أقلام وأراء

علاء الدين أبو زينة  يكتب لماذا استهدف العدو أبراج غزة..؟

علاء الدين أبو زينة 10/6/2021

كان العنصر الظاهر في “دفاع إسرائيل عن نفسها”، كما عرَّفه نتنياهو وبايدن وآخرون، هو استهداف المباني السكنية الكبيرة والمرتفعة في غزة. ولا نعرف عن مدى الأضرار التي ألحقها العدو بالبنية العسكرية لحماس وبقية الفصائل، لكن إعلام العدو زعم أن واحداً من الأبراج التي سُويت بالأرض كان فيه مكتب لأحد الفصائل، وربما تكون في أخريات شقق سكنية لأحد من القادة.

حسب ما عرفناه عن التقنية المتقدمة لدى جيش الاحتلال، فإن بإمكانهم استهداف شقة بعينها، وربما غرفة في الشقة، وسيارة بعينها في الشارع. لكن المخططين الصهاينة أرادوا بالتأكيد تحقيق غايات مادية ورمزية من استهداف أعلى المباني وأكثرها شققاً في القطاع الفلسطيني.

أولاً، تُعتبر الأبراج العالية مظهراً من مظاهر التطور. وتحرص المدن التي تريد عرض تقدمها المادي على بناء أعلى مبانٍ ممكنة كعلامة حضارية. وليست في غزة بالتأكيد أبراج بعشرات ومئات الطوابق، لكن مبانيها المرتفعة عما حولها تعبر عن إصرار القطاع على البناء التقدمي والحضري برغم ظروفه. ولذلك، سيترك قصف الأبراج فراغاً في المشهد البصري يصنع شعوراً بالخسارة والفقد: الذي بنيناه وأعليناه تهاوى في لحظة وعدنا إلى مستوى أدنى. ويتذكر العالَم رمزية الفراغ الذي تركه هدم برجي التجارة في نيويورك وكيف نال هدمهما من روح المدينة والبلد.

ثانياً، سوف يعني هدم عدد من الأبراج حرمان عشرات، أو مئات العائلات من منازلها دفعة واحدة. ويختلف ذلك عن هدم بيوت فردية وشقق معينة من حيث عدد المتضررين. وسيكون “تعب العمر” الذي وضعته العائلات الكثيرة في شققها قد ضاع، مما يضاعف حجم الخسارة المادية والمعنوية –وربما يؤلب أكبر عدد ممكن من الناس على فصائل المقاومة في غزة – وربما اليأس من فكرة المقاومة نفسها.

ثالثاً، يقول شاب من غزة في فيديو أن هذه الأبراج تحتوي على معظم مكاتب الأعمال الصغيرة، والمطاعم ومرافق الترفيه بحيث تشكل متنفساً لشباب المنطقة المكتظة الخالية من الفضاءات المفتوحة الكافية للترفيه. وكل هذه أشياء سيفتقدها الشباب بتدمير الأبراج، بالإضافة إلى تدمير كل الأعمال التي جاهد الناس لبدئها في تلك الأماكن.

رابعاً، لما كان من الصعب عرض أي أضرار ربما تكون قد لحقت بالقواعد ومنصات إطلاق الصواريخ وأي أشياء تخص الجانب العسكري للمقاومة في القطاع على الشاشات، فإن تدمير أكبر وأعلى البنايات أمام الكاميرات سيؤكد عِظم القدرة العسكرية للكيان والقدرة التدميرية الهائلة لأسلحته. ويُفترض أن يخدم التدمير الهائل فكرة الرعب والردع والتذكير بقوة الكيان وفداحة ثمن الاشتباك معه. وبطبيعة الحال، لا يهتم الكيان بالمسألة الأخلاقية المتعلقة على القتل الجماعي للمدنيين والبنية المدنية، ولا يخاف من التبعات القانونية الدولية بسبب حماية الولايات المتحدة.

خامساً، لا بُد أن يوقع هدم الأبراج، بسبب عدد سكانها ومستخدميها، أعداداً كبيرة من القتلى والمصابين. ولم يخفِ الكيان في أي يوم ازدراءه لحياة الفلسطينيين ورغبته في إبادة أكبر عدد ممكن منهم، ما دام ينجو من التبعات. وسيخدم إلحاق خسائر بشرية مدنية غير متناسبة بالفلسطينيين أكثر من غرض، منها إيقاع أقصى قدر ممكن من الألم والخسارة بقصد التيئيس من المقاومة، وإنقاص أعداد الفلسطينيين بأي طريقة. وقد سمعنا الذين يحثون الفلسطينيين على نبذ المقاومة على أساس الفرق الهائل في الخسائر في الأرواح في كل اشتباك.

سادساً، هناك السبب الذي ذكره أحد طياري للعدو، الذي قال إن الطيارين استهدفوا الأبراج للتنفيس عن إحباطهم من الفشل المتصور في إلحاق الضرر المطلوب بالبنية العسكرية للفصائل الفلسطينية وإسكات مصادر النيران. لذلك، يضرب العدو خبط عشواء لإلحاق أكبر ضرر مادي وبشري ونفسي ممكن حتى يشعر جنوده بأنهم أضروا بالفلسطينيين بطريقة تمكن معاينتها. ومن المؤكد أن الطيارين لم يتصرفوا في هذا الجانب من تلقاء أنفسهم، وإنما عملوا ضمن مخطط القادة العسكريين والأمنيين الذين يحددون الأهداف ويقدرون الغرض من استهدافها –ومنه تنفيس إحباط طياريهم ورفع معنويات جنودهم بحجم التدمير.

سوف يتطلب هدم أكبر المباني “إعادة إعمار” مكلفة وشاقة، على أمل تأخير مسيرة الكفاح الفلسطيني نحو الحياة والتقدم والتحرر. وكان قصف الأبراج استهدافاً لأعلى ما في الروح المعنوية والبنية المادية للغزيين وكل الفلسطينيين. وكان منسجماً مع الطبيعة الإجرامية المعروفة للكيان، وتأكيداً إضافياً على لا أخلاقية قوى العالم التي تشاهد وتصمت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى