علاء الدين أبو زينة يكتب – بومبيو أوضح الواضح.. فقط..!
علاء الدين أبو زينة 23/11/2019
يتعامل العرب مع الكيان الصهيوني بمنطق من قبيل: “أيُّها المحتل.. أنتَ تحتل الأرض، تملك الأرض، ولكن لا تعلِن أنك ستضمُّها”! وينطلِق هذا الموقف، أولاً من تسليم مُعلَن بشرعية الاحتلال في الجزء الأكبر من فلسطين، “فلسطين 1948″، واعتبار فلسطين 1967 فقط أراض محتلة؛ وثانيا، من اللعب على التعريفات، مثل اعتبار السيطرة المطلقة على البشر والحجر في الضفة الغربية ليس “ضمّا” إلى “دولة إسرائيل”، مع أن الكيان احتل الضفة والقطاع في 67 لـ”يضمها” إلى فلسطين التي احتلها سابقاً.
لن يمتنع عدوّ منتصر احتل أرضا عن التصرف بها كيفما شاء، ما لَم تُستعاد أو يواجه ما يجعله يفكّر. وما عدا ذلك تفاصيل. على صعيد الحرب الكلامية، يستند موقف انتقاد المستعمرات (المستوطنات) في القانون الدولي إلى مخالفتها للمادة 49 من معاهدة جنيف الرابعة، التي تقول أنه “لا يجوز لدولة الاحتلال أن تُرحّل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”. وغنيّ عن البيان أن هذا الوضع يعترف أولا بـ”إسرائيل” كدولة طبيعة جدا تحتل أرضا. ومن الغريب بما يكفي أن نصل إلى هنا بينما ما يزال الجيل الذي ولد وعاش في فلسطين حيا.
كان الذي فاقم هذا الوضع غير الطبيعي، هو اتفاقات أوسلو وإفرازاتها. فقد زعمت نواتج هذه الاتفاقيات، شكلياً، أن الضفة الغربية (بعيداً عن الوضع غير الطبيعي لغزة)، هي كيان فلسطيني “مستقل” نوعاً ما. إن له “رئيس دولة”، ووزارات ومؤسسات وماليّات وقوات أمن… إلخ. وبذلك، أصبح بإمكان الكيان ادعاء تغيّر في وضع الضفة الغربية، من “أراضٍ محتلة” تنطبق عليها مادة معاهدة جنيف، إلى “أراض متنازع عليها”، ليست مشمولة في نص المعاهدة. ومن المفارقات أن فترة أوسلو شهدت ذروة النشاط الاستيطاني، أي نقل “السكان المدنيين” لكيان الاحتلال إلى الضفة المحتلة، لتعدِم يومياً أي إمكانية واقعية لإقامة الدولة التي وعدت بها الاتفاقات.
هناك قيمة للتوصيفات الواردة في القرارات الدولية الخاصة بفلسطين. نعم. لكنّ هذه القيمة تساوي الصفر عملياً لسببين: أولاً، أنها لا بلا آليات للإنفاذ، سواء بإجبار المحتل على الانسحاب، أو منعه من “نقل المدنيين” من سكانه إلى الأراضي المحتلة؛ ثانياً، لأنّ هناك أميركا، التي تزدري القانون الدولي، والتي تستطيع تشكيل الواقع على الأرض بإنفاذ قراراتها الخاصة وفرض توصيفاتها الخاصة، وتعطيل أي صلاحية عملية للقرارات الدولية.
يقول آرون ديفيد ميلر، مفاوض السلام السابق في الشرق الأوسط، أن الإدارات الأميركية مكَّنت “الواقع على الأرض” في الضفة. وقال: “منذ صيغة ريغان الغريبة، تجنبنا عن عمد، وبملء الإرادة، اتخاذ موقف بشأن ما إذا كان النشاط الاستيطاني قانونيا أو غير قانوني. على مدى السنوات الـ25 الماضية، تواطأنا في مشروع الاستيطان وفشلنا في فرض أي تكاليف” على الإسرائيليين بسبب المستوطنات.
مرة أخرى، لم يفعل الاستنكار والشجب –ولاحتى القرارات الدولية- شيئاً أمام العمل الواقعي على الأرض. إذا أردتَ أن تغيّر على الأرض، فتفضَّل غيّر بعضلاتك، وليس بتدوير لسانك. مثل ذلك فقط سينزع القيمة من تصريحات بومبيو حول المستوطنات أو أي أوصاف يحب أن يطلقها على أيّ شيء، مثلما ينزع هو ودولته القيمة عن القرارات الدولية. وفي النهاية، لا يفترق موقف بومبيو عن موقف بلده التاريخي. كانت أدبيات المستوطنين الأوروبيين الأوائل في أميركا تستخدم كلمة مستعمرات colonies لوصف تجمعاتهم في وطن السكان الأصليين. وكانت السياسة الأميركية الوحيدة الثابتة تجاه فلسطين هي تمكين الاحتلال فيها كلها، بتغطيته وتزويده بأدواته العدوانية كلها. ولم يفعل ترامب سوى تأكيد الواضح الذي يجري التعامي عنه فقط.
ربما آن الأوان لتجريد الاحتلال من ميزة “الاحتلال خمس نجوم” الذي أتاحته أوسلو كغطاء للاستيطان مع استمرار سيطرة الاحتلال فعلياً مع التظاهر بأن الفلسطينيين يسيطرون. وسوف يتغير التوصيف الأميركي والفعل الأميركي لفلسطين فقط عندما يكون العرب قوّة يحسب لها صانع القرار الأميركي حساباً في المفاضلة بين العرب والكيان لخدمة مصالحه الداخلية والخارجية. وإلى أن يحدث ذلك، إذا حدث، فليتوقف الفلسطينيون عن الخلافات والفصائليات البغيضة التي تضيق الغايات على حساب الهدف الوطني الواضح. وفي الغضون، سوف يذهب الشجبُ جفاء، إلى أن يأتي ما ينفع الناس.