حمادة فراعنة: عقد المجلس الوطني الفلسطيني – الحلقة الثالثة –
بقلم : حمادة فراعنة ٢٥-٣-٢٠١٨م
ليست حركة حماس مجرد فصيل يُضاف إلى سلسلة الفصائل الفلسطينية وهي ليست كما العديد منهم ، لا حول لها ولا قوة ، وكأن مشاركتها السياسية والتنظيمية في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية مجرد مشاركة إجرائية ، فهناك العديد من الفصائل تحولت إلى عبء مالي على المؤسسة التمثيلية الفلسطينية وإستنزافٍ لا مبرر له ، وإلى شكل متعب من الحضور ، بلا قيمة مضافة لا سياسياً ولا تنظيمياً ، كفاحياً وجماهيرياً ، وهي مجرد صدى لسياسات حركة فتح لا تستطيع تجاوز موقف ورغبات مؤسسة الرئاسة ، بينما حركة حماس تقدمت الصفوف لتشكل قيمة سياسية وتنظيمية مضافة ، أضافت قوة وحضوراً ، إيجاباً وسلباً في نفس الوقت على الحركة السياسية والجماهيرية الفلسطينية ، ولو أدركت حركة حماس ، قبل سلسلة الهزائم التي منيت مرجعيتها الفكرية والسياسية والتنظيمية حركة الإخوان المسلمين أكبر فصيل حزبي عابر للحدود في العالم العربي ، وتحاشت لأن تكون صدى لسياسات الإخوان المسلمين وتنفيذاً لتطلعاتهم ، لكان الوضع الفلسطيني في وضع يمكن أن يكون على أبواب الحرية والإستقلال ، ولكن التطرف اللفظي والعملي الذي وقعت فيه حركة حماس ، إنعكاساً لتطرف حركة الإخوان المسلمين وضيق أفقها السياسي ، رغم تحالفاتها الإنتهازية ، مع النظام الخليجي ، ومع السادات وجعفر نميري ، ومع الحكومات الأردنية المتعاقبة ، وتفاهماتها المتواصلة مع الولايات المتحدة الأميركية خدمة لبرامج واشنطن العدوانية الشريرة ضد الشيوعية والإشتراكية والإتحاد السوفيتي طوال فترة الحرب الباردة ، وضد عبد الناصر وصدام حسين وحافظ الأسد واليمن الجنوبي ومنظمة التحرير الفلسطينية ، لولا تلك السياسة ، التي دفعت حماس وشكلت لها الخلفية للقيام بالإنقلاب الدموي ضد الشرعية ، وضد برنامجها الكفاحي وتقليصه ، وضد الوحدة الوطنية أمام العدو المتفوق ، وبسبب خياراتها هذه وضيق أفقها ، تراجعت ووقعت أسيرة خياراتها الإنقلابية الأحادية ، وأوقعت الشعب الفلسطيني برمته ، في حالة من التخلف والتراجع والإنحسار الذي يعاني منه ولايزال ، ولكن رغم ذلك ، رغم المرارة في النفس لدى قطاع واسع من الفلسطينيين ، وفي حصيلة الواقع والمعطيات ، ثمة عوامل فرضت نفسها ، يجب أخذها بالإعتبار في التقييم لمكانة حركة حماس ودورها :
أولاً : أثبتت حركة حماس أنها فصيل كفاحي وجه ضربات موجعة للعدو الإسرائيلي طوال الإنتفاضة الثانية ، دفعت خلالها خيرة قياداتها للإرتقاء والإستشهاد في أتون المواجهة مع العدو الوطني والقومي والديني ، لا يستطيع أي فصيل بما فيها حركة فتح المزاودة عليها ، أو الإدعاء بالتفوق على دورها ، كما ثبت إنحياز أغلبية أبناء مناطق الإحتلال الثانية لها في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة ، بالإنتخابات التشريعية يوم 25/1/2006 ، وحصولها على الأغلبية البرلمانية ونيلها على 74 مقعداً ، بينما حازت فتح على 45 مقعداً فقط ، إضافة إلى نجاحها وتفوقها الملموس بالإنتخابات البلدية ، بشكل بارز .
ثانياً : تشكل حركة حماس إمتداداً لحركة الإخوان المسلمين أكبر وأهم حركة سياسية جماهيرية عابرة للحدود في العالم العربي ، ولها إمتداد ملموس فاعل لدى جماهير البلدان الإسلامية والعديد من التجمعات الإسلامية في أوروبا وأميركا ، وبالتالي إن حضورها ومشاركتها وإنخراطها في صفوف منظمة التحرير ، تجعل من هذا الكم السياسي والجماهيري على المستويات العربية والإسلامية والدولية عبر حركة الإخوان المسلمين إضافة وقيمة ورافعة يحتاجها النضال الفلسطيني في المعركة الوطنية القومية الدينية الدولية الشاملة في مواجهة العدو الإسرائيلي المتفوق ، المسنود بالطوائف اليهودية المتنفذة ، وجبروت الولايات المتحدة الأميركية .
ثالثاً : لقد قدمت حركة حماس الإستحقاقات التنظيمية والسياسية والوطنية ، في التكيف مع المعطيات التي فرضت البرنامج الوطني المرحلي لمنظمة التحرير ، عبر وثيقتها السياسية المعلنة في الأول من أيار 2017 ، نحو برنامج الدولة الفلسطينية المستقلة ، والإقرار بالمكانة التمثيلية لمنظمة التحرير ، بإعتبارها الجبهة الوطنية الفلسطينية المتحدة ، والممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ، وتراجعها النسبي عن العديد من مظاهر الإنقلاب عبر الإستجابة للمبادرة المصرية ، وقبول شروط الرئيس محمود عباس ، والعمل على تطبيق ذلك ، وإن كان مازال قيد التعقيد والتلكؤ ، ولكن الإعاقة لا تكمن بتمسك بعض قيادات حماس بتراث الإنقلاب ومظاهره فقط ، بل لأن حركة فتح لم تمد لهم يد التعاون الفعلي لتشجيع خيارات القائد يحيى السنوار ورفاقه الذين إختاروا طريق التراجع عن الإنقلاب برغبة ، أو مرغمين على ذلك ، وإنحيازهم لخيار الوحدة الوطنية برغبة منهم ، أو مرغمين عن ذلك .
لم تعد حركة فتح ومن معها من تنظيمات الإضافة الكمية ، بإستثناء الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة ، قادرة وحدها على الإدعاء أنها مازالت أول الرصاص وأول الحجارة ، فقد برز معها شريك لا مجال للتخلص منه ، أو القفز عن دوره ، وضرورة مشاركته في مؤسسات صنع القرار الفلسطيني بدءاً من المجلس الوطني مروراً بالمجلس المركزي وليس إنتهاءاً باللجنة التنفيذية ، بل وعبر سلطتها الوطنية والمجلس التشريعي المعطل بقرار رئاسي تعسفي غير مبرر ، وأن يكون لها دور مُؤثر ومُقرر في سياسات وتطبيقات حكومة الوفاق الأحادية ، وعقد المجلس الوطني بإعتباره المؤسسة المرجعية الأولى الذي يضم مكونات الشعب العربي الفلسطيني ، من الداخل ومن المنفى ، لا يجوز عقده بغياب حركة حماس ومعها حركة الجهاد ، لأن ذلك يُخل بمعادلة الشرعية السياسية وبالنصاب السياسي المطلوب ، وبالضرورة الكمية لمواجهة العدو الإسرائيلي المتفوق .
شرعية منظمة التحرير ومؤسساتها لم تصمد في معارك المواجهة ضد العدو الوطني ومشروعه الإستعماري التوسعي الإسرائيلي، وفي معارك الخصومة مع قوى محلية أو قومية بسبب إمتلاكها للنصاب القانوني والحفاظ عليه، على الرغم من أهميته الإجرائية ، ولكن صمودها وإستمراريتها يعود إلى إمتلاكها للتنوع السياسي والتنظيمي والكفاحي، وضمها لمكونات الشعب العربي الفلسطيني السياسية والفكرية والإجتماعية والإقتصادية، بإعتبارها الجبهة الوطنية المتحدة ، المعبرة عن واقع الفلسطينيين وتطلعاتهم، والمتمسكة بحقوقهم والنضال من أجل إستعادتها ، فالنصاب السياسي هو العنصر المكمل للنصاب القانوني وكلاهما وتكاملهما معاً، عنوان الشرعية وأداتها ، ولذلك الإقدام على أي خطوة تمس بواحدة منهما مساس بالأخرى، ومن هنا أهمية مشاركة وإحتضان حركة حماس ومعها الجهاد ، إضافة إلى الشعبية والديمقراطية، وبهم ومن خلالهم يكمن معيار الحكم على مدى شرعية ونجاح إنعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته المقبلة.