شؤون إسرائيلية

عصمت منصور يكتب – آخر أسلحة نتنياهو الانتخابية : تسييس اللقاح بعد تسييس كورونا!

عصمت منصور *- 18/1/2021

بعد سقوط اقتراح إقرار الموازنة وإقرار الذهاب إلى انتخابات إسرائيلية رابعة، وعلى أثر انشقاق عضو الكنيست جدعون ساعر عن الليكود وترؤسه لحزب جديد بهدف الإطاحة بنتنياهو، وهو ما ينذر باشتداد المنافسة وحصرها بين أحزاب اليمين واليمين المتطرف بعد تشتت أحزاب الوسط، يجد نتنياهو أن فرصته الوحيدة في الفوز في الانتخابات تكمن في التخلص من العامل رقم واحد الذي حرف جدول أعمالها عن القضايا السياسية والاتفاقيات المهمة التي وقعها مع دول خليجية وعربية، ألا وهو الكورونا.

وصفت نتنياهو صحيفة “معاريف” بأنه الشخص “الذي جند الكورونا من أجل مصالحه الشخصية” فقد نجح في الوصول إلى اتفاق مع بيني غانتس وشق “أزرق أبيض” تحت شعار حالة الطوارئ ومحاربة كورونا، وهو الآن ومن خلال علاقاته مع زعماء العالم وبراعته الدبلوماسية استطاع أن يحول إسرائيل إلى الدولة رقم واحد في الحصول على اللقاح المضاد للفيروس، وأن يجند ماكينة الدولة الضخمة ومنظومتها بكامل طاقتها في سباق مع الزمن من أجل إنجاز عملية التطعيم قبل موعد الانتخابات وتسجيل نقطة أخرى في رصيده الانتخابي.

عامل التهويل وتخويف الجمهور الذي مارسه نتنياهو في بداية الجائحة من أجل الضغط على غانتس لجذبه إلى ائتلافه وشق “أزرق أبيض”، عاد ليمارسه وفق صحيفة “هآرتس” من خلال الإغلاقات السريعة والطويلة بذريعة النسخة البريطانية المعدلة من الفيروس “لخدمة أهدافه الانتخابية في التوقيت الذي يخدم هذه المصالح”.

اختار نتنياهو، بدهائه المعروف، أن يجند حملة التطعيم ضد كورونا كجزء من حملته الانتخابية، حيث دمج بينها وبين احتضانه للجماهير العربية في الداخل، عندما وقف في أم الفحم مع متلقي التطعيم رقم مليون، لتكون هذه بداية حملة منظمة ضد القائمة المشتركة وبهدف سحب مزيد من الأصوات منها في المجتمع العربي الذي نزع عنه الشرعية، وخوّنه طوال الحملات الانتخابية السابقة عندما كانت المنافسة على أشدها بينه وبين تكتل “أزرق أبيض”، من أجل حشد وتجييش اليمين خلفه.

لا يريد نتنياهو لشيء أن يعكر صفو حملته الانتخابية المصيرية التي اختار لها عنوانا عريضا هو إنجازه الشخصي وغير المسبوق في سرعة إحضار اللقاح، لذا ليس من المستغرب أن يقف ابنه يائير والمعروف بأنه الناطق غير الرسمي لوالده والذي يقول ما لا يقوى نتنياهو على قوله بحكم منصبه الرسمي، ويشن هجوما عنيفا على القناة 12 التي وصفها بأنها “الجزيرة” لمجرد أنها قطعت خطاب والده “التاريخي” الذي أعلن فيه أن إسرائيل ستحصل حاجتها كاملة من اللقاحات حتى شهر آذار القادم، من أجل بث خطابات نفتالي بينيت ويائير لبيد وساعر في الساعة نفسها.
ولا شك في أن آلية التعامل إسرائيلياً مع اللقاح ومن قبله مع الفيروس في كل ما يتعلق بالفلسطينيين، يصلح لأن تكون فصلاً مكثفاً عن الطبيعة العنصرية في التعامل الإسرائيلي مع الفلسطينيين والتنصل من المسؤولية والاستخدام الداخلي الانتهازي.

اللقاح.. والاحتلال

في الوقت الذي أعلن السياسي الفلسطيني ورئيس الإغاثة الطبية الدكتور مصطفى البرغوثي عن إطلاق حملة “طب الأبارتهايد” والتي تهدف إلى جمع تواقيع من أطباء وعلماء ومناصري حقوق الإنسان في مختلف دول العالم، من أجل الضغط على إسرائيل للإيفاء بالتزاماتها التي يفرضها عليها القانون الدولي بتزويد أكثر من خمسة ملايين فلسطيني باللقاح المضاد لفيروس كورونا، كانت مذيعة إسرائيلية في القناة 12 تقول في برنامج إخباري صباحي بكل هدوء ودون أن يقاطعها أحد بأنها تفضل “إعطاء اللقاح للحيوانات قبل أن يتم تقديمه للأسرى الأمنيين الفلسطينيين” في سجون الاحتلال!

إن الهوة الهائلة بين الموقفين تلخص الجدل الذي يصاحب حملة تطعيم الإسرائيليين باللقاح، وهي حملة وصفتها الدكتور ياعيل رايخنبرغ، مديرة صندوق المرضى العام في منطقة بيتح تكفا، بأنها “الحملة الطبية الأضخم منذ إنشاء إسرائيل”.

أطلقت إسرائيل على الحملة اسما يوحي بالمشاركة والنفس التطوعي والروح الجماعية إلا أن وزير الأمن الداخلي أمير أوحانا ومن خلال التوجيهات التي أصدرها إلى مديرية مصلحة السجون بعدم إعطاء اللقاح للمساجين وتجاهل المعايير التي وضعتها وزارة الصحة، كشف عن حجم التسييس والمعايير اللا أخلاقية والعنصرية التي صاحبت الحملة وأصبحت الوجه الأبرز لها.

تصريحات أوحانا أثارت حتى استياء المستشار القانوني للحكومة، والذي صرح نائبه المحامي عميت هراري بأن على أوحانا أن يقوم “بتقديم اللقاح للأسرى دون إبطاء”.

رفض الوزير أن يستجيب لتوجيهات المستشار القانوني ونائبه، وبدل ذلك ألقى على القضية ظلا سياسيا يعكس الأزمة العميقة بين بنيامين نتنياهو وأقطاب حزب الليكود من جهة، وسلطات إنفاذ القانون والمنظومة القضائية من جهة أخرى، عندما اعتبر أن “تحديد الأولويات تقع ضمن اختصاص الجهات المنتخبة من الجمهور وليس الموظفين” ليغلف كل هذا الجدل ببرقع عنصري شعبوي فاقع عبر تغريدة على صفحته الخاصة على “تويتر” قال فيها إن “هناك من يعتبر أن تطعيم عبد الله البرغوثي المحكوم 67 مؤبدا، بسبب عمليات ضد إسرائيليين، ومجرمين متهمين بعمليات جنائية خطيرة، أولوية”.

تدخل الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، وعلى خلفية الجدل الذي أخذ بعدا إعلاميا كبيرا، وقام بإرسال رسالة إلى وزير الصحة شدد فيها على المعايير “الأخلاقية اليهودية والديمقراطية” التي يجب أن تحكم عملية التطعيم، وضرورة أن لا تشوبها شبهة التسييس، وأن السجناء (الذين لم يحدد هويتهم جنائيين أم أمنيين) لهم الحق في تلقي اللقاح أسوة ببقية السكان.

قرار أوحانا العنصري حول عدم تقديم اللقاح للسجناء والأسرى، أوصل القضية إلى قاعات أعلى الهيئات القضائية في اسرائيل وهي المحكمة العليا التي سبق لرئيسها الأسبق أهارون باراك أن حدد مبدأ تحوّل إلى ناظم للعلاقة بين الحقوق المدنية والاجتماعية الأساسية الممنوحة من الدولة، وما بين من يقبعون داخل السجون، عندما قال إن “جدران السجون لا يجب أن تحول بين الإنسان وحقوقه الأساسية”، وهو المبدأ البديهي الذي تسلحت به خمس منظمات حقوقية تقدمت بالتماس ضد قرار أوحانا كونها ترى في القرار إخلالا واضحا بمسؤولية الدولة عن كل فئات المجتمع بمن فيها السجناء والأسرى بغض النظر عن خلفيتهم وتهمهم وانتمائهم.

هذا الرأي الذي تمثله منظمات حقوق الإنسان والذي وإن كان يتقاطع (شكليا) مع رسالة الرئيس الإسرائيلي في تجاهل الخلفية التي أدت إلى دخول الشخص إلى السجن، رفضه المحامي إيلي حاي بن يشاي والذي نشر مقالا في صحيفة “يديعوت أحرونوت” أكثر وضوحا وتحديدا لهوية أي من السجناء لا يجب على إسرائيل أن تقدم اللقاح.

بن يشاي قال إن “من المحظور” على دولة إسرائيل تطعيم الأسرى الفلسطينيين الذين وصفهم بالـ “مخربين” وأنه ضد الرأي الذي حاول أن يبرر التطعيم على أنه يأتي من أجل “حماية الإسرائيليين من الوباء” معتبرا أن هناك حلولا أخرى ممكنة مثل “عزلهم ومنعهم من زياراتهم العائلية” وفي هذا وفق رأيه المنشور على إحدى أهم وأكبر الصحف في إسرائيل فائدة إضافية هي” إلحاق أكبر قدر من الضرر بالأسرى الذين ألحقوا الأذى بعائلات إسرائيلية”

المستوطنون نعم، الفلسطينيون لا

أفردت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عنوانا بارزا لما وصفته بالفضيحة التي تشهدها عمليات التلقيح في المستشفيات الإسرائيلية لكونها تقدم اللقاح للأطباء والطواقم الطبية والإدارية وتستثني عمال النظافة، بينما تم تجاهل التمييز الذي تمارسه إسرائيل بشكل متعمد ضد خمسة ملايين فلسطيني في الضفة وغزة والقدس ممن يخضعون للاحتلال العسكري المباشر ويندرجون تحت مسؤوليتها وفق القانون الدولي، رغم أنها تصنف عالميا على أنها واحدة من عشر دول تستحوذ على 95% من اللقاحات في العالم، والأولى عالميا في تملك اللقاح وتوزيعه، وفق ما صرح به الناطق باسم الخارجية أوفير جندلمان.

موقع ice الإسرائيلي كشف أن إسرائيل تنقل اللقاحات خارج الخط الأخضر “للمستوطنين فقط” بينما ملايين الفلسطينيين الواقعين تحت احتلالها العسكري لا يحصلون عليه، وهو الأمر الذي دفع منظمات حقوقية عالمية إلى اتهام إسرائيل بالتنصل من التزاماتها التي يفرضها عليها القانون الدولي، وفق ما نشرته صحيفة “الغارديان”.

اعتبر الكاتب الفلسطيني مصطفى إبراهيم أن إسرائيل ملزمة أخلاقيا وإنسانيا وقانونيا بتزويد الفلسطينيين باللقاح كونها تحتل أراضيهم وتستأثر بمواردها وتسيطر على الحدود والمعابر وكافة مناحي الحياة كما أنها تمنعهم من حرية الحركة، وأن هذا الحق نصت عليه وثيقة جنيف الرابعة صراحة في المادة 56 والتي تنص على أن من مسؤوليات دولة الاحتلال “ضمان وصيانة والحفاظ على الصحة العامة في الأراضي التي تحتلها واعتماد وتطبيق الإجراءات الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة” ولكنها بدل ذلك تستغل الوباء “لممارسة الابتزاز” ومحاولة تحقيق مكاسب فيما يتعلق بالإسرائيليين وجنودها المأسورين في قطاع غزة.

عبر عن المضمون ذاته ران غولدشتاين، مدير منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، في مقالة نشرها على موقع “سيحاه مكوميت” الإسرائيلي التقدمي حمل عنوان “وصمة كبيرة” تحدث فيها عن الرسائل التي وجهتها منظمته لمنسق أعمال الحكومة في الأراضي المحتلة الكولونيل كميل أبو ركن ووزير الصحة يولي إدلشتاين، والتي طالبتهما بتوفير اللقاح للفلسطينيين وحذرتهما من مغبة عدم القيام بهذه الخطوة تحت مبررات واهية مثل أن “الفلسطينيين لم يطلبوا” أو أنهم “لا يريدون اللقاح من إسرائيل” أو أي مبرر آخر، كون هذه المبررات لم تمنع إسرائيل من شق الطرق في أراضيهم لصالح المستوطنين وفق تعبيره، كما أنها لا تعفي إسرائيل من “مسؤوليتها القانونية والأخلاقية عن تطعيم السكان الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكم الأبارتهايد الذي تفرضه إسرائيل عليهم”.

فوقية مقيتة

رفض إسرائيل تزويد الفلسطينيين باللقاح رغم النصوص الصريحة الواردة في القانون الدولي التي تلزمها بذلك، لا يقل بشاعة عن الفوقية التي تعاملت بها وزارة الصحة الإسرائيلية عندما قالت، ردا على المطالب المتكررة والحملات الدولية التي بدأت تنطلق في العالم ضدها، أنها “قد تقدم للفلسطينيين اللقاحات الزائدة التي تفيض عن حاجتها” مع تشديدها على أن هذا لا يعني “أنها تتحمل المسؤولية أو تعترف بمسؤوليتها”.

قدمت وزيرة الشتات في حكومة نتنياهو عومر ينكلوفيتش مبادرة خاصة نشرتها صحيفة “يسرائيل هيوم” اليمينية المقربة من نتنياهو، نصت على أن إسرائيل ستقوم “بتقديم اللقاح إلى كل الناجين من المحرقة النازية في إسرائيل ودول العالم” معتبرة أن هذه المبادرة نوع من رد الجميل رغم أنها ستنطوي على “تعقيدات لوجستية هائلة”.

إن هذه الحملات التي تنم عن فوقية عنصرية تعلي من شأن اليهودي أينما كان، ومحاولة جني بعض المكاسب السياسية في ذروة الحملة الانتخابية التي تتنافس فيها كتل اليمين فيما بينها، تفضح الطبيعة العنصرية والتنصل الممنهج لدولة الاحتلال تجاه الشعب الواقع تحت هذا الاحتلال، والذي لا تغيب قضيته فقط عن جدول أعمال الانتخابات وبرامج الأحزاب، بل يغيب بكليته ويتحول إلى شعب شفاف وغير مرئي، وإذا ما قرر أحد الالتفات إليه فمن باب الشفقة وتوزيع ما يفيض عن حاجته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى