أقلام وأراء

عصام نعمان يكتب – إذا فعلها ترامب أو نتنياهو هل يبقى رد المقاومة متناسباً مع الاعتداء؟

عصام نعمان – 16/11/2020

ما زال دونالد ترامب يرفض الإقرار بالهزيمة، لا يكتفي بتقديم دعاوى وتحريك تظاهرات احتجاجية على «تزوير» الانتخابات، بل يتشبث بسلطته ويرفض تسليم فريق عمل الرئيس المنتخب جو بايدن تقارير الإحاطة السرية بقضايا الأمن القومي والنشاط الإستخباراتي، والرصد السيبراني، كما تقضي التقاليد السياسية في المرحلة الانتقالية. بيتر نافارو أحد كبار مستشاريه الاقتصاديين، قال لقناة «فوكس نيوز» التلفزيونية: «إننا في البيت الأبيض نواصل العمل، كما لو أننا في صدد ولاية ثانية لترامب».

هذه المؤشرات وغيرها حملت كثيرين من أركان فريق منافسه بايدن، ومن أعضاء الكونغرس، وكبار المعلّقين الصحافيين، على الاعتقاد بأن الرئيس المهزوم لن يستسلم، وأنه سيواصل الكفاح من أجل البقاء في البيت الأبيض، وأنه لن يتورّع خلال الفترة الانتقالية، التي تنتهي في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، عن اتخاذ قرارات بالغة الخطورة، قد تُفضي إلى حرب في الشرق الأقصى (مع الصين) أو في أمريكا الجنوبية (مع فنزويلا) أو في الشرق الأوسط (مع إيران والمقاومة اللبنانية – حزب الله).

ثمة مَن يعتقد أيضاً في الولايات المتحدة، كما في الشرق الأوسط أن بنيامين نتنياهو قد يشارك ترامب في أنشطته العدوانية، أو ربما يقوم منفرداً، بدعمٍ منه، باعتداء محسوب على إيران أو سوريا، أو على المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. غير أن نظرة متأنية إلى المشهد الأمريكي تشي بأن اهتمام ترامب الرئيس، يتركّز على الداخل. فهو وإن كان يحاول مستميتاً البقاء في البيت الأبيض بكل الوسائل المتاحة، إلاّ انه يعلم، كما كبار أركان حزبه الجمهوري، أن مكابرته محكوم عليها بالفشل، وأن بايدن سيحلّ محله في البيت الأبيض عاجلاً أم آجلاً. غير أن خروجه المحتوم منه لن يمنعه من العمل من أجل بقائه الرقم الشعبي الصعب في الحياة السياسية الأمريكية، مترسملاً على السبعين مليون صوت التي نالها في الانتخابات، كما على تداعيات تأجيجه عصبية عرقية دفينة لدى الامريكيين البيض، ضد الأقليات غير البيضاء المتكاثرة، وأهمها اللاتينوز (ذوو الأصول واللغة الإسبانيين) والسود (ذوو الأصل الافريقي) والمسلمون من أصول قومية شتّى، الذين يربو عددهم على سبعة ملايين. يظنّ ترامب أن نجاحه في تكتيل مناصريه يتيح له أن يبني، بعد خروجه من السلطة، تياراً شعبياً ترامبياً يمكّنه من التأثير في مجريات النظام السياسي، لتعزيز نفوذه من جهة، ومن جهة اخرى لتوسيع قاعدته الشعبية بغية خوض انتخابات الرئاسة مجدداً بعد انتهاء ولاية بايدن سنة 2024.

غير أن أوساطاً قيادية في أمريكا، كما في دول اخرى تتداول فكرةً أو احتمالاً بأن يُقدم ترامب، الذي يتصف بقدْر من النزق يصل أحياناً إلى مستوى الحماقة، على شنّ حربٍ، يظنّ أنها قد تعود عليه وعلى حلفائه بمنافع سياسية وازنة، خلال الفترة الانتقالية. كثرة من المتابعين والمراقبين للمشهد السياسي الامريكي تستبعد هذا الاحتمال، وتعتقد أن انزلاق ترامب إلى اتخاذ قرار الحرب يبقى محكوماً بثلاثة اعتبارات:

أولاها، ألاّ يعود عليه بردود فعل سلبية داخل أمريكا.

ثانيها، أن تكون لديه القدرة والفرصة على الخروج من الحرب منتصراً.

ثالثها، أن تفيد الحرب «إسرائيل» ولا تسيء إلى حلفاء أمريكا.

في ضوء هذه الاعتبارات، يمكن الترجيح بأن الساحة المغرية لشنّ الحرب هي لبنان وسوريا. ذلك أن قيادتي امريكا و»إسرائيل» تعتقدان أن حزب الله بات قوة اقليمية وازنة ومؤثرة، وأنه يهدد أمن «إسرائيل» كما مصالح الطرفين، ولاسيما النفطية والغازية، في شرق الفرات والحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وأن الظرف يبدو مؤاتياً لضربه في فترة معاناة لبنان وسوريا من مفاعيل انهيار مالي واقتصادي، وإيران من مفاعيل العقوبات الأمريكية الشديدة عليها.

“أوساط قيادية أمريكية تتداول احتمال أن يُقدم ترامب، على شنّ حربٍ، يظنّ أنها قد تعود عليه بمنافع سياسية وازنة، خلال الفترة الانتقالية “.

مع تكرار أرجحية استبعاد هذا السيناريو، يبقى الحذر والتحسب والاستعداد للمواجهة موجبات ماثلة وملّحة، فأين تراه يتركّز العدوان، وكيف يكون الردّ؟ كان ترامب تباهى في مؤتمر صحافي منتصفَ أيلول/ سبتمبر الماضي، بأن لدى بلاده «أسلحة رائعة لا يعرف بها أحد وأسلحتنا النووية الآن في أفضل حالاتها». أثار ترامب آنذاك جدلاً بين الخبراء الاستراتيجيين حول ماهية «هذا السلاح السري الرائع» وقد رجّح بعض الخبراء أنه قنبلة نووية تكتيكية، ايّ للمدى القصير ولمساحة محدودة وذات قدرة على تحويل المنطقة المضروبة إلى ارض يباب. هل يستعمل ترامب هذه القنبلة في المنطقة التي تخمّن قيادتا العدوان الأمريكي والإسرائيلي أنها تحتضن مراكز قادة المقاومة، ولاسيما السيد حسن نصر الله، لظنّهما أن القضاء عليه كافٍ بحدّ ذاته لشلّ المقاومة وتعطيل فعاليتها؟ مع تكرار ارجحية استبعاد هذا السيناريو، فإن موجب المواجهة يفرض طرح سؤال ملحاح: كيف يكون رد المقاومة على الضربة الصهيوأمريكية؟ لا ضمانة البتة لنجاح هذه الضربة المفترضة، لا من حيث توقيتها، ولا من حيث قدرة قادة العدوان على تحديد المنطقة، التي تحتضن قادة المقاومة وقائدها، ولا من حيث فعالية السلاح المستعمل في تحقيق التدمير المطلوب.

أما ردّ المقاومة فقد جرى بحثه في ندوة افتراضية مستعجَلَة، عقدها خبراء استراتيجيون مستقلون، انتهوا فيها إلى التقدير الآتي: معيار الردّ وحجمه ونوعه ومكانه يتوقف على حجم الضربة وقوتها وفعاليتها، غير أن غالبيتهم توافقت على أن ردّ المقاومة يجب ألاّ يكون متناسباً مع حجم الضربة وقوتها ومكانها، بل يجب أن يكون غير متناسبٍ معها، رغم عدم التكافؤ بين قوة المقاومة وقوة الطرفين المعتديين، ذلك أن في وسع المقاومة، بما تملك من قدرات متطورة، على تدمير منطقة «غوش دان» على امتداد السهل الساحلي الضيق بين يافا (تل ابيب) وحيفا بطول نحو 85 كيلومترا وبعرض من 10 إلى 15 كيلومترا، حيث لا أقل من ثلث قدرات «إسرائيل» سكاناً وعمراناً وصناعةً وزراعة ًوموانئ ومطارات ومرافق حيوية (كهرباء ومراكز استخبارات ومراقبة سيبرانية وقيادات عسكرية برية وجوية وبحرية) ناهيك من منشآت استراتيجية قريبة من هذه المنطقة، هي منشآت استخراج النفط والغاز في البحر غربي مدينتي حيفا وعكا. صحيح أن لدى «اسرائيل» من القدرات ما يمكّنها من إلحاق اضرار بالغة بالمقاومة وحلفائها، تفوق الأضرار التي يمكن أن تلحق بها، ومع ذلك فإن إدراكها أن المقاومة قادرة ومصممة على اعتماد ردّ غير متناسب على عدوانها، سيحملها على التخلي عن خيار العدوان الشديد الأذى، رغم رجحان ميزان القوة لمصلحتها، وذلك لجسامة الاضرار التي ستلحقها بها المقاومة، ما قد يدفعها تالياً إلى التفكير بنهج سياسي وعسكري آخر أقل تكلفة للوصول إلى مبتغاها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى