحب منه، إضافة الى مشاركة وفد أميركي من خارج قاعة الاجتماعات، وتحقيقها، حسبما يؤكد المشاركون، تقدماً، ثم الدخول في التفاصيل، وصوغ اقتراحات عملية متبادلة، يشير معظم المراقبين المستقلين المتابعين لمسار المفاوضات، وبالتحديد لموقف الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، الى أن واشنطن قد تكون مصممة على العودة الى الاتفاق النووي حتى لو لم يتضمن مسار العودة السريع ربطاً ملزماً بالملفات الخلافية المطروحة على بساط البحث.

وتعتبر الملفات الخلافية التي لطالما كانت شرطاً لعودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي، وإطلاق عجلة رفع العقوبات عن طهران، أساسية، وربما أكثر أهمية من مجرد العودة الى الاتفاق بطبعته الأصلية لعام 2015. فالثغرات كبيرة، لا سيما على صعيد آجال القيود المفروضة على البرنامج النووي التي تبدأ تلقائياً، ووفقاً للاتفاق، في السقوط بدءاً من عام 2025، وصولاً الى عام 2030 عندما تتحرر إيران من معظم القيود الحالية التي تمنعها من تطوير برنامجها النووي العسكري بحرية أكبر. وهناك ملف برنامج تطوير الصواريخ البالستية الإيراني الذي صار من الأولويات، لا سيما أن مدى الصواريخ التي يجري تطويرها راهناً قد يصل الى حدود جنوب أوروبا ومنطقة البلقان. وأخيراً هناك ملف الأنشطة الإيرانية في المنطقة التي تعتبر واشنطن تقليدياً أنها تزعزع الاستقرار، وتهدد مصالحها ومصالح حلفائها في الشرق الأوسط.
كل هذه الملفات مطروحة، في الوقت الذي يبدو أن الأميركيين يهرولون للعودة الى الاتفاق، تاركين مسألة التعديلات عليه، وهي أكثر من ضرورية، لمرحلة تفاوضية مقبلة، إضافة الى أن واشنطن أقرب اليوم الى ترحيل التفاوض على الملفات الخلافية بعد العودة الى الاتفاق النووي، بحيث تكون الخطوة الأولى، قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في 18 حزيران (يونيو) المقبل، عودة إيران عن انتهاكاتها للاتفاق، في مقابل
عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق ورفع العقوبات المتصلة بالبرنامج النووي التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ابتداءً من عام 2018. هذا الواقع تتخوف منه دول المنطقة، لا سيما حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، وفي مقدمتهم إسرائيل التي كان من المقرر أن يتوجه وفد عسكري واستخباري رفيع منها الى واشنطن للتباحث مع نظرائه الأميركيين حول مخاوف إسرائيل من احتمال عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي القديم من دون تعديله أو ربطه بالملفات الاستراتيجية الأخرى التي تشكل تحدياً استراتيجياً لإسرائيل، ومعها عدد من دول المنطقة من حلفاء  الولايات المتحدة. وقد جرى تأجيل جزء من الزيارة من خلال طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من رئيس الأركان الجيش الجنرال أفيف كوخافي تأجيل رحلته، نظراً الى التطورات الأمنية التي تحصل منذ أيام ، لا سيما مع قطاع غزة، والقدس الشرقية، فضلاً عن حادثة الصاروخ المضاد للطائرات الذي أطلق من الأراضي السورية وسقط شمال صحراء النقب قرب مفاعل “ديمونا” النووي. لكن بقية أعضاء الوفد قد يتوجهون الى واشنطن نظراً الى أهمية التواصل مع الأميركيين الذين يرى الإسرائيليون أنهم يسرعون الخطى للعودة الى الاتفاق. كل هذا والهوة تتسع بين تل أبيب وواشنطن حول عملية التفاوض الجارية في فيينا، إذ يواصل المسوؤلون الإسرائيليون على جميع المستويات، بدءاً من رئيس الوزراء نتنياهو، تأكيد رفض التزام الاتفاق النووي السابق، وعدم التنازل عن مبدأ الحق في حرية العمل ضد إيران ومشروعها النووي مع عدم المساس بالعلاقات مع الولايات المتحدة.

ثمة بدايات تمرد إسرائيلي على إدارة الرئيس جو بايدن، والسبب الجوهري هو هذا الموقف المشابه لموقف الرئيس الأسبق باراك أوباما من إيران، ومن برنامجها النووي، إذ ترى إسرائيل أن الاتفاق لا يشكل ضمانة كافية لعدم تطوير أسلحة نووية في أي وقت، وخصوصاً أنه يشتبه في أن طهران واصلت تطوير برنامجها العسكري حتى بعد التوقيع على الاتفاق النووي في تموز (يوليو) 2015.

تتركز التحديات التي تريد إسرائيل أن تتوافق بشأنها مع إدارة الرئيس بايدن على النقاط الخمس الآتية:

– التركيز على المهل الزمنية للاتفاق التي تسقط بعدها القيود على البرنامج، وتتحرر إيران.

– التوسع الإيراني العسكري (وبواسطة ميليشياتها) في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في وسوريا والعراق واليمن واحتمال استخدام أراضي هذه الدول نقطة انطلاق لهجمات تشن على إسرائيل، أكان بالصواريخ أم بالمسيّرات، بما يحول دون رد إسرائيلي مباشر على الأراضي الإيرانية. ويعدّ تمركز إيران في سوريا الأكثر خطراً، كان ولا يزال يستدعي ضربات إسرائيلية مكثفة ضد مواقع تخزين الصواريخ أو مكوّناتها، أو مصانع تجميعها.

– انهيار الوضع في لبنان اقتصادياً، الأمر الذي يزيد من سيطرة “حزب الله” على لبنان، ويوسع مروحة نفوذه الاقتصادي على قسم مهم من المجتمع اللبناني، ويحرره من أي رقابة على تخزينه صواريخ دقيقة وزيادة أعدادها. وهي تشكل خطراً كبيراً على البنى التحتية الإسرائيلية.
– رفع مستوى التعاون والتنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة على الصعيدين  العسكري والاستخباري. وخصوصاً أن إسرائيل تخوض حرباً صامتة مع إيران تمتد الى البحر الأحمر وخليج عمان.

هذه النقاط التي يفترض أن تكون على طاولة البحث بين تل أبيب وواشنطن، ولكن اللافت، قبل أن يعلن عن تأجيل رئيس الأركان كوخافي موعد مغادرته الى واشنطن، كانت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي تعلن رداً على سؤال خلال الإيجاز الصحافي اليومي، إن زيارة الوفد العسكري – الاستخباري الإسرائيلي لن تغير نهج الولايات المتحدة في العودة الى الاتفاق النووي.  

إزاء تسريع واشنطن خطط العودة الى الاتفاق النووي، وبرغم  الضجيج الإعلامي من أن المفاوضات صعبة، فإن إدارة بايدن تعمل على مدار الساعة على خطى إدارة أوباما، ولا نعرف ما إذا كان رئيس “الموساد ” يوسي كوهين، وهو في عداد الوفد الإسرائيلي الزائر لواشنطن، سيحمل معه وقائع جديدة في الملف الذي أشيع أنه يحمله، ويتضمن معلومات جديدة عن برنامج إيران النووي لم يتم إبلاغ الولايات المتحدة بها سابقاً! وقد تشكل نقطة تحول في المقاربة الأميركية.

يستنتج أن التمرد الإسرائيلي على مقاربة إدارة بايدن ملف النووي الإيراني مستمر، لكن الأهم معرفة موقف الحلفاء العرب. هل ينضمون الى التمرد على بايدن إذا عادت إدارته الى الاتفاق النووي القديم، متجاهلة مصالحهم الحيوية وربما الوجودية؟ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى