عصف ذهني، مسيرة العودة وحالة الاستقطاب .. مصطفى ابراهيم
بقلم : مصطفى ابراهيم ، سما الإخبارية ٢٠-٣-٢٠١٨م
أكد خطاب الرئيس محمود عباس أمس حقيقة الأزمة التي يعيشها الفلسطينيون وفي مقدمتهم هو بصفته ومن خلفه حركة فتح وحركة حماس والفصائل، وحالة الغليان التي تشهدها الساحة الفلسطينية والحبلى بالكثير من المفاجآت الثقيلة على العقل والقلب وتوجت بالخطاب وقبله محاولة تفجير موكب رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله.
إنفجار غزة وتوابعه وما ينتظره الفلسطينيون في القطاع من عقوبات وإجراءات جديدة هو تعبير حقيقي عن حالة الإنكسار والإنكشاف التي يعيشونها ولغة التخوين والارتباط مع الاحتلال، والكسر والإخضاع من طرف على حساب طرف آخر، وتبذل السلطة الفلسطينية وحركة فتح جهود كبيرة من أجل تحقيق هدفها بإخضاع حماس بطريقة المنتصر الذي يجهز نفسه للاحتفال بالنصر على أرض العدو الذي مني بهزيمة ساحقة.
الساحة الداخلية الفلسطينية متقلبة سياسياً وإجتماعيا وإقتصادياً وكل ساعة فيها جديد، وإسرائيل تحاول التملص وتمارس عملية انكار للتهرب من مسؤوليتها عن الحصار الذي تفرضه منذ 12 عاماً وشهد العام 2017، تدهوراً خطيرا في الأوضاع الإنسانية وكان الأكثر سوءاً نتيجة انتهاكات حقوق الإنسان، وفرض العقوبات من قبل السلطة الفلسطينية انعكست سلباً على واقع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي شهدت مؤشراتها تراجعاً واضحاً، وأن عدد ضحايا الحصار والانقسام في القطاع خلال العام الماضي أكبر من عدد ضحايا دورات العدوان والقتل الإسرائيلي المباشر بالرصاص والصواريخ.
إسرائيل تقوم بخطوات تخفيف الحصار وأيضا التلويح بالتصعيد المحسوب بذرائع مختلفة وادعاء البطولة في تفجير وتدمير الانفاق كما تدعي او عبوات ناسفة على الشريط الحدودي شرق القطاع، دولة الاحتلال تدرك الخطر القادم من قطاع غزة والمأزق الذي تعيشه جراء ذلك، لذا تقدمت بخطط للدول المانحة لتخفيف الحصار عن القطاع من دون ان تدفع فلس واحد او تفكر في رفع الحصار عن القطاع، ولم تكن أخر تلك المحاولات دعوة المبعوث الامريكي لعملية السلام جايسن غرينبليت لمؤتمر العصف الذهني في واشنطن وإدعى إن “تدهور الظروف الإنسانية في غزة يستحق اهتماماً فورياً”، غير ان الهدف الحقيقي هو تخفيف الضغط الأمني على إسرائيل وليس رفع الحصار عن القطاع.
اسرائيل تحاول تفريغ غزة من قوتها وتستعد كما ذكر وزير الامن الاسرائيلي افيغدور ليبرمان لمواجهة موجة من عمليات العنف خلال الفترة القادمة، وقال ليبرمان إنه “نحن نقف مكتوفي الأيدي”، وأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية “تتخذ عددًا من الخطوات. لكنني أكرر أن الوضع معقد ومركب، المؤسسة الأمنية تستثمر الكثير من الجهد”.
التخوفات الاسرائيلية نابعة من مسيرة العودة وإستعداد الفلسطينيون في قطاع غزة لسلسة من الفعاليات التي تتزامن مع ذكرى يوم الأرض، في الثلاثين من آذار/ مارس الجاري، وإقامة خيام على بعد 700م عن الشريط الحدودي الفاصل قطاع غزة مع المستوطنات الاسرائيلية، للمطالبة بحق عودة اللاجئين إلى بلداتهم التي هجروا منها عام 1948، ومسيرة العودة لا تعني الاشتباك والالتحام، وهي مقاتلة الاحتلال بالحشد الشعبي السلمي، وتطبيق هذه الفكرة بشكلها الصحيح، وتجريب وسيلة جديدة للنضال ضد الاحتلال. لذا أصبحت مسيرة العودة مقلقة لإسرائيل التي تشعر بالخطر ووضعت فكرة الحراك الشعبي على طاولة الكابينت، وقد أدرجت على أجندة المنظومة الأمنية الأيام والتواريخ للحراكات الفلسطينية، وهي تضع الخطط والادوات والخطط للتصدي لمسيرة العودة وحراك الفلسطينيين في قطاع غزة.
فكرة مسيرة العودة جاءت من قبل مجموعة من المثقفين الشباب وهي تحمل الامل وتستحق الاهتمام، مما حذا بجميع الفصائل في قطاع غزة لتبني الفكرة والمشاركة في فعاليات مسيرة العودة واصبحت مشروعا فلسطينيا وليس لفئة محددة من الفلسطينيين. الناطق الإعلامي باسم مسيرة العودة الكبرى أحمد أبو رتيمة قال أن الهدف الاستراتيجي من مسيرة العودة يتمثل في العودة الفعلية إلى فلسطين، عبر مسيرة سلمية في لحظة يقررها الكل الفلسطيني، ولن تكون في الـ 30 من آذار/مارس.
ومع حالة الغليان التي تشهدها الساحة الفلسطينية يثار جدل داخلي فلسطيني في قطاع غزة حول المقاومة واشكالها وفي قلبها مسيرة العودة والتشكيك في قدرة القائمين عليها خاصة وان الفصائل تشارك في الهيئة الوطنية لمسيرة العودة وكسر الحصار، والتي تضم 20 شريحة من المجتمع، من بينها الفصائل والقوى، وفيها 13 لجنة فرعية مختصة.
وعقدت الهيئة اجتماعات وناقشت التحديات والعقبات التي يدعي المعارضين والمشككين في المسيرة ان الفصائل فشلت وغير مؤهلة في قيادة أي مقاومة سواء سلمية او شعبية وان التظاهرات الاسبوعية غير مجدية وغير منظمة ويدفع الفلسطينيين الثمن من خلال بطش الاحتلال وسقوط مزيد من الضحايا، وفي حال استمرت مسيرة العودة ربما يعلن الاحتلال عن المناطق الحدودية مناطق عسكرية مغلقة، او سقوط عدد من الشهداء، أو تعرض الجهات المنظمة للمسيرة لضغوط من السلطة ودولية وإقليمية، ومحاولات التشويه للمسيرة، والخوف من الصدام مع الاحتلال، أو وجود مندسين لإحباط الجهد السلمي.
الجدل المثار أصبح سمة للفلسطينيين في قطاع غزة وهو تعبير عن حالة الاستقطاب المرتبطة بالانقسام والحالة الانسانية والمعيشية وحالة حقوق الانسان وحرية التنقل والسفر في المقام الاول مع انها مرتبطة بالحصار والاحتلال، وتأتي قضايا المقاومة والاحتلال والحصار في المقام الثاني وهذا نابع من رؤى أطراف الانقسام والتشكيك والتخوين الذي يرافق المشاحنات وليس النقاش الوطني حول هذه القضايا.
الجدل والنقاش يدار على مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الالكتروني وصالونات العزاء المغلقة ومن فئات محددة، وبعض الندوات وورش العمل التي تعقد وتدار بعقلية المأزوم، ولم تسهم في تفكيك الازمة التي يعاني منها المجتمع بجميع طوائفه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفصائل والمثقفين ولم تستطع الاطراف تهدئة الأجواء وفتح نقاش وطني جمعي والمبادرة بوضع الاسس ليس فقط لنقاش الاوضاع الداخلية انما لوضع المصالحة والقضية الوطنية على طاولة النقاش الوطني العام. عملية غياب النقاش الوطني يتوازى مع غياب فعل مقاومة الاحتلال بكافة أشكاله، صحيح أنه تم جر قطاع غزة لفعل المقاومة المسلحة والتجييش، ولم يستطع المجتمع والفصائل موازنة وسائل المقاومة واستغلال عوامل القوة والضعف في كل منها بفعل يتوازى مع قدرة احتمال الناس وتحملهم وعدم قدرتهم على الاستمرار وقواهم منهارة بفعل ثلاث دورات عدوانية اسرائيلية من القتل والدمار، وتسود لغة التهديد والتخوين والقمع وانتهاكات حقوق الانسان وغياب الثقة بين الاطراف وعدم وضوح الرؤية واليقين بنوايا أطراف الإنقسام والفصائل وقدرتها على الفعل، مثلا، في مواجهة الانقسام وسطوة الأجهزة الامنية فرغ مضامين وطنية جمعية كثيرة من عوامل القوة للفلسطينيين في قطاع غزة.
فائض قوة العنف التي يمتلكها طرفي الانقسام والموجه داخليا تجاه المجتمع وليس ضد الاحتلال لم يؤهلهما لتجاوز الأزمة وسنوات الإنقسام ومحاولات الكسر المتبادلة والسيطرة على سلطة بائسة تستمد شرعيتها من سلطات الاحتلال، والتأسيس لنظام سياسي فلسطيني جامع ينقذ المشروع الوطني من الضياع ومشاريع التصفية وتجذر الإحتلال الإسرائيلي ومشاريعه في السيطرة على ما تبقى من الأرض الفلسطينية وتنكره للحقوق الفلسطينية.
إذ اننا لا نزال نعيش في مرحلة الاستقطاب والإقصاء ومحاولة كل طرف كسر الطرف الآخر وإخضاعه، ولم يخرج طرفي الإنقسام من حالة الإستئساد على الأخر بعوامل القوة الواهنة التي يمتلكها من السيطرة على الارض وشرعية الإنتخابات في العام 2006، او قوة السلاح ومشروعية المقاومة في حالة حماس، او في الشرعية العربية والدولية التي يمتلكها الرئيس محمود عباس من خلال رئاسته للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وسيطرته على الضفة الغربية، في وقت فقد الطرفان شرعيتهما النضالية والقانونية تآكلت وكذلك شرعية منظمة التحرير على المستوى الوطني.
خطاب الرئيس محمود عباس وقراراته بفرض عقوبات ضد حركة حماس هي بالأساس عقوبات ضد الفلسطينيين في قطاع غزة وفتح المعركة في غزة هي تجريف للعلاقات الوطنية والاخلاقية وتعمق الانقسام في ظل غياب لأي مقاومة حقيقية للاحتلال في لحظة تاريخية فارقة ومصيرية وتغول دولة الاحتلال والمشروع الاستعماري الاستيطاني الذي يهدد كل الوجود الفلسطيني.
حالنا محزن وطال امده ومسيرة العودة ربما تكون فرصة يجتمع عليها الفلسطينيين وهي محاولة وفكرة شبابية ومقاومة سلمية تدعوا لها القيادة منذ سنوات ولم تمارسها، ولغة التخوين والتشكيك في قدرتها على تحقيق جديد لن يجدي في غياب النقاش الوطني الجاد ومقاومة وطنية جامعة للخروج من حالة الجدل وتعميق الهوة وفقدان الامل، والاحتلال مستمر في مشاريعه وسياساته الاستعمارية وعدوانه المستمر ضد قطاع غزة والخشية قائمة من شن عدوان جديد بذرائع كثيرة لإجهاض الفكرة ونحن نساعده في ذلك.