أقلام وأراء

علي حمادة: “حزب الله” وإسرائيل: حرب محتومة؟

علي حمادة 6-6-2024: “حزب الله” وإسرائيل: حرب محتومة؟

حتى كتابة هذه السطور، لا يزال مقترح الرئيس الأميركي لوقف إطلاق النار في غزة طاغياً على الاهتمامات الدولية. فإدارة الرئيس جو بايدن تدفع عربة المقترح بقوة كبيرة في مختلف المحافل الدولية، من “مجموعة السبع” إلى مجلس الأمن، توازياً مع دعم الاتحاد الأوروبي ومختلف الدول العربية المعنية بما يحصل في غزة.
ولعل اللافت في الأمر أن يسارع المرشد الإيراني علي خامنئي خلال إطلالاته الشعبية الأخيرة إلى الدعوة إلى عدم المراهنة على وقف لإطلاق النار. كل هذا في وقت تتصاعد فيه حدة المواجهة على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية، فضلاً عن مختلف الساحات التي تهيمن عليها إيران، من العراق إلى سوريا وصولاً إلى اليمن. 
ومن المهم التوقف عند زيارة وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقر كُنّي لبيروت، وهي أول إطلالة خارجية له بعد تكليفه خلفاً للوزير حسين أمير عبد اللهيان الذي قتل في حادثة سقوط المروحية الرئاسية الإيرانية، وكذلك عند رمزية زيارة لبنان المعتبر أهم الساحات الراهنة في الاستراتيجية الإيرانية بفعل وجود “حزب الله” المصنف من قبل معظم المراقبين الدوليين بـ”درة التاج الإيراني”!
وتتزامن الزيارة مع احتدام حرب الاستنزاف بين “حزب الله” وإسرائيل في مختلف أنحاء منطقة الجنوب اللبناني، وتتمدد بسرعة نحو البقاع وسوريا، من ريف حمص الجنوبي إلى ريف حلب الشمالي. كل ذلك وسط الأنباء التي تتحدث عن تحقيق الإسرائيليين تقدماً في عملية التوغل البري في مدينة رفح. 
ولعل ما يزيد من قلق المجتمع الدولي، قيام الراعي الإيراني بإشعال “الساحات” التي يهيمن عليها في المنطقة، بدءاً من لبنان، مروراً بالعراق حيث صعّدت الفصائل العراقية إطلاق صواريخ بالستية على إيلات وبحر حيفا، وصولاً إلى اليمن الذي أعلن قبل يومين إطلاق صاروخ جديد بقدرات أكبر من ذي قبل (من صنع إيراني) يحمل اسم “فلسطين” جرى اعتراضه فوق مدينة إيلات.   
ما سبق يدل إلى أننا أمام سباق محموم بين هدنة في غزة تفتح الطريق أمام خفض للتصعيد في لبنان، وانفجار حرب كبيرة بين “حزب الله” وإسرائيل. ففي الأيام الأخيرة اجتاحت المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل موجة تصعيد في اللهجة العدائية ضد لبنان. ووصل الأمر إلى حد أن يخرج أحد زعماء المعارضة يائير لابيد بمواقف نارية تنتقد الحكومة، متهمة إياها بالتراخي أمام الخطر الذي يمثله “حزب الله”. 
وإذا كانت الضغوط الأميركية على حكومة بنيامين نتنياهو في أوجها بالنسبة إلى مسألة وقف إطلاق النار في غزة، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد يكون مستعداً للعب ورقة الحرب ضد “حزب الله”، بما يتيح له إغراق حرب غزة بحرب أخرى خطيرة في الشمال الإسرائيلي، ولها أبعاد إقليمية أوسع وأكثر تعقيداً من حرب غزة نفسها. كما أن حرباً موسعة ضد “حزب الله” تتيح للائتلاف الحكومي الإسرائيلي إطالة أمد الحرب عامةً إلى ما بعد 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، حيث يتوقع أن يخلف الرئيس جو بايدن منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، هذا إن لم يطرأ حدث دراماتيكي من شأنه أن يقلب الطاولة في أميركا. ومسافة الأشهر الستة المقبلة طويلة قياساً بأفق الحرب الراهنة في غزة. 
ثمة توقعات بأن تتوسع العملبات العسكرية بين إسرائيل و”حزب الله”. وأن تلامس الحرب الموسعة والشاملة، من دون أن تسقط في فخها، أقله في المرحلة المقبلة. لكن الحسابات المتقاطعة بين الطرفين التي تلحظ مبدأ تجنب الانجرار إلى حرب شاملة قد تتغير لدى طرف أو لديهما معاً، فتنشب حرب جديدة في المنطقة سيكون من الصعب على إدارة الرئيس جو بايدن التملص منها، خصوصاً أن نتنياهو أعد خطة لاستقطاب الرأي العام الإسرائيلي لتأييد الحرب وهو ينفذها جيداً، من خلال دفع سكان الشمال، والمستويين الأمني والسياسي إلى الصراخ من أجل مواجهة “حزب الله”، بعدما واظب الإعلام الإسرائيلي والمستوى الأمني على تصويره بأنه مارد عسكري، وبات يشكل تهديداً وجودياً لملايين الإسرائيليين المقيمين شمال منطقة الوسط. 
في لبنان الواقع بين ناري “حزب الله” بحساباته الإقليمية ووظيفته الإيرانية، وإسرائيل المصدومة من عملية “طوفان الأقصى”، انقسام عمودي بين من يؤيد تورط “حزب الله” في حرب “المشاغلة”، ومن يرى أن الحزب المذكور قام من خلال التورط في الحرب المشار إليها، بدق مسمار كبير في نعش الدولة اللبنانية ومبدأ العيش المشترك المهتز أصلاً بين اللبنانيين، وذلك رغم الصمت المطبق المسيطر على مختلف المسؤولين الرسميين الذين تحولوا مع مرور الوقت إلى سعاة بريد يحملون الرسائل والردود بين المجتمع الدولي و”حزب الله”، وسط ذهول المواطن اللبناني المغلوب على أمره. 
هل صارت الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل محتومة؟ إنه سؤال كبير جداً، والآراء منقسمة حوله. لكن ما يلفت النظر هو أن الطرفين باتا يشبهان سيارتين مندفعتين في اتجاه بعضهما بعضاً بسرعة قصوى بغياب نظام فرملة مضمون. إنها ساعات وأيام وأسابيع خطرة للغاية.

 

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى