أقلام وأراء

علي بدوان يكتب – خلفيات الموقف الإسرائيلي من «أونروا»

علي بدوان *- 27/9/2018  

الحالة «الإسرائيلية» الداخلية ليست على توافق في الموقف من وكالة (أونروا) في الوقت الحالي، فهناك من يؤيد الخطوات الأميركية، ويدفع باتجاه تفكيك الوكالة كرئيس الحكومة وغالبية نواب حزب الليكود، وهناك من يدعو للتريث خشية من العواقب الكبرى التي ستجرها هذه القضية، خصوصاً بالنسبة الى الوضع المعيشي والحياتي للسكان في قطاع غزة وحتى مخيمات الضفة الغربية.

فقد سعى نتانياهو، من خلال تحريضه ضد وكالة (أونروا)، لدى المسؤولة الأميركية نيكي هيلي المعروفة بمواقفها المؤيدة لأجندة الاحتلال وسياساته، إلى استحضار خطابه المعروف ضد الوكالة، بزعم أنها تشكّل تكريساً لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وأنه «يتم في مؤسساتها تحريض واسع النطاق ضد إسرائيل». فحكومة نتانياهو تحاول توظيف الموقف الأميركي، واستثمار الأجواء العامة التي تَبُثها السفيرة الأميركية نيكي هيلي داخل الأمم المتحدة في شأنِ وكالةِ (أونروا)، وربطِ الفكرة بما بات يُعرف بـ «صفقة القرن» التي يَصِف بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشروعه غير الواضح لتسوية دائمة، في إطار مبادرة لتسوية شاملة مع الدول العربية، ويسعى نتانياهو من وراء إطلاق التداول بهذه الفكرة إلى خلقِ ديناميكيةِ هدفها الأساس، التقليل من «حجم قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة»، وطي ملف حق العودة كلياً.

عملياً، وبعد يومٍ واحد من قرار الرئيس الأميركي في شأن مدينة القدس، وإعلانه أنَّ قضية القدس لن تُطرح في أي مفاوضاتِ سلامٍ مستقبلية، أفادت تقارير إعلامية بأن «إسرائيل» طالبت البيت الأبيض بإلغاء حق العودة للفلسطينيين. ونقلت قناة حدشوت Hadashot «الإسرائيلية» عن مصادر في حكومة نتانياهو قولها «إنه الآن، بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، أن تكمل خطوة البيت الأبيض اللاحقة في شطب حق العودة لملايين الفلسطينيين إلى إسرائيل من لائحة مسائل الوضع النهائي في عملية السلام». وذَكَر أحد مصادر القناة أن البيت الأبيض سيعرض بعد ذلك مقترحاً للسلام كان الرئيس ترامب يتحدث عنه في اجتماعات منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا أواخر كانون الثاني (يناير) 2018، مُشيراً إلى أنه «ربما من الأفضل تسمية هذا المقترح بخطة (بنيامين) نتانياهو» لأنه سيلبي معظم مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي».

لقد قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، وكرر أكثر من مرة، إنه حان الوقت لتفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا)، بنيامين نتانياهو يُشير في هذا الصدد الى أنه «منذ الحرب العالمية الثانية كان ولا يزال هناك عشرات الملايين من اللاجئين وخصصت لهم مفوضية سامية في الأمم المتحدة بينما خُصصت للاجئين الفلسطينيين الذين تم توطين الغالبية الساحقة منهم، مفوضية أخرى خاصة بهم فقط هي الأونروا التي يمارس في مؤسساتها تحريض واسع النطاق ضد إسرائيل، لذا فإن الأونروا بسبب وجودها وأيضاً بسبب نشاطاتها تخلّد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بدلاً من حلها، وحان الوقت لتفكيكها ودمج أجزائها في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة لهيئة الأمم المتحدة».

لقد كرر نتانياهو دعوته لإنهاء عمل وكالة الأونروا، معتبراً إياها «منظمة تُديم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وتُديم أيضاً رواية ما يُسمى بحق العودة الذي يهدف الى تدمير دولة إسرائيل، لذا يجب أن تزول الأونروا من الوجود» وفق تعبيره. وأضاف أنه بينما يحصل ملايين من اللاجئين حول العالم على مساعدات من مكتب المفوضية العليا للاجئين، فإن الفلسطينيين وحدهم لديهم منظمة مخصصة لهم تتعامل مع «أبناء أحفاد اللاجئين، وهم ليسوا لاجئين» حسب تعبيره. ودعا نتانياهو الى إنهاء هذا الوضع واصفاً إياه بـ «السخيف» وفق وصفه.

ومن المعروف أنَّ مطلب نتانياهو لإنهاء عمل وكالة (أونروا) يتعارض أصلاً مع عضوية «إسرائيل» في الأمم المتحدة، حين تم قبول عضويتها عام 1948، مشروطة بعدم الاعتراض على القرار 194 القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى مواطنهم الأصلية على أرض فلسطين، وهو القرار المُرتبط بدوره باستمرار عمل الوكالة في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات (سوريا + الأردن + لبنان).

كما يُعتبر مطلب نتانياهو بإنهاء عمل وكالة (أونروا)، تجاوزاً لرغبة وإرادة المجتمع الدولي الذي يُجدد في شكلٍ سنوي تفويضه للأونروا، رابطاً مسألة إنهاء عمل وكالة الغوث (الأونروا) ووقف خدماتها بانتهاء السبب الذي أنشئت لأجله عام ١٩٤٩، وهو حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وعودتهم الى ديارهم وممتلكاتهم، وتطبيق القرار الأممي الخاص بهم، الرقم 194. وفي السياق ذاته، كانت القناة السّابعة التابعة للمستوطنين، قد نقلت عن تسيبي حوتوبيلي، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، أنها خاطبت السفراء والديبلوماسيين الإسرائيليين بأن «يعمموا في لقاءاتهم السياسية التوجه القائل بأن عهد الأونروا قد انتهى الى الأبد».

وعلى الضفة المقابلة لموقف رئيس الحكومة، عبَّرَ «الجيش الإسرائيلي» في بيانٍ له، عن معارضته وقف التمويل الأميركي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في قطاع غزة من دون إيجاد البديل، وقال في بيانه: «الجيش لا ينظر إلى العقوبات ضد (أونروا) كخطوة إيجابية، ويعتقد أن انهيارها قد يؤدي إلى تدهور الأوضاع». مضيفًا أنَّ «موقف الجيش الإسرائيلي هو أن لدى إسرائيل مصلحة واضحة في أن يتمكن الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة من الحصول على أوضاع حياتية معقولة». وشكك «الاحتلال الإسرائيلي» في إمكانية تحقيق ذلك إذا لم يتم إيجاد البديل المناسب لـ (أونروا).

ونقلت صحيفة هاآرتس عن مصادر في الأجهزة الأمنية تقديراتها بأن التصعيد في قطاع غزة «لا مفر منه، ولا يمكن منعه» إذا ما أسفر إغلاق مكاتب الوكالة الأممية في غزة وتوقف نشاطاتها عن تفاقم الحالة المعيشية، ما قد يشكل بداية كارثة إنسانية، علماً أن الوكالة تقدم المساعدات الغذائية لنحو 1.3 مليون لاجئ فلسطيني في غزة، عوضاً عن عشرات المدارس وتشغيل مئات الموظفين. وأشارت الصحيفة إلى أن منسق عمليات قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة كميل أبو ركن، ووزير التعاون الإقليمي وعضو المجلس الأمني والسياسي المصغّر (الكابينيت) الإسرائيلي، تساحي هنغبي، سيشاركان في اجتماعٍ للدول المانحة لـ(أونروا) سيعقد في نيويورك، نهاية أيلول (سبتمبر) 2018. وأوضحت الصحيفة أن مشاركة ممثلي وزارة الأمن الإسرائيلية، في الاجتماع الذي يبحث زيادة مساهمة تمويل الدول المانحة لـ(أونروا)، في محاولة لـلتوصل مع ممثلي هذه الدول الى اتفاق يقضي بإنشاء محور مساعدات موازٍ لـ(أونروا)، ما سيمكن من استمرار الإمدادات الغذائية وعدم توقف نشاطات مدارس المنظمة ودفع الرواتب لموظفيها البالغ عددهم 30 ألف موظف. وأكدت الصحيفة «أن الجيش الإسرائيلي حذر القيادة السياسية أخيراً من أنه إذا توقفت عمليات (أونروا) ولم يتم العثور على إيجاد بديل، فلن يكون من الممكن ضمان الهدوء على ما وصفته بـالجبهة الجنوبية». وتشير تقديرات قيادة «الجيش الإسرائيلي» إلى أن «مثل هذا الوضع من المرجح أن يؤدي إلى تصعيد، وسيتوجه الاحتقان الذي سيتشكل لدى أهالي القطاع نحو السياج الأمني الفاصل تمهيداً للشروع في مواجهة عسكرية، وإن كانت محدودة، لفرض القضية الفلسطينية ومسألة حصار غزة على الساحة الدولة الإعلامية والديبلوماسية».

دولة الاحتلال تعرف أن الوكالة ضرورة حتى لا تنفجر الأزمات في وجهها، حتى أن صحيفة هاآرتس ذهبت للقول في مقال على صفحاتها، «أنه لا يوجد شك في أن بنيامين نتانياهو يعرف جيداً الوضع المُعقّد. ففي حين ينتقد في صورة علنية وكالة (أونروا) ويدعو إلى تقليص تدريجي في ميزانيتها، فإنه من وراء الكواليس «تعمل إسرائيل بنشاط على زيادة ميزانيتها». وأفادت الصحيفة بأن وزارة الخارجية تقوم بــ «ضبط السياسيين الذين يحاولون الاستفادة من كراهية وكالة أونروا». وأضافت الصحيفة: «لن يكون غريباً إذا تبين أنه على رغم الأقوال العلنية لرئيس الحكومة، إلا أنه أرسل مبعوثيه في محاولة لإنزال ترامب عن الشجرة التي تسلقها، حيث توجد لإسرائيل علاقة مركبة مع الأونروا».

أما في صفوف الأنتلجنسيا اليهودية في فلسطين المحتلة، فإن الموقف مُتباين أيضاً من وكالة (أونروا)، فبعضهم يعتبرها أنها «تحوّلت الى خزنة للجيل الثالث والرابع من الفلسطينيين، الذين انتقلوا من حيفا الى نابلس وتأسسوا جيداً وما زالوا يتلقون مخصصات كلاجئين. المنظمة حافظت، وتقريباً حبست اللاجئين في المخيمات في قطاع غزة. وإسرائيل سلمت بالأونروا لأنها منحتها راحة موقتة، والحكومة والجيش أرادا فقط الهدوء وليذهب غداً الى الجحيم». واقترح أحدهم «أن تبقى المساعدات كما هي، لكن الأونروا يتم حلها والأموال تنقل الى أيدي السلطة الفلسطينية للاحتياجات العامة. اللاجئون سيحصلون على الصنارة بدل السمكة. هذه فكرة يجدر تحريكها على رغم أن ليس هناك ضماناً بأن خطوة دراماتيكية جداً ستستقبل بالترحاب في القدس».

واعتبر الكاتب الإسرائيلي المحسوب على تيارات «اليسار» جدعون ليفي، أن أميركا «أعلنت الحرب على الفلسطينيين» بقرارها الأخير في شأن وكالة (أونروا). مضيفاً بأن واشنطن فقدت الخجل قائلاً: «اخجلي، يا أميركا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى