أقلام وأراء

علي الصالح يكتب – قرارات ستة تثبت مصداقية بايدن إزاء الفلسطينيين

علي الصالح 6/2/2021

المؤشرات الصادرة عن أقطاب الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، لابد من التعامل معها بحذر شديد، لأن جميع السياسات والقرارات بشأن الشرق الأوسط عموما والقضية الفلسطينية بشكل خاص، التي اتخذتها إدارة دونالد ترامب قد تبقي عليها إدارة جو بايدن وهذا الاختبار الكبير لمصداقيتها.

وبناء على ذلك فإن على القيادة الفلسطينية ألا تبالغ كثيرا في رهانها على هذه الإدارة الديمقراطية، وألا تضع جميع بيضها في سلتها، كما في السابق، قبل أن تثبت هذه الإدارة بما لا يقبل الشك، أنها حقا معنية بتسوية حقيقية في الشرق الأوسط، عبر الضغط على دولة الاحتلال وإرغامها على التراجع عما قامت به خلال السنوات الأربع الماضية من إدارة ترامب سيئ الصيت. فما سبقها من إدارات ديمقراطية لم تنجز شيئا على الصعيد الفلسطيني، وكانت دوما مع الجانب الآخر، أي دولة الاحتلال.

يجب أن يضع الفلسطينيون نصب أعينهم، وهم يتعاملون مع أي قرار يصدر عن إدارة بايدن، السنوات الثلاث والخمسين ونيف من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، والسبع والعشرين سنة منذ اتفاق أوسلو، التي لم تعمل فيها الإدارات الأمريكية المتعاقبة على تسوية الصراع في الشرق الأوسط، بالضغط على إسرائيل وحملها على الانسحاب من الأراضي المحتلة، وفق قرارات الأمم المتحدة والاتفاقات الدولية، بل عملت طيلة هذه الأعوام وفق مبدأ إدارة الصراع لا إنهائه. وهذا ما سبق واعترف به هنري كيسنجر وزير الخارجية في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، صاحب فضيحة «ووترغيت» ومفاده أن السياسة الأمريكية بشكل عام ترتكز على إدارة الصراعات لا تسويتها، والأمثلة الحديثة على ذلك كثيرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن وأفغانستان.

يجب ألا يتسرع الفلسطينيون ويبنون سياساتهم ومخططاتهم على أساس بعض التصريحات والوعود الإيجابية، بالتراجع عن بعض قرارات ترامب غير الجوهرية، ولا تمس القرارات الخطيرة التي اتخذتها الإدارة السابقة، التي كانت الأكثر عداء في تاريخ الولايات المتحدة، للشعب الفلسطيني وقضيته وطموحاته في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على برها وبحرها ومائها وفضائها وجوفها، وعاصمتها القدس الشرقية، بحرمها القدسي الشريف وقبة صخرته وكنائسها، وعلى رأسها كنيسة القيامة.

وهذه هي القرارات والسياسات التي اتخذها ترامب، والمتوقع أن تتراجع عنها إدارة بايدن، لغرض الإمساك مجددا بخيوط القضية الفلسطينية واستعادة هيبتها عالميا. وأول هذه القرارات العودة إلى النهج التقليدي في السياسة الأمريكية إزاء أزمة الشرق الأوسط، بإعادة العلاقات بين رام الله وواشنطن التي قطعها الفلسطينيون ردا على قرارات إدارة ترامب.

*الحديث عن سقوط صفقة القرن الترامبية، وهو حديث يطرب آذان القيادة الفلسطينية، التي طالما طالبت بالتخلي عن صفقة القرن، ووضعته شرطا لعودة العلاقات مع إدارة ترامب، وستعتبره أحد إنجازاتها العظيمة.

*تأكيد التمسك «اللفظي» بحل الدولتين الذي لا بديل عنه، وهو الحل المتفق عليه دوليا. وتحدث في هذ السياق القائم بأعمال السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز، أمام أول جلسة لمناقشة القضية الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي في العهد الجديد، حيث أكد التزام الولايات المتحدة بحل «يتفق عليه الطرفان» وهو حل الدولتين، تعيش بموجبه إسرائيل بأمن وسلام إلى جانب دولة فلسطينية. وهو كلام فضفاض يضع القرار بيد الطرف الأقوى، وهو في هذه الحالة دولة الاحتلال.

*اعادة فتح مكتب البعثة الفلسطينية والمؤسسات الرسمية الفلسطينية في واشنطن.

*استئناف دفع مخصصات وكالة غوث اللاجئين «الأونروا» وقدرها360 مليون دولار. إعادة المساعدات للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية واستعادة برامج المساعدات الأخرى.

*إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، التي أغلقها السفير المستوطن وألحقها بسفارته، بعدما كانت بعثة مستقلة بمثابة سفارة أمريكية لدى السلطة تتعامل مباشرة مع واشنطن.

*العودة إلى النغمة التقليدية وهي دعوة الطرفين إلى تجنب اتخاذ إجراءات من طرف واحد مثل، التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، الذي تقوم به «إسرائيل» واللجوء إلى «العنف» من جانب الفلسطينيين.

هذه هي الإجراءات التي يتوقع أن تقدم إدارة بايدن على اتخاذها قريبا.. وكما أسلفنا فإنها تبقى رغم إيجابياتها إجراءات تجميلية لا تعزز مصداقية وجدية الإدارة الجديدة في التعامل مع القضية الفلسطينية.. ويتطلب منها لإثبات مصداقيتها:

أولا: العودة عن قرار الاعتراف بالقدس الكبرى عاصمة لدولة الاحتلال، وإعادة السفارة الأمريكية إلى مقرها السابق في تل أبيب.

ثانيا: التراجع عن قرار وزير الخارجية السابق مايك بومبيو سيئ الذكر، بتغيير الموقف الأمريكي التقليدي الذي يعتبر المستوطنات غير شرعية، ومخالفة للقوانين الدولية.

ثالثا: تحديد موعد لاستئناف المفاوضات تحت مظلة دولية، بتواريخ وأهداف محددة تنتهي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، دولة ذات سيادة كاملة على الحدود والفضاء والثروات فوق الأرض وتحتها.

رابعا: العمل على منع الاحتلال من ارتكاب مزيد من المجازر بحق البيئة بقطع آلاف الأشجار المعمرة في الأراضي المحتلة.

خامسا: وقف استخدام الفيتو ضد القرارت الخاصة بفلسطين، والسماح بعقاب دولة الاحتلال لإثبات أنها ليست دولة فوق القانون.

سادسا: وضع حد للاعتداءات اليومية للمستوطنين، والتعامل معهم كمنظمات إرهابية لابد من وضعها على قوائم الإرهاب الأمريكية.

تصريحات كبار المسؤولين في الإدارة الجديدة حول القضايا الجوهرية، في ما يخص القضية الفلسطينية، لا تبشر بالخير ولا تدعو إلى التفاؤل. وأول هذه التصريحات ما قاله وزير الخارجية الجديد، فقد أكد انتوني بلينكن، إبقاء الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل وبقاء السفارة هناك، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، حيث رد بـ»نعم» عندما سئل: هل أنت موافق على أن القدس هي عاصمة إسرائيل.. وهل تلتزم بالحفاظ على سفارة الولايات المتحدة في القدس.

وباختصار لم تبدِ إدارة بايدن خلال أسابيعها الثلاثة في البيت الأبيض، أي نية لمراجعة القرارات المصيرية الأخرى التي اتخذتها إدارة ترامب. وهذا يدفعنا إلى طرح سؤال يدخل في إطار نظرية المؤامرة وهو، هل يمكن القول إنه جيء بترامب إلى البيت الأبيض وزمرته الصهيونية خصيصا لتنفيذ هذه المهام على نحو لا يسمح لخلفه بالتراجع عنها، وتصبح سياسات أمريكية رسمية غير قابلة للتغيير؟ مجرد تساؤل.

واختتم بخبر مضحك مبك مصدره أحمد أبو الغيط الأمين العام لما يسمى تجاوزا جامعة الدول العربية، يفيد الخبر بأن أبو الغيط يدين قرار كوسوفو، وهي الدولة ذات الأغلبية المسلمة، الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، مؤكدا أن القرار عارٍ عن الشرعية، ويمثل خرقاً للقانون الدولي الذي يعتبر مدينة القدس أرضاً محتلة، ويحظر نقل السفارات إليها. وشدد أبو الغيط في بيان على أن قرار كوسوفو يخرج عن الإجماع الدولي في شأن افتتاح سفارات في القدس المحتلة، وهو إجماع لم تخرج عنه سوى دولتين هما امريكا التي بادرت إلى الاعتراف ونقل السفارة وغواتيمالا، مؤكدا أن قرارات مجلس الأمن صريحة في هذا الصدد، وعلى رأسها القرار478 لعام 1980، الذي يدين ضم «إسرائيل» للقدس الشرقية، ويحظر على الدول إقامة بعثات دبلوماسية في المدينة.

وهذا يجعلنا نتساءل أليس الأقربون أولى بهذه الإدانة يا معالي أبو الغيط؟ أليست دولة محمد بن زايد أولى بإدانة أقوى، بل مقاطعتها؟ أليست دولة إمارات محمد بن زايد هي التي خرقت وانتهكت ليس القرارات والقوانين الدولية فحسب، بل قرارات جامعته العربية وطعنت الإجماع العربي في الظهر، وخانت مبادرة السلام العربية، ليس بالهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل فحسب، بل باستيراد بضائع المستوطنات ومنتجاتها من العسل والطحينة وزيت الزيتون والنبيذ، وشراء نصف أسهم أكثر فرق كرة القدم عنصرية ضد العرب «بيتار القدس»؟ ألم يكن أذناب محمد بن زايد وملك البحرين هم من شاركوا المستوطنين احتفالهم بعيد الأنوار اليهودي «حانوكا» وأشعلوا القناديل في ساحة البراق.. والتاريخ يسجل وشعوبنا لا تنسى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى