أقلام وأراء

عصام نعمان: خريطة صراعات اللاعبين الكبار في بلادنا وعليها؟

عصام نعمان 5-5-2025: خريطة صراعات اللاعبين الكبار في بلادنا وعليها؟

لا غلوّ في توصيف بلادنا العربية ومحيطها الإقليمي الممتدين من شواطئ البحر المتوسط جنوباً إلى شواطئ بحر قزوين شمالاً، ومن خليج الإسكندرون غرباً إلى خليج عدن شرقاً، بأنها في حال غليان ومتاهة في آن معاً. الغليان مردّه إلى صراعاتٍ اندلعت في أرجائها بين لاعبين كبار وآخرين أصغر حجماً، وأقل تأثيراً مذّ معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023. المتاهة مردّها إلى حال الغموض الذي يكتنف الصراعات المتوقّدة والمتوالدة، وما يمكن أن تنتهي إليه من تداعيات وتطورات في الحاضر والمستقبل.

لعل من الضروري الإشارة إلى حدثٍ جلل يعادل طوفان الأقصى أهميةً وضراوة، إن لم يكن أكثر منه خطورةً، بانعكاساته ذات الطابع الاستراتيجي، إنه سقوط نظام بشار الأسد نتيجةَ انهيار الجيش العربي السوري، وبالتالي خروج أو إخراج سوريا من حمأة الصراع العربي – الإسرائيلي. فالجيش في كلٍّ من سوريا والعراق بواقع مجتمعيهما التعدديين، هو العمود الفقري للوحدة الوطنية في كِلا القطرين. فما أن قامت سلطات الاحتلال الأمريكي سنة 2003 بحلّ الجيش العراقي، حتى انهار الهيكل السياسي والإداري للدولة، وتدهورت جرّاء ذلك دولة العراق إلى حالٍ من التفكك والاشتباك بين مكوّنات البلاد المذهبية والإثنية والقَبَلية. الأمرُ نفسه تكرّر في سوريا. فمع انهيار الجيش السوري في مطلع ديسمبر 2024، انهارت معه الوحدة الوطنية، ومن ثم الهيكل السياسي والإداري للدولة، وباتت البلاد برمتها مسرحاً لصراعاتٍ مذهبية وإثنية وقَبَلية. لرسم خريطة الصراعات، التي تعمّ بلادنا ومحيطها الإقليمي، أرى الإحاطة، ولو بخطوط عريضة، بالأغراض والمرامي والمواقف والمصالح الرئيسة لأبرز اللاعبين الكبار والصغار المتنافسين على النحو الآتي:

أولاً، الولايات المتحدة بقيادة ترامب:

-العالم برمته، ومن ضمنه منطقتنا، يعيش في مرحلة انتقالية يتبدّى خلالها ضمور النظام الدولي، الذي هندسته أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، وبزوغ في موازاته ملامح وموازين نظام عالمي جديد.

-بسط سيطرتها على المنطقة برمتها وحمل دولها على الانصياع لها.

-توطيد «إسرائيل» كدولة شريكة ووكيلة عنها في إدارة بعض صراعات المنطقة ومضاعفاتها.

-الحؤول دون تحوّل إيران إلى دولة نووية، وعرقلة تعاونها مع حلفاء إقليميين يساعدونها على الوصول بنفوذها وتأثيرها إلى دول الحوض الشرقي للبحر المتوسط.

-تدمير حركات المقاومة في الدول العربية المحيطة بـِ»إسرائيل» لكونها متحالفة مع إيران ووفيّة لها، لقاء الدعم السياسي واللوجّستي والتكنولوجي الذي تلقته منها.

-تكوين موازين قوى وظروف سياسية مؤاتية لدول المنطقة من أجل تسهيل تطبيع علاقاتها مع «إسرائيل».

ثانياً، «إسرائيل» بقيادة نتنياهو:

-القيام لحساب أمريكا بدور شرطي إقليمي لضبط أنشطة دول المنطقة وتحركاتها على نحوٍ يخدم مصالح كِلا الطرفين.

-استنزاف دول المنطقة المحيطة بـِ»إسرائيل» بحروب متتالية بغية توسيع رقعة احتلالها على حساب سوريا ولبنان والأردن ومصر، وتعطيل برامجها التنموية للحؤول دون تحقيقها إنجازات اقتصادية واجتماعية وازنة ما يؤدي إلى إبقاء اقتصاداتها وأسواقها متعطشة للمنتجات الأمريكية والإسرائيلية.

-التعاون مع أمريكا في تفكيك الدول العربية المحيطة بـ»إسرائيل» إلى كيانات تقوم على أسس مذهبية وإثنية وقَبَلية، والحؤول دون قيام دولة مستقلة للفلسطينيين في الضفة الغربية.
-الإسهام مع سائر حلفاء أمريكا في المنطقة بعملية تعطيل مشروع الصين الاستراتيجي، «الحزام والطريق»، بتكوين مشروع بديل ومنافس له بين الهند وكلٍّ من «إسرائيل» وتركيا.

ثالثاً ، جمهورية إيران الإسلامية:

-محاولة التوصل مع أمريكا إلى اتفاق نووي جديد يضمن رفع العقوبات الاقتصادية عنها دون المساس بفعالية برنامجها النووي السلمي، وحقها في الاحتفاظ في أراضيها بما لديها من كميات اليورانيوم المخصّب بدرجةٍ عالية كاحتياط استراتيجي.

-رفض ضغوط أمريكا للحدّ من إنتاج صواريخها الباليستية بعيدة المدى مع الاستعداد، ربما، لمقايضة سلامة إنتاجها الصاروخي بالموافقة على استثمار قسم من رصيدها البالغ مئات ملايين الدولارات المحتجزة (والمفترض إفراج واشنطن عنها) في مختلف مرافق الاقتصاد الأمريكي.

-تمتين تعاونها الاستراتيجي مع روسيا والصين، بما يكفل صون أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية، ودعم حلفائها الإقليميين، ولاسيما حركات المقاومة في فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان واليمن.

-التحسّب الدائم لاحتمال قيام «إسرائيل»، منفردةً أو بالتعاون مع أمريكا، بشنّ حربٍ مدمّرة عليها، بقصد شلّها اقتصادياً وتعطيل استثمار طاقاتها النفطية والغازية الضخمة.

-التعاون مع تركيا على احتواء تحالف بعض الحركات الكردية الناشطة فيها، كما في سوريا والعراق وإيران من جهة، وأمريكا من جهة أخرى بغية إقامة دولة كردية جامعة لأكراد الدول الأربع آنفة الذكر، ما يجعلها كي تكون مرشحة لمرتبة الحليف الإقليمي القوي للولايات المتحدة و»إسرائيل» في غرب آسيا.

رابعاً، تركيا بقيادة أردوغان:

-توطيد قوة الجمهورية بصيغتها الإسلامية المعاصرة كوارثة للسلطنة العثمانية تراثاُ ونفوذاً ودوراً في الحوض الشرقي للبحر المتوسط وفي غرب آسيا.

-احتواء مجمل الحركة الكردية بأجنحتها كافة: الليبرالية المحلية، والوحدوية الإقليمية، والفدرالية القطرية (في العراق وسوريا) بالتعاون مع أمريكا بالدرجة الاولى ومع «إسرائيل» جزئياً.

-رعاية الحكم الإسلامي الانتقالي في سوريا، ليبقى دائراً في الفلك التركي مع الحرص على منع الأكراد السوريين من إقامة منطقة إدارة ذاتية في سوريا، وكذلك منع قياديين في أقلياتٍ كالموحدين الدروز والعلويين من التعاون مع «إسرائيل» لتحقيق أو حماية مطامع ومصالح خاصة.

-العمل على ترفيع مكانة تركيا إلى صدارة العالم الإسلامي، وكذلك إلى قيادة وتوجيه منظمة التعاون الإسلامي، والاضطلاع بدور الوسيط والمفاوض بينها وبين الغرب الأطلسي.

خامساً، السعودية بقيادة محمد بن سلمان:

-استكمال بناء النظام السياسي السعودي وفق تطلعات وتوجهات ولي العهد محمد بن سلمان، وتوطيد صدارة الرياض لدول شبه الجزيرة العربية، وتكوين ميزان قوى فاعل بينها وبين كلّ من إيران وتركيا.

رسيخ دور السعودية كقائد وموجّه لعالم الإسلام السنّي في بلاد العرب.

-تنظيم تعاون السعودية مع أمريكا في علاقاتهما السياسية والاقتصادية والأمنية مع دول الجامعة العربية.

-التمسك بإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين كشرط لقبول تطبيع العلاقات مع «إسرائيل».

-تحسين توظيف عائدات النفط الوفيرة في خدمة السياسة السعودية.

روسيا والصين دولتان وقطبان عالميان، لكنهما لا تلعبان في المرحلة الراهنة أدواراً حيوية مباشرة في المنطقة، فالأولى منشغلة بالحرب في أوكرانيا وتداعياتها الأوروبية، والثانية منشغلة بالارتقاء باقتصادها الوطني ومضاعفة حصصها في أسواق القارات الخمس، لكن ستكون للدولتين القطبين بلا شك مهام وأدوار فاعلة في قابل الأيام. إلى ذلك، ثمة لاعبون صغار حجماً، لكنهم كبار فعلاً وتأثيراً، أعني حركات المقاومة الناشطة في فلسطين ولبنان والعراق، ولاسيما في اليمن حيث الدولة ذاتها تنهض بمهام تاريخية في نصرة المقاومة المتصاعدة في فلسطين.

في ضوء هذه الصراعات المتصاعدة التي تلفّ المنطقة، يستقيم القول إن العالم برمته، ومن ضمنه منطقتنا، يعيش في مرحلة انتقالية يتبدّى خلالها ضمور النظام الدولي، الذي هندسته أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، وبزوغ في موازاته ملامح وموازين نظام عالمي جديد، يزخرُ بمعطيات وتطورات وعوامل فريدة واستثنائية، أبرزها ثورة التكنولوجيا الصناعية الحديثة، والثورة المعلوماتية والإعلامية وتطّور وشيوع أجهزة التواصل الاجتماعي، وكذلك تقنية الذكاء الاصطناعي، ومضاعفات تغيّر المناخ.

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى