أقلام وأراء

عليان الهندي يكتب – الامير بندر بن سلطان وبوابة التطبيع مع إسرائيل

بقلم عليان الهندي 27-10-2020م

استمعت جيدا لتصريحات الامير بندر بن سلطان لقناة العربية حول الفرص الضائعة لحل القضية الفلسطية، التي كانت القيادات الفلسطينية على مختلف توجهاتها السبب في تضييعها وتفويت الفرصة لحل هذه القضية العادلة، التي وصف الأمير المسئولين عنها بأنهم محامون فاشلون رغم عدالة قضيتهم، في حين وصف القضية [المستعمرين اليهود] الإسرائيلية بالفاشلة لكنها تملك محامين أذكياء وناجحين، متجاهلا بذلك منطق القوة والغطرسة والتبجح الإسرائيلية في التعامل مع الشعب الفلسطيني والعربي. فيا سيدي الأمير، لا تحتاج القضية إلى محامين رغم أهمية ذلك، فالمنطق الحاكم للصراع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي هو منطق القوة والقوة فقط، وليس غير ذلك، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان الأكثر تبجحا عندما أشار في خطاب التوقيع على اتفاق أبرهام مع دولة الامارات التي هببت تدافع عن حكامها بأن التوقيع مع دولة إسرائيل تم على أساس أنها دولة قوية يهرول إليها الضعفاء من الحكام العرب.
كما استهل الامير كلمته بأنها موجهة للشعب السعودي ليشرح لهم الحقائق حول الفرص الضائعة لحل القضية الفلسطينية التي أضاعها قادتها، في حين أن نيته كانت تتمثل بفتح بوابة التحريض على الفلسطينيين من قبل بعض أركان النظام السعودي والخليج وفي غيرها من الدول العربية ومن الاعلاميين والصحافة الصفراء المنتشرة في مختلف صقاع العالم، وليس من قبل الشعب السعودي الكريم الذي يشهد له القاصي والداني بطيب خلقه وتسامحه بشكل عام، ومع الشعب الفلسطيني بشكل خاص الذي لم يبخل بيوم من الايام على أخوانه وأهله في فلسطين المحتلة.
ولأننا ناكرون للجميل وفق رأي الأمير بندر، فإننا نسجل هنا أن المملكة العربية السعودية وجميع ملوكها بمن فيهم الملك سليمان الحالي أطال الله في عمره، الذي شارك كضابط في عدوان إسرائيل على الدول العربية عام 1967، قدموا أكثر المساعدات للشعب الفلسطيني ولم تكن مشروطة بأي موقف، حيث كانت هذه المساعدات من أكثر المساعدات التي تقدم من الدول المختلفة. كما أننا سيدي الامير لا ننسى الوقفة التي قام بها الملك المؤسس رحمه الله في اجتماع السفينة التي طالب فيها الولايات المتحدة بانصاف الفلسطينيين، وايجاد حل عادل لقضيتهم.
كذلك فإننا نقدم الاعتذار للأمير بندر بن سلطان، لأننا نحن الفلسطينيين الذين لا نتمتع بقدر عالي من الاخلاق وشواذ وعديمي الاخلاق على حجم الشيب الذي غزا رأسه بسببنا، خاصة أن مظاهر الشباب ما زالت بادية عليه رغم بلوغه السبعون ونيف ؟!، ولكي لا نجرح مشاعرك الجياشة فسوف نخاطبك بسيدي الأمير.
سيدي الأمير لم يرقص الفلسطينيين فرحا لا لاحتلال الكويت ولا لقصف الرياض بالصواريخ العراقية في نابلس، بل رقصوا فرحا في كل المدن الفلسطينية بسقوط هذه الصواريخ على عاصمة الدولة المحتلة تل أبيب، التي كسرت هيبة الجيش الذي لا يقهر، ما تجرأ الجميع بعدها على قصف تل أبيب. الرقص سيدي الأمير جاء عن حجم القهر والظلم الذي تعرض له الفلسطينيين، ما دفع بالوزير الاسرائيلي يوسي ساريد ،وهو من المؤيدين للحل مع الفلسطينيين على أساس دولتين لشعبين، لكتابة مقال أثار ضجة كبيرة في الأوساط المحلية الدولية حينها بعنوان “فاليبحثوا عني” في إشارة إلى الفلسطينيين.
لكن المهم في اللقاء المنفرد للأمير بندر أنه لم يطرح نفسه كدبلوماسي عايش الكثير من الاحداث والتطورات ويريد التحدث فيها، عن ذكرياته ورأيه فيها الذي يمكن تفهمه، إلا أنه طرح نفسه مؤرخا ومحللا للقضية الفلسطينية الذين نجحت القيادة الفلسطينية على مختلف مستوياتها بإجهاض كل الحلول لها منذ نشأتها حتى اليوم.
وخلال حديثه عن القضية الفلسطينية وتطوراتها المختلفة، لم ألاحظ سوى الرؤية الإسرائيلية في كلام الأمير، خاصة في قوله أن الفلسطينيين هم من رفض قرار التقسيم لوحدهم، متناسيا أن كل الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي رفضت وهبت جيوشها لمنع قيام دولة إسرائيل.
وعند الحديث عن طرد الفلسطينيين من وطنهم التاريخي، قال الأمير بندر بن سلطان أن الفلسطينيين هاجروا من أراضيهم، ولم يستخدم كلمة طرد ولو لمرة واحدة، علما أنه يتحدث بين الفينة والأخرى في اللقاء عن عدالة القضية الفلسطينية. فسيدي الأمير أين هي العدالة عندما يتبنى سموك الرواية الاسرائيلية القائلة بأن الفلسطينيين خرجوا من أراضيهم بمحض إرادتهم، علما أن الوثائق الإسرائيلية نفسها تتحدث عن العكس، لدرجة أن وزير العدل الإسرائيلي إبان مفاوضات كامب ديفيد الثانية يوسي بيلين، المؤيد لإقامة دولة فلسطينية، رفض الافراج عن الوثائق المتعلقة بطرد الفلسطينيين، خشية تعزيز موقف الفلسطينيين في المفاوضات.
كما وقع الامير بندر في خطأ تاريخي أخر لم يشاركه في هذا الخطأ سوى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما حاول الصاق تهمة التعاون مع المانيا النازية بالمرحوم الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الاعلى في فلسطين، وهو ما دفع الكثير من المؤرخين اليهود ،إلى نفي هذه التهمة عن المرحوم أمين الحسيني.
وتجاهل المؤرخ الجديد الأمير بندر بن سلطان أن إسرائيل ،وفي وقت مبكر، بدأت التحضير لعدوان عام 1967 على الدول والشعوب العربية، وقد أشارت مختلف المصادر والأراشيف الإسرائيلية حول تلك الرغبات، نظرا للخطر الذي مثلته مصر جمال عبد الناصر على المشروع الصهيوني.
وأشار الأمير بندر إلى الجهود القاضية بدخول منظمة التحرير الفلسطينية إلى مسيرة السلام خاصة بعد حرب تشرين أول عام 1973، حين اتفقت الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الاسرائيلي على وضع الشروط (اللاءات أسوة باللاءات العربية الثلاث التي يتقاتل العرب اليوم على مسح ذاكرتها) الأميركية على منظمة التحرير الفلسطينية، التي تقول لا تفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية إلى بموافقتها على :”نبذ الارهاب وأن 242 هو مرجعية عملية السلام وأن المفاوضات هي طريق لحل الصراع”. وهي الشروط التي اضطرت منظمة التحرير الى الاعتراف بها بعد الانتفاضة الاولى مقابل المفاوضات مع الأميركان بعد أن تخلى عنها العرب خاصة بعد الخروج من بيروت، الذين سرعان ما تخلوا عن هذه المفاوضات بذريعة مقتل سائح أميركي من أصل يهود على السفينة أكيلي لاورو. وهنا نسجل أنه، ورغم النفوذ الكبير للمملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة إلا أنها لم تنجح في أي مسعى لتعديل هذه الشروط وكل ما بحثت عنه هو اقناع الفلسطينيين بالموافقة عليها وليس تعديل أو تحسين شروط الحل مع الفلسطينيين.
سيدي الأمير، بخصوص المفاوضات في كامب ديفيد فقد دفع الفلسطينيين غصبا عنهم وبواسطة ضغوط أميركية وإسرائيلية ولا ندري إن كانت شاركت في هذه الضغوط أم لا، لكن الفلسطينيين اشترطوا عدم تحميلهم أية مسئولية عن فشل هذه المفاوضات، وما حدث العكس فقد صرح الرئيس الأميركي بيل كلينتون أن الفلسطينيين وحدهم هم من يتحمل فشل هذه المفاوضات، مع العلم أن إيهود براك رفض خلال فترة المؤتمر الجلوس ولو لمرة واحدة من أجل التفاوض مع المرحوم ياسر عرفات سوى في عشاء مشترك، لم يعر فيه أي اهتمام بالرئيس الفلسطيني، وعندما سئل عن سبب ذلك قال للسائل أن حضور تشيلسي ابنة الرئيس طغى على جميع الحضور.
كما كتب مستشار الرئيس الأميريكي بيل كلينتون أهارون ميلر مقالا بعد عدة أيام من فشل مفاوضات كامب ديفيد يشير فيه بوضوح إلى دور إيهود براك في إفشال الحل والمفاوضات التي جرت في منتجع كامب ديفيد.
وحتى المشروع الذي قدمه كلينتون والذي وصفه الامير بأنه لم يقدم من قبل أية جهة أميركية، فقد وافقت الإدارة نفسها على إدخال تعديلات عليه، لكن براك أبلغ المفاوضين الإسرائيليين أنه غير معني بالتوصل إلى أي اتفاق مع الفلسطينيين وأنه يريد إضاعة الوقت ليس أكثر.
سيدي الأمير، تشير الحوارات التي جرت بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود اولمرط مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى تقديم تنازلات أكثر مما قدم في كامب ديفيد أو في مباحثات طابا التي جرت بناءا على الوثيقة الأميركية التي تهلل لها، لكن المبعوثين الإسرائيليين المكونين من وزير الدفاع حينها ايهود براك ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليبني أبلغا الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن أولمرط لم يعد يمثل الدولة التي يقف على رأسها، علما أن أولمرط نفسه رفض تسليم خارطة الحل للرئيس الفلسطيني قبل أن يوافق عليها الرئيس الفلسطيني ما دفعه إلى رسمها بخط يده.
سيدي الأمير، اتابع الشئون الإسرائيلية ،ومن خلالها المواقف الأميركية، منذ أكثر من 35 عام، حيث أجد سهولة كبيرة في البحث عن الرغبات بالحرب والعدوان في المجتمع الإسرائيلي وقياداته المختلفة، في حين أجد صعوبة بالغة وربما معدومة في الحديث عن السلام، لأنه يا سيدي الأمير تعيش إسرائيل ،كما تقول، دولة ديمقراطية وحيدة في الغابة، وفق الرواية الصهيونية، العربية التي انت احد سكانها.
أخيرا سيدي الأمير، أود أن أبلغك أننا فعلا أخطأنا لأننا اعتقدنا لفترة معينة أن بالامكان التوصل لحل مع دولة المحتل بدعم من الولايات المتحدة ومن خلفها بعض الدول العربية التي نعتبرها حليفة لنا مثل دول الخليج العربية وجمهورية مصر العربية، ولم نستمع لكتاب ومفكرين كبار مثل إدوارد سعيد ومحمد حسنين هيكل والشيخ محمد حسين فضل الله الذين قالوا لنا في كل المحافل أنكم ستحصلون على الوهم بدلا من السلام.
سيدي الأمير لا بد من الاعتراف أن القيادة الفلسطينية أخطأت عندما استمعت لكم ولغيركم ممن يدعون بالواقعية في التعامل مع الأمور، وأنكم سوف تساعدون الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوق الحد الأدنى من فلسطين التاريخية، أي إقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران عام 1967 بمجرد توقيعكم على الاعتراف بقرار 242 .
سيدي الأمير من حق دول الخليج أن تبحث مصالحها ومواجهة التهديدات التي تواجهها، التي نشك بأنها تهديدات حقيقية، ونحن بالتأكيد سنكون معكم في مواجهتها إن حصلت، لكن لا يتم ذلك من خلال انشاء تحالف عربي-إسرائيلي جديد في منطقة الشرق الاوسط (الناتو العربي) بقيادة دولة الاحتلال الإسرائيلي، يكون ثمنه إعطاء الحرية لدولة الاحتلال بالتنكيل بالشعب الفلسطيني، واعتبار القضية الفلسطينية شأن إسرائيلي داخلي كما هو موقف الولايات المتحدة التي قال رئيسها أنه طلب من حلفائه في الشرق الأوسط وقف دفع الأموال للفلسطيين حتى نوافق على صفقة القرن.
إجمالا يمكن القول سيدي الأمير، أن اتفاقيات التطبيع ،خاصة مع نظام محمد بن زايد مع دولة الاحتلال التي لن تقدم لا له ولا لكم شيئا، والتي خرجتم تدلفعون عنها بدأت بتمول تحسين المعابر ليكون شكل سجن الضفة الغربية أفضل حالا من سجن قطاع غزة نظرا لتحالف القطاع مع إيران ومع تركيا، لأنه من غير اللائق زيارة شيخ كبير كمحمد بن زايد لدولة الاحتلال في المستبقل وينظر من طائرته ولا يرى سجون جميلة ومرتبة ومنظمة يعيش فيها اخوته الفلسطينيين، التي صنعها لهم ابن عمه بنيامين نتنياهو، رغم أن صديقه البرهان ،حاكم السودان الجديد، لا يكترث لمثل هذا المنظر ،لأنه لا يعيش في دولة فيها وزارة للسعادة، فهو صاحب سجل طويل في قتل أهلنا في دارفور وفي قصف قوافل الأسلحة المرسلة لحماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، محولا حياة الجميع إلى تعاسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى