أقلام وأراء

علاء الدين أبو زينة  يكتب ما “حق إسرائيل في الوجود”..؟!

 علاء الدين أبو زينة   *- 3/6/2021

سوف تسمع دائما عبارة “لإسرائيل الحق في الوجود” كشيء بديهي. ولم يعد هذا الرأي يقتصر على الكيان وأنصاره والمحايدين أو المؤسسات الدولية معروفة الولاء، وإنما رددته الدول العربية، وفلسطينيو أوسلو الذين اعترفوا بـ”حق” هذه “الدولة” في الوجود. وينبغي أن يكون هذا الرأي مستنداً إلى شيء غير “حكم الأمر الواقع”، لأن هذا السند يتجاهل بطبيعته أي اعتراضات أخلاقية، أو قانونية عادلة، أو تاريخية أو إنسانية، ويرادف القهر والاستسلام والجور على الحق.

يستند “حق إسرائيل في الوجود” –باستثناء “الأمر الواقع”- إلى شيئين: الحق الإلهي، باعتبار أن الله أعطى هذه الأرض لليهود حصرا بصك تمليك عقاري؛ و/أو أن اليهود عانوا من ظلم تاريخي، في أوروبا خصوصا، انتهى بـ”الهولوكوست” النازي. وتتصل بالحجة الأولى رواية لاهوتية توراتية، تقول إن اليهود قدموا (مع رسم خط تحت “قدموا”) إلى فلسطين قبل نحو ثلاثة آلاف سنة، وغزوها وتقاتلوا مع سكانها وسيطروا على جزء منها وأقاموا دولة لبعض الوقت.

يمكن بالتأكيد تفكيك كل واحد من هذه الأسانيد عندما يتعلق الأمر بفلسطين. أولاً، إذا كان هناك شيء مثل هذا “الحق الإلهي” الذي يفوض أحدا بممارسة الاحتلال والتطهير العرقي والاضطهاد، فعلى الدنيا السلام. كان هذا الاعتقاد المصنوع بالصلاح الذاتي والولاية الإلهية دائما عذرا لتبرير كل شيء، من “مهمة الرجل الأبيض” إلى الحروب الصليبية إلى قطع الرؤوس في الشرق الأوسط. وإذا كانت أوروبا قد اضطهدت اليهود، فليس هناك أي تبرير أخلاقي لتعويضهم باضطهاد الشعب الفلسطيني وانتزاع أرضه وتشريده وإلغائه لتصحيح خطأ أحد آخر. وإذا كان اليهود قد غزوا فلسطين وأقاموا دولة ما (مع آخرين) قبل آلاف السنين، فقد كان فيها ناس قبلهم ومعهم وبعدهم، ولا يعطي وجود يهود (بالتأكيد ليس اليهود المعاصرين) في فلسطين لهم الحق في أن يكونوا أصحابها الحصريين الذين “يستعيدونها” بتطهير الذين واصلوا العيش فيها كل هذه الآلاف من السنين عرقيا –هذا إذا كان يمكن أخذ النصوص اللهوتية كوثائق تاريخية من الأساس.

“لإسرائيل الحق في الوجود” تعني “ليس لفلسطين الحق في الوجود”، لإن مشروع “إسرائيل”، بطبيعته وفكره ووسائله، هو مشروع إحلالي-إلغائي، قوامه الاستعمار الاستيطاني الذي يحتاج الأرض من دون أصحابها. وحتى مع القسمة الأخيرة التي أصبحت مقبولة للأرض، فإن فلسطين الممكنة، التي يعمل الكيان كل لحظة على استحالة تحققها، هي أقل من رُبع فلسطين التاريخية. وسيعني حتى تحقق هذا التصور أن أصحاب 80 في المائة من فلسطين لن يكون لهم الحق في الوجود كفلسطينيين في وطنهم –ولا حتى كفلسطينيين مجردين من هويتهم ومواطنين من الدرجة الثانية في نظام فصل عنصري.

“حق إسرائيل في الوجود” يعني حق يهود العالم الذين ليسوا فلسطينيين –ولا حتى عربا- في التجمع في أرض غيرهم لتكون لليهود حصريا. وهو يعني القول للفلسطينيين: “اسمعوا. لإسرائيل الحق في الوجود في هذه الأرض التي لم تعد لكم. لا تسألوا لماذا ولا يهمنا رأيكم. هكذا حدث وأعلى ما في خيلكم اركبوه. بصراحة، تدبروا أمر عيشكم في مكان ما في العالم، هذه مشكلتكم وليست مشكلتنا”.

بذلك، أصبح نضال الفلسطينيين التحرري المشروع يعني “الاعتداء على بلد يدافع عن نفسه وحقه”. ويوصى بتصنيف أعمال المقاومة المسلحة –مع الفارق الهائل في القوة والتأثير- على أنها جرائم حرب أو عمل عصابات إرهابية أو أيديولوجية، ولا ينظر أبدا إلى إرهاب الكيان وتكوينه الأيديولوجي المتشدد.

بطبيعة الحال، لليهود الحق في الوجود، مثل كل إنسان في العالم. لكن هذا يختلف عن وجود “إسرائيل” -بتعريفها لنفسها وسياساتها وغاياتها. إن حقها في الوجود يعني إلغاء وجود الفلسطينيين، وشرعنة تحقيق هذا الغرب بالاغتصاب ونزع الملكية والترحيل والتطهير العرقي والقتل والسجن، بمساعدة قوى تساويها في النشأة والتفكير واللاأخلاقية.

حسب منطق الأمور الذي يحدد هو نفسه “حق إسرائيل في الوجود”، سينتهي هذا “الحق” بمجرد نشوء قوة قادرة على إلغاء هذا الوجود. وحتى ذلك الحين، سيكون الاعتراف بهذا “الحق” اعترافا بحق أي قوة في اختيار تأسيس نفسها على أساس الاغتصاب والتطهير العرقي والاضطهاد العنصري، ولتذهب الشعوب الضعيفة وحقها إلى الجحيم. وكما يقول الفلسطينيين: إذا كنت تعتقد أن “لإسرائيل الحق في الوجود”، فاعطها بلدك لتوجد فيها، ولا تتبرع ببلدي وتلغيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى