علاء الدين أبو زينة : رسالة الفلسطينيين الموقَّعة بالدم..!
بقلم: علاء الدين أبو زينة ١-٤-٢٠١٨م
مرّة أخرى، يبذل الفلسطينيون في الوطن المحتل أرواحهم لإيصال رسالة يرونها تستحق دفع هذه الكلفة: لا حلّ للمشكلة الفلسطينية من دون إتاحة ممارسة الحقّ في العودة إلى الديار. كما أظهر الردُّ الوحشي لكيان الاحتلال القاتل، وسقوط هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى من المتظاهرين السلميين في يوم واحد، نوع النظام الذي يقيم النظام العربي علاقات معه، ويرى مصلحة في التحالف معه وتطبيعه في المنطقة. وكشف أيضاً حجم النفاق الهائل في الخطاب السائد عالمياً وعربياً، الذي يحرك الجيوش ويدفع الأموال بذريعة قتل المتظاهرين السلميين، ثم لا يحرك ساكناً أمام كل هذا القتل في حق شعب أعزل انتزِعت منه أرضه وحريته وأرواح أبنائه، في تعارض مع كل مبدأ قانوني وأخلاقي.
الرسالة المعنونة “مسيرات العودة”، لتؤكِّد مركزية العودة في النضال الشعبي الفلسطيني، تريد أن تصل إلى كل الجهات التي تتصدّر العمل على “حل” المشكلة الفسطينية، وتحمل توقيع المعنيين الحقيقيين بالحل. وهي تريدُ أن تحتج وتسجل الموقف الرافض للاتجاه السائد، الذي يتجاهل أصل النكبة المكون من احتلال الأرض وتشريد أصحابها. وتضع بعض التقديرات اللاجئين الفلسطينيين الآن عند 6 إلى 7 ملايين. ومع ذلك، تتجنب كل الأطراف التي تتحدث عن الحل الحديث في مسألتهم بجدية ومسؤولية، وتسعى إلى تنويم الوعي العام بخصوص مأساتهم.
صناديق البريد التي يريد الفلسطينيون المصرُّون على حق العودة إيصال رسالتهم إليها، هي بريد دونالد ترامب وفريقه لتصفية القضية في واشنطن؛ وجامعة الدول العربية، المستعدة بوضوح للتنازل عن حق اللاجئين وتطبيع الكيان؛ ومكتب الرئاسة الفلسطينية في رام الله بتوجهاته المعروفة. والمرسِلون في أغلبهم فلسطينيون يعيشون على أرض الوطن المحتل، في الضفة وغزة، لكنهم مُهجرون في وطنهم. وهم يعلنون عند الحواجز وأمام قناصة الاحتلال أنهم من حيفا ويافا والجليل والطنطورة ومئات المدن والقرى الفلسطينية التي اغتُصبت العام 1948. وهم يحتفظون بمفاتيح بيوتهم هناك، ويتحدثون باسم مواطنيهم من ملايين اللاجئين خارج الوطن، الذين لا تُتيح لهم ظروفهم الاشتباك مع العدوّ مباشرة، لكنهم يطالبون بالحق نفسه وينطوون على الأشواق نفسها.
من اللافت ملاحظة أن هذه الرسالة لم تكُن في حاجة إلى كتابتها وتوقيعها بأي شيء بالنسبة للكثير من المنظمات والناشطين اليهود أنفسهم، في فلسطين المحتلة وخارجها، الذين يتحدثون عن أحقيّة العودة الفلسطينية وينتصرون له كأمر أساسي ومفروغ منه. وعلى سبيل المثال، يكتب الناشط توم بيساح: “بالنسبة لملايين الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، يشكل حق العودة قضية أساسية للغاية -بل أهم شرط مسبق لحل الصراع”. ويضيف: “وما يزال اللاجئون الفلسطينيون الذين يعيشون منذ عقود في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان أو الولايات المتحدة يحافظون على هذه الهوية المحلية، وبالتالي، لن تفي إعادة توطينهم في ضواحي رام الله بحقوقهم أو هويتهم حقاً. ولا يمكن أن يتوقع (الإسرائيليون) أن جوهر الهوية الوطنية لشعب نفي من أرضه قبل سبعين عاماً فقط سيتبخر فجأة من أجل تمهيد الطريق لمعاهدة سلام”.
ويقول الكاتب من الكيان، ريتشارد سيلفرشتاين: “النكبة، طرد ما يقرب من مليون فلسطيني من سكان إسرائيل (أو 80 % من سكانها في العام 1948) كان الخطيئة الإسرائيلية الأساسية. إنه عيب أخلاقي أساسي في الدولة. ويجب تصحيحه قبل أن يصبح من الممكن تطبيع الدولة وقبولها بالكامل على المسرح العالمي. وتطبيق حق العودة هو الطريقة الوحيدة للقيام بذلك”.
ينطلق هؤلاء الكتاب من المعسكر الآخر أحياناً من منطلقات إنسانية وأخلاقية ومنطقية يرونها واضحة لا تقبل الجدل، وينطلقون أحياناً من منطلقات براغماتية وعملية. وتتفق كل هذه الاعتبارات على عدم إمكانية المساومة حول حق الفلسطينيين بالعيش على ترابهم الوطني التاريخي. ولذلك، من العيب أن يقبل أي محكَّم دولي، أو وصي عربي، أو ممثل لأصحاب القضية بمناقشة أي حل لا يضع مسألة عودة اللاجئين الفلسطينيين في المقدمة ويعترف بها أولاً.
الشهداء الذين ارتقوا بالأمس، والمتوقع ارتقاؤهم في الأيام المقبلة، والآلاف الذين سبقوهم في سبيل تأكيد حق العودة الفلسطيني، أرادوا أن يقولوا هذا، ويوقعوه حتى ولو بدمهم.