عصام نعمان: هل بدأت إيران معركة الردع الاستراتيجي المباشر؟

عصام نعمان 23-6-2025: هل بدأت إيران معركة الردع الاستراتيجي المباشر؟
سريعاً استقال دونالد ترامب من وظيفة الإطفائي، التي عيّن نفسه فيها لإطفاء كل الحروب في العالم. سريعاً ودونما تحركات ظاهرة مسبقة، شنّ حربه على منشآت إيران النووية في فوردو ونطنز وأصفهان. سريعاً فاخر بفعلته النكراء. سريعاً أبلغ إيران أن ضربته الخاطفة هي من صنعه وحدة ولا مساهمة لـِ»إسرائيل» فيها. سريعاً بادر إلى تطمين إيران بأن ضربته استهدفت منشآتها النووية فقط، ولا نيّة لديه لتغيير النظام السياسي فيها. سريعاً جاهر صديقه اللدود بنيامين نتنياهو بشكره وامتنانه العميقين.
إيران لم تتأخر في الردّ: وجّهت عشرات الصواريخ فرط الصوتية في دفعتين استهدفت 400 مدينة وبلدة من شمال الأراضي المحتلة في محيط حيفا إلى تل أبيب الكبرى في الوسط إلى بئر السبع وإيلات في الجنوب. طهران أكدت، مثل وكالة الطاقة النووية الدولية، أن لا إشعاع نووياً أعقب قصف الأمريكيين للمنشآت النووية الثلاث ما يوحي وكأنها لم تدمَّر كليّاً، ثم ما لبثت طهران أن أعلنت أن كميات اليورانيوم المخصّب لديها بقيت سليمة، وقد جرى نقلها إلى مكان آمن قبل بدء العدوان الأمريكي.
إذا كانت إيران قد ردّت بقوةٍ وفعالية على «إسرائيل»، فهل ستردّ على أمريكا أيضاً؟ حتى كتابة هذه السطور صبيحةَ يوم أمس الأحد، لم تكن إيران قد ردّت بقصف أي قواعد أمريكية في المنطقة الممتدة من شواطئ البحر المتوسط غرباً إلى شواطئ بحر قزوين شرقاً. ثمة رأي رائج في إيران كما في دنيا العرب، بأن الردّ على «إسرائيل» هو بمثابة ردٍّ على أمريكا ذاتها، لأن الولايات المتحدة تتعامل مع «إسرائيل» وكأنها مجرد ولاية امريكية، بل لعلها تحظى بدعم مالي وعسكري أكثر بكثير من أي ولاية أمريكية. المهم أن إيران تبدو مصممة على متابعة حربها الدفاعية ضد «إسرائيل» بقوةٍ وفعالية، وما كانت لتعلن ذلك وتستمر في تنفيذه لو لم يكن لديها مخزون كبير من الصواريخ الباليستية فرط الصوتية بعيدة المدى وشديدة التدمير. غير أن قرار إيران النهائي بالردّ على أمريكا وقواعدها الإقليمية يتوقّف على عدّة اعتبارات تتضمنها أسئلةٌ خمسة:
أولاً: هل ستستمر «إسرائيل» في حربها على إيران، رغم أن أمريكا، حسب زعمها، «خلّصتها» من منشآت إيران النووية، وهو الشرط الذي كان أعلنه ترامب لوقف حرب «إسرائيل» (وحربه) على إيران والعودة إلى المفاوضات؟
ثانياً: هل نجحت أمريكا فعلاً في تدمير منشآت «فوردو» ونطنز وأصفهان كليّاً، أم أنها ما زالت سليمة، كما لمّحت إلى ذلك مصادر إيرانية شبه رسمية؟
ثالثاً: إذا ما استمرت إيران في استهداف «إسرائيل» وتمكّنت من إلحاق أضرارٍ بشرية واقتصادية واستراتيجية ضخمة فيها، فهل يحمل ذلك الولايات المتحدة على العودة إلى استهداف إيران لتخفيف وطأة هجمتها القاسية على «إسرائيل»؟
رابعاً: هل ستقوم إيران بضرب قواعد أمريكا في المنطقة، لاسيما في دول الخليج وفي العراق وسوريا، ردّاً على استمرار «إسرائيل» في حربها على إيران بدعم ٍ فاضح من الولايات المتحدة؟
خامساً: كيف ستكون ردود الفعل في شتى أنحاء العالم على اعتداءات الولايات المتحدة و»إسرائيل» الفاجرة على إيران، لاسيما في روسيا والصين وباكستان والدول الإسلامية والعربية؟
أياً ما كانت ردود الفعل في منطقة غرب آسيا وفي الغرب الأوروبي، وفي الداخل الأمريكي ذاته، فإنه من الثابت أن الشعوب والحكومات في منطقة غرب آسيا ستواجه مشهداً سياسياً وأمنياً مغايراً وعلى درجة عالية من التوتر. إلى ذلك، ستترك هجمة ترامب على إيران انعكاسات سلبية شديدة في الداخل الأمريكي. فقد وصف السناتور الديمقراطي بيرني ساندرز هجوم ترامب بأنه غير دستوري. اما عضو مجلس النواب عن مدينة نيويورك ألكسندرا أوكاسيو- كورتيز فقد اعتبرت فعلة ترامب اساساً صالحاً لبدء عملية سياسية – قضائية لعزله من منصبه الرئاسي.
مهما يكن الأمر، فإن أيّ مقاربة عسكرية يعتمدها ترامب لن تؤدي، في رأي فريق من المحللين الاستراتيجيين، إلى تركيع إيران وتعطيل فعاليتها السياسية والعسكرية في المدى الطويل. صحيح انها قد تتضّرر كثيراً ويتراجع تأثيرها ونفوذها جرّاء الحرب، لكن ما لديها من موارد اقتصادية وقدرات عسكرية وتصميم قاطع لدى قادتها كفيل بتأمين تعافيها واستعادة فعاليتها في مواجهة الولايات المتحدة، وما يكون قد تبقّى من «إسرائيل» بعدما تضررت كثيراً، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، جرّاء الحرب ولم تعد قادرة على أن تلعب أدواراً مفتاحية، كما في الماضي البعيد والقريب.
هل يتوقّف «الإطفائي» السابق دونالد ترامب عاجلاً أو آجلاً عن دعم «إسرائيل» في حربها المتعثرة، ام يستمر في دعمها كما في مهاجمة إيران أيضاً؟
يضحك كثيراً من يضحك أخيراً.