أقلام وأراء

علي بدوان يكتب – قانون القومية والمناخ العام في إسرائيل

علي بدوان ٢٣-٨-٢٠١٨

أحدث طرح مسألة «قانون القومية» و «يهودية الدولة» داخل الكنيست، تفاعلاتٍ هائلة داخل المجتمع الإسرائيلي خلال الفترات الأخيرة، وداخل الأحزاب الإسرائيلية ذاتها، على الرغم من أنَّ المسألة مطروحة منذ وقتٍ ليس بالقصير. لكن الفرصة الآن باتت أفضل من غيرها بالنسبة إلى نتانياهو لتمرير ما يريد، وإعادة استقطاب جمهور اليمين بعد الهزات الفضائحية التي أصابته وأصابت زوجته أخيراً. فالمناخ اليميني العام يُسيطر على مزاج المجتمع الإسرائيلي، والقوى السياسية المشاركة بالإئتلاف الحكومي تميل بغالبية أعضائها للسير بقانون القومية قدماً نحو اقراره في شكلٍ نهائي بعد أن تم تمريره بالقراءة الثالثة.

التقاط رئيس الحكومة الإسرائيلية، للمناخ العام في إسرائيل، دفعه أيضاً إلى توجيه انتقادات لاذعة، لمواقف أحزاب «اليسار» الإسرائيلي من القانون ومن مسألة يهودية الدولة، معتبراً أنها تعكس «الانحطاط الذي وصلت إليه»، فيما طالب وزراء حكومته بمواصلة الدفاع عن «قانون القومية»، والتمسك بالمواقف التي دفعتهم إلى تشريع القانون.

إذاً، المناخ العام في إسرائيل، تسيطر عليه أجواء اليمين واليمين المتطرف، ولنا أن نلحظ ذلك وفي شكلٍ ملموس من خلال استطلاعات الرأي في إسرائيل والتي جرت أخيراً، فقد بيّن استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجراه معهد «بانل بوليتيكس» لموقع «واللا» العبري، أن 58 في المئة من الجمهور الإسرائيلي راضين عن «قانون القومية»، مقابل 34 في المئة من الجمهور الإسرائيلي عبّروا عن معارضتهم للقانون.

وأظهر الاستطلاع أن 85 في المئة من ناخبي الأحزاب اليمينية يؤيدون القانون الذي يواجه انتقادات ويرفع من حدة الاستقطاب في الخارطة اليسارية الإسرائيلية، حيث عارض القانون 75 في المئة من ناخبي من يعرّف نفسه بأحزاب وقوى «اليسار» الإسرائيلي. فيما جاءت النتائج متقاربة بين معارض ومؤيد للقانون لدى ناخبي من يعرف نفسه بأحزاب «الوسط»، حيث أظهر الاستطلاع تأييد 49 في المئة منهم للقانون ومعارضة 45 في المئة…

كما أظهر الاستطلاع أيضاً، أنَّ القانون حظي بتأييد جارف لدى ناخبي الحزب الحاكم، «الليكود»، حيث عبّر 92 في المئة من ناخبيه عن تأيدهم للقانون فيما عارضه 4 في المئة فقط. الحال نفسه لدى ناخبي «البيت اليهودي» الذين توصلوا إلى تفاهمات يلبي رغبة ناخبيهم مع «الليكود» قبل وضع الصيغة النهائية، كان أبرزها إضافة بند حول «حق تقرير المصير الديني» لليهود في فلسطين وبند آخر داعم للاستيطان (الذين يشكلوا السواد الأعظم من كتلة ناخبيهم).

وقال 97 في المئة من ناخبي «البيت اليهودي» إنهم يؤيدون القانون، فيما اقتصرت معارضة القانون في الحزب الاستيطاني على 3 في المئة من ناخبيه. في المقابل، قال 71 في المئة من ناخبي «المعسكر الصهيوني» و89 في المئة من ناخبي «ميرتس» و100 في المئة من ناخبي القائمة المشتركة إنهم يعارضون القانون الذي اعتبروه يكرس العنصرية ويعزز نظام الأبرتهايد.

ويُظهر الاستطلاع انقسام الناخبين لدى أحزاب «الوسط»، إذ يؤيد القانون 48 في المئة من ناخبي «يش عاتيد»، فيما يعارضه 46 في المئة، وفي حزب «كولانو» الذي يتزعمه الليكودي السابق موشيه كحلون والذي يشكل جزءاً من الائتلاف الحكومي الذي صادق على القانون، حظي القانون بتأييد 60 في المئة من الناخبين ومعارضة 40 في المئة منهم.

ووفق الاستطلاع حظي القانون بتأييد واسع لدى الأحزاب الحريدية الدينية، على رغم معارضة أحزابهم المبدئية له في البداية، حيث قال 75 في المئة من ناخبي «شاس» و74 في المئة من ناخبي «يهدوت هتوراة» إنهم يؤيدون القانون.

وبيّن الاستطلاع الخارطة السياسية للأحزاب الإسرائيلية إذا ما جرت الانتخابات اليوم، إذ يحصل الليكود على 33 مقعدًا و «يش عتيد» في المرتبة الثانية بتمثيل يصل إلى 19 مقعداً، «المعسكر الصهيوني» يحصل على 12 مقعداً، ويقل تمثيل القائمة المشتركة بمقعدين لتحصل على 11 مقعدًا، «البيت اليهودي» 10 مقاعد، «يهدوت هتوراة» 8 مقاعد، ويحصل حزبا «يسرائيل بيتينو» و «كولانو» على 6 مقاعد لكل منها، وحزب جديد بقيادة عضو البرلمان أورلي ليفي– أبيكاسيس يحصل كذلك على 6 مقاعد، و «ميرتس»5 مقاعد، وتحصل كتلة «شاس» على 4 مقاعد.

نستطيع القول إنَّ قوة وسطوة أحزاب اليمين حاضرة في المجتمع الإسرائيلي، وأنَّ أي انتخاباتٍ تشريعية مقبلة، سواء كانت مبكّرة كما يتوقع البعض، أو في موعدها المحدد، فإن حظوظ حزب الليكود ما زالت وافرة للفوز من جديد وتشكيل حكومة ائتلافية بالتشارك مع أحزاب اليمين ويمين الوسط.

كما تُشير المعطيات إلى أن المجال مفتوح تماماً لإقرار قانون القومية، لكن تبعاته ستكون كبيرة، وربما تحدث هزاتٍ عنيفة داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث يُصيب القانون أصحاب الوطن الأصليين الذين يُشكّلون نحو ربع سكان اسرائيل، وقد باتوا قوة ديموغرافية وسياسية لا يُمكن تجاهلها في نهاية المطاف، عدا عن ما سيحدثه من انقسام داخل المجتمع بين الفئات والأحزاب السياسية الصهيونية التي تضم في صفوفها أعداداً ليست بالقليلة من أبناء الأقليات القومية من العرب والشركس، فضلاً عن الطائفة الدرزية التي وجدت نفسها ضحية من ضحايا قانون القومية على الرغم من خضوع أبنائها للخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي. ولنا في الفعاليات التي ما زالت تتواصل خير دليل، وآخرها المظاهرة الكبرى في تل أبيب، والتي أبرزت حالة نوعية من التحوّل في مسار الكفاح الديموقراطي الشعبي للفلسطينيين داخل مناطق العام 1948.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى