أقلام وأراء

علي حمادة: بعد الانتخابات النّصفية هل سيعود الرئيس بايدن إلى الهرولة خلف طهران؟

علي حمادة 18-11-2022م: بعد الانتخابات النّصفية هل سيعود الرئيس بايدن إلى الهرولة خلف طهران؟

لا يختلف اثنان على أن الحزب الديموقراطي تجنب في الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي يوم الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) الهزيمة الساحقة، كما كانت العديد من مؤسسات استطلاعات الرأي تتوقع. خسر الديموقراطيون مجلس النواب بفارق بسيط عن الجمهوريين، فيما احتفظوا بمجلس الشيوخ، ما خفف كثيراً من صدمة الانتخابات النصفية بعد عامين على الولاية الرئاسية التي عادة ما يُمنى فيها حزب الرئيس بهزيمة. من هنا أتت النتائج لتحرم الجمهوريين من “الموجة الحمراء” التي كانوا ينتظرونها، وفي الوقت عينه تعرّض الرئيس السابق دونالد ترامب إلى خسارة معنوية كبيرة نتيجة خسارة العديد من المرشحين للمجلسين في مختلف الدوائر، ما أضعف اندفاعته السياسية وخطته للترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024. ومع ذلك أعلن ترامب عن ترشحه، لكنه بدا أقل وهجاً بعدما حمّله عدد من كبار قادة الحزب الجمهوري مسؤولية الفشل في تحقيق انتصار ساحق على الديموقراطيين، تزامناً مع إعلان ابنته إيفانكا ترامب عن إحجامها عن أي عمل سياسي إلى جانب والدها، عازية الأمر إلى رغبتها في الاهتمام بعائلتها. لقد عُدّ الأمر بمثابة إعلان افتراق من الابنة عن أبيها، وهي التي رافقت والدها كظله خلال الولاية الرئاسية حتى غدت شريكة له في البيت الأبيض والقرارات الكبرى. من هنا أفلت الرئيس الأميركي جو بايدن من فخ الانتخابات النصفية ليعود منتشياً بالنتائج، بما منح رئاسته زخماً جديداً، على الرغم من تعقيدات ستظهر في وجهه في ضوء خسارة الأغلبية في مجلس النواب. وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية التي تعتبر من اختصاصات الرئاسة الأهم، حيث يتمتع فيها بصلاحيات واسعة النطاق، يمكن القول إن القليل سيتغير في أكثر من ملف ساخن يتعامل معه الرئيس الأميركي.

من بين الملفات الساخنة، ملف إيران، وبالتحديد المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، والتي تعثرت بنهاية الصيف الماضي في الوقت الذي أشيع أن التفاوض كاد أن يصل إلى نهايات سعيدة، بعدما حرر المسؤول الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مسودة اتفاق كاملة حازت قبول جميع أعضاء المجموعة الدولية “5+1″، وبقي على الإيرانيين أن يوافقوا عليها لكي تبدأ عملية العودة التدريجية إلى الالتزام بالاتفاق النووي لعام 2015. يومها بقيت مسألة واحدة عالقة وتتصل بالأسئلة التي وجهتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى السلطات الإيرانية المعنية بشأن ثلاثة مواقع غير معلنة، كشفتها فرق التفتيش الدولية في إيران، ووجدت فيها بقايا عيّنات من اليورانيوم المخصب التي لم تكشف السلطات الإيرانية عنها. لم تجب إيران عن الأسئلة ولم توضح ماهية المواد التي عُثر عليها، في الوقت الذي أعلنت فيه الوكالة الدولية أن عدم تقديم السلطات الإيرانية إجابات مقنعة بشأن اليورانيوم المخصب يدفعها إلى الاعتقاد أن لدى طهران برنامجاً نووياً سرياً مختلفاً في طبيعته عن البرنامج المعلن عنه. بمعنى آخر، فإن ثمة شكوكاً بأن إيران تدير سراً برنامجاً نووياً عسكرياً سرياً. توقفت المفاوضات عند هذا الحد، ولغاية اليوم لم تعد الأطراف المعنية إلى طاولة المفاوضات، خصوصاً أن الدول الغربية في المجموعة الدولية، أي أميركا، فرنسا، بريطانيا وألمانيا، أعلنت أن المفاوضات انتهت وأن الكرة باتت في ملعب طهران لكي تقبل أو ترفض المسودة. في المقابل، واصلت طهران الإصرار على الجلوس إلى طاولة المفاوضات دون أن تعطي إجابتها النهائية على المقترحات الدولية. بعد ذلك اقتربت الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، ما دفع الإدارة الأميركية إلى تجنب العودة إلى طاولة التفاوض التي ما كانت مرة تحظى بشعبية في الكونغرس أو بين الناخبين عموماً.

اليوم انتهت الانتخابات وبات الرئيس متحرراً من ضغوط الحملات الانتخابية. لكن فيما كانت المفاوضات متوقفة، والسلطات الإيرانية تواصل خرق القيود المفروضة على برنامجها النووي، استجد عامل مهم في المعادلة. ففي السادس عشر من أيلول (سبتمبر) الماضي، قُتلت الشابة الإيرانية مهسا أميني على يد أفراد من الشرطة في طهران اعتقلوها بجرم عدم وضع الحجاب “بشكل لائق”. مذّاك ثارت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وعمّت المدن والبلدات الإيرانية موجة احتجاجات ضخمة لم تهدأ طوال أكثر من ستين يوماً، لا بل إنها توسعت، وتفاعلت بحيث تحولت من احتجاجات على مقتل مهسا أميني إلى ما يرتقي إلى ثورة سياسية، ثقافية وأيديولوجية عارمة فشلت السلطات في التصدي لها، على الرغم من سقوط أكثر من ثلاثمئة مواطنة ومواطن جراء القمع والعنف الذي مورس ضد الثائرين. ومع أن النظام الإيراني ورموزه أطلقوا تهديدات متكررة ضد الثائرين، ووصفوهم بـ”العملاء” في خدمة إسرائيل وأميركا وبعض الدول العربية “المتآمرة” على الاستقرار في إيران، فإن الثورة زادت زخماً. هذا العامل المستجد وجد له أصداء في العالم أجمع تضامناً مع ثورة النساء أولاً ثم ثورة الشعب على النظام الإيراني وعنفه. ومع التفاعل الدولي بات ميل الإدارة الأميركية للعودة إلى سياسة الهرولة في اتجاه إيران أكثر تعقيداً مع كل يوم تسقط فيه فتيات ونساء ورجال في شوارع طهران وعشرات المدن المشتعلة. لا شك بأن مهمة بايدن وفريقه المختص بملف إيران، وفي المقدمة مستشار الرئاسة للشؤون الإيرانية روبرت مالي، ستكون أكثر صعوبة في الظهور بمظهر من يعمل على إعادة تأهيل النظام في إيران. فالرأي العام الأميركي، لا سيما في صفوف النساء، شديد الحساسية إزاء أي محاولة لتجاوز قتل النساء والفتيات في شوارع مدن إيران، ما سيعقّد الأمر على الرئيس الأميركي وفريقه، وخصوصاً أن الاتفاق النووي السياسي لعام 2015 لم يعد كافياً لضبط السلوك الإيراني على مستوى خرق الالتزامات والقيود وعسكرة البرنامج علناً. كما أن الاتفاق يتضمن قيوداً بمهل زمنية ستبدأ في السقوط الواحدة تلو الأخرى ابتداءً من العام المقبل. هذا ما سيحرر طهران من العديد من التزاماتها قانونياً. من هنا الحاجة إلى إعادة التفاوض على اتفاق أقوى، وأطول مع إعادة واشنطن وضع الخيار العسكري على الطاولة، لأن إيران تسرّع اليوم الخطى لتطوير قنبلتها النووية الأولى في مهلة زمنية قصيرة نسبياً.

نعم لو لم تنفجر ثورة النساء في إيران لسارع بايدن إلى إحياء سياسة الهرولة نحو النظام في طهران!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى