علي حمادة: الجزائر على حبل رفيع بين موسكو والغرب

علي حمادة 17-2-2023: الجزائر على حبل رفيع بين موسكو والغرب
ما الذي يحصل بين الجزائر من جهة وكل من روسيا والدول الغربية التي تتواجه مع الأولى في حرب طاحنة على الأراضي الأوكرانية من جهة أخرى؟ طرح هذا السؤال في ضوء صدور تصريحات عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أدلى بها بداية هذا الشهر إلى المحطة الحكومية الروسية “آر تي” الناطقة باللغة العربية، أكد فيها أن مناورات بين الجيشين الجزائري والروسي ستجري بين 16 و28 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل في منطقة بشار القريبة من الحدود الجزائرية-المغربية ومن شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وسيطلق عليها اسم “درع الصحراء” .
هذه التأكيدات أتت إثر بيان صدر عن وزارة الدفاع الجزائرية أفاد بشكل غير مباشر أن المناورات أُلغيت ولن تحصل كما كان مقرراً لها. هنا المفارقة بين بيان جزائري غير واضح من ناحية، وتصريحات روسية شديدة الوضوح ومصدرها رئيس دبلوماسيتها. وتشاء “الصدفة” أن تأتي تصريحات الوزير لافروف في أعقاب انتهاء زيارة مهمة جداً قام بها رئيس أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة لباريس في 23 كانون الأول – يناير الماضي، وعدّت تلك الزيارة مقدمة لتطبيع جدي في العلاقات بين الجزائر وباريس، لا سيما أن الأوساط الدبلوماسية الدولية تعرف أن القرار والسلطة في الجزائر يبقيان في عهدة المؤسسة العسكرية وليس في المؤسسة السياسية المدنية التي يتربع فوقها الرئيس عبد المجيد تبون.
ومن هنا كانت زيارة الجنرال شنقريحة مركزية باعتبارها البوابة التي يحتاج الرئيس تبون العبور منها تنفيذاً لقرار كبير يتعلق بتحسين العلاقات مع الدولة المستعمرة السابقة. وثمة مراقبون يعتبرون أن تصريحات لافروف المناقضة لما أرادت الجزائر إفهامه للغرب من أن المناورات ألغيت، لأن موسكو تحيّنت فرصة زيارة الجنرال شنقريحة لباريس وعودته منها لكي تدلي بدلوها بما يفيد الغرب بأن المناورة الجزائرية الهادفة لتسويق فكرة في الغرب أنها دولة محايدة في المواجهة بين الغرب وروسيا لفظية أكثر مما هي واقعية، وأن العلاقات بين موسكو والجزائر تتجاوز علاقات الشراكة لتكون علاقة تحالف استراتيجي تعود إلى ستينات القرن الماضي منذ استقلال الجزائر.
والأهم أن العلاقة مع المؤسسة العسكرية الجزائرية التي تمسك بخيوط السلطة الفعلية في البلاد منذ الاستقلال ليست معرضة للاهتزاز بفعل ظروف تجارية مستجدة تحولت فيها دول أوروبا إلى شريك تجاري رئيسي للجزائر عبر ارتفاع مستوى استيراد النفط والغاز من الجزائر في أعقاب القطيعة الأوروبية مع روسيا بعد توقف استيراد النفط والغاز منها. وقد استفادت الجزائر من حالة الصراع بين الغرب وروسيا حول أوكرانيا لكي تعزز صادراتها النفطية والغازية نحو أوروبا، مستغلة هذا الأمر في محاولة لتعزيز موقعها الدبلوماسي في أوروبا في ما يتعلق بالقضية الرئيسية التي تنشغل بها، أي مناوشة المغرب حول قضية الصحراء ولكن من دون تحقيق نجاحات كبيرة لغاية الآن.
فكما أن الجزائر عززت وضعيتها كجهة مصدرة للنفط والغاز، فإن أوروبا عززت موقعها التفاوضي معها كجهة مستوردة تدفع فاتورتها النفطية بالعملات الصعبة. ومن هنا كانت محدودية الهوامش التي أمكن للجزائر أن تستفيد منها جراء توقف صادرات النفط والغاز الروسية إلى أوروبا ومحاولة الحلول مكانها كمصدر رئيسي، وبالتالي استحالة إمكانية استغلال الموقف أكثر نظراً إلى أن الجزائر بحاجة ماسة للأسواق الأوروبية، في وقت عادت إمدادات النفط والغاز العالمية إلى الارتفاع، بما حال دون ارتفاع الأسعار كما كانت روسيا تأمل في بداية الحرب.