علاء الدين أبو زينة يكتب – أي تضامُن مع الشعب الفلسطيني..؟!
علاء الدين أبو زينة *- 2/12/2018
ما لَم يصادف المرء خبراً هامشياً هنا أو هناك، أو يكن معنياً مباشرة بأنشطة الأمم المتحدة، فإنه سيلاحظ بالكاد مناسبة “يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني” التي مرت الخميس. ومع أن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى التضامن من كل مكان، فإن احتفال الأمم المتحدة بالذات بالتضامن مع الشعب الفلسطيني ينطوي على مفارقة صفيقة. فقد وضعت تاريخ هذا اليوم ليتفق مع الذكرى السنوية لقرار “خطة التقسيم” قبل 71 عاماً، الذي كان مقدمة رئيسية لنكبة الشعب الفلسطيني المستمرة حتى اليوم.
في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، أصدرت الجمعية العامة القرار 181. ونص ذلك القرار على منح اليهود -ومعظمهم من المهاجرين حديثاً، والذين لم تتجاوز نسبتهم في ذلك الحين 33 % من السكان، ويملكون أقل من 7 % من الأرض- دولة على 57 في المائة من البلد. ومنح أهل البلد أقل من نصف مساحة وطنهم التاريخي، مع انتزاع القدس التي هي جزء لا يتجزأ من فلسطين، وجعلها كياناً مستقلاً.
يقول موقع الأمم المتحدة عن قرار التقسيم: “كان هذا القرار من أول محاولات الأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية”. وتتعامى الهيئة عن غياب العدالة المطلق عن هذا “الحل” الذي اختير على حساب اقتراح بمنح الفلسطينيين حق تقرير مصيرهم الوطني بعد إنهاء الانتداب البريطاني. ثم تتالت بعد ذلك القرارات الأممية التي اختزلت مساحة فلسطين العربية بلا توقف، فجاء القرار 242، الذي جعل فلسطين مجرد الأراضي التي احتُلت في العام 1967، والتي لا تتجاوز مساحتها 22.33 % فقط من فلسطين التاريخية، مع الاعتراف ضمناً بشرعية استئثار الكيان ببقية البلد.
حتى هذا القرار، والقرار 194 الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، ظلت حبراً على ورق. والسبب هو أن الأمم المتحدة لم تكن جادة في أي يوم حين يتعلق الأمر بالفلسطينيين. وعلى الرغم من أنها أقرت تدخلات عسكرية اعتبرتها إنسانية أو لرفع الظلم عن الشعوب، فإنها لم تفعل في فلسطين، حتى مع اعترافها بواقع الاحتلال في الضفة وغزة، ومعرفتها عن الجرائم التي يتعرض لها الفلسطينيون هناك على يد جيش احتلال وحشي.
على الرغم من النوايا الحسنة لدى معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تجاه الفلسطينيين، كما أظهرت نسب التصويت في الجمعية العامة أكثر من مرة، فإن الجميع يعرفون أن الأمم المتحدة ملكية خاصة للخمسة الدائمين في مجلس الأمن –وخاصة الولايات المتحدة. ولا يمكن تصور أن تتضامن هيئة تتحكم أميركا في قرارها مع الشعب الفلسطيني الذي تستهدفه هذه الدولة بقدر عجيب ومثابر من العداء. وقد تفرجت هذه الهيئة التي تدّعي رعاية العدالة في العالم على نكبة الشعب الفلسطيني وتشريده وتعرضه للقتل والإذلال اليومي ومصادرة ما تبقى من أرضه يومياً، على مدى عقود دون أن تفعل شيئاً عملياً واحداً.
يقول موقع الأمم المتحدة عن “التضامن” مع الفلسطينيين بالاحتفال بذكرى التقسيم: “وتُعقد أيضاً اجتماعات احتفالاً باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مكتبَي الأمم المتحدة في جنيف وفيينا. وتكون مراكز ودوائر الأمم المتحدة للإعلام في شتى أنحاء العالم على استعداد لمساعدة الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، وغير ذلك من الجهات الراغبة في تنظيم أنشطة خاصة فيما يتصل بالاحتفال، وذلك بتزويدها بما يلزم من معلومات ووثائق”. هذا كل شيء!
إذا كنا نتحدث عن الأمم المتحدة بما فيها من احتكار للقرار، فماذا عن “الجامعة العربية” التي تمثل مصالح العرب؟ لقد خذلت هذه الهيئة الفلسطينيين أيضاً –وخذلت نفسها قطعاً- سواء بالقبول باحتلال دولة عربية والكف عن أي محاولة لتحريرها، أو بالقبول بكيان الاحتلال وتطبيعه في المنطقة، فوق الطاولة ومن تحتها، وعرض الاعتراف له بثلاثة أرباع فلسطين مقابل أقل من الرُّبع الذي ما يزال يذيقه العذاب.
وهناك بعض الفلسطينيين الذين لا يتضامنون مع شعبهم، لا في يوم التضامن ولا في غيره. وتجسد القيادة الكارثية للنضال الفلسطيني، والانقسام المخجل بين القيادات، مطلق العمل ضد الذات. وبعمل هذه الجهات، انقسم الصف وخابت الاجتهادات والمساعي، وحُيد الفلسطينيون في المنافي وخسر الفلسطينيون في الوطن كل يوم منذ عقود. وبذلك اكتملت دائرة الخذلان الرسمي للشعب الفلسطيني على كل مستوى. ويأتي التضامن الوحيد الصادق من الشعوب العربية المغلوبة على أمرها، والناشطين العالميين المحبين للعدالة والسلام.