عصام نعمان: إيران ردت بقوة على إسرائيل… ماذا بعد؟

عصام نعمان 16-6-2025: إيران ردّت بقوة على إسرائيل… ماذا بعد؟
الحرب بين «إسرائيل» وإيران مستمرة. بنيامين نتنياهو عازم على الاستمرار فيها بغية إزالة «الخطر الوجودي الإيراني». لماذا؟ لأنه «إذا حصلت إيران على سلاح نووي فلن يكون هناك وجود لإسرائيل». إيران ردّت بلسان مرشدها الأعلى السيد علي خامنئي بتعهد ٍصارم: «على العدو الإسرائيلي أن ينتظر عقاباً قاسياً. لقد ارتكب جريمةً قذرة ودامية في الأراضي الإيرانية باستهدافه مناطق سكنية». الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أكّد تعهد المرشد الأعلى بقوله: «العدو سيتلقّى الردّ القوي والحاسم الذي سيجعله يندم على فعلته الحمقاء».
الطرفان مشتبكان في حربٍ مريرة منذ فجر الجمعة الماضي، «إسرائيل» ليست وحدها في مواجهة إيران. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعترف بأنه كان يعلم بعزمها على شنّ الحرب على إيران، وبأن بلاده غير مشاركة فيها، لكنها ستدافع عن أمن «إسرائيل» وستزوّدها بالأسلحة اللازمة لذلك. في المقابل، تخوض إيران الحرب وحدها معتمدةً على نفسها، وعلى ما تمكّنت من صنعه وتطويره من أسلحةٍ وصواريخ بعيدة المدى.
«إسرائيل» لم تحقق أهدافها المعلنة في الحرب. لا هي دمّرت منشآت إيران النووية، ولا تمكنت من إسقاط نظامها الحاكم، صحيفة «نيويورك تايمز» أكّدت أن منشآت إيران النووية ما زالت سليمة، أكثر من ذلك، نجحت إيران بالوصول بصواريخها الفرط صوتية إلى قلب تل أبيب، فضلاً عن مواقع عسكرية أخرى في شتى أنحاء كيان الاحتلال.. حجمُ التدمير كان ضخماً وواسعاً لدرجة أن وسائل الإعلام الإسرائيلية وصفته بأنه غير مسبوق ومرعب، فبالإضافة إلى تدمير العديد من المطارات والقواعد العسكرية ومنصات إطلاق الصواريخ، تمكّنت إيران بصواريخها من تدمير وزارة الأمن (أو بالأحرى وزارة الحرب) ومركز جهاز الموساد. إلى ذلك، نجح كلٌّ من الطرفين المتحاربين في استمالة شعبه إلى جانبه. غالبية الجمهور الإسرائيلي أيّدت حكومة نتنياهو في حربها على إيران. كما أن الأغلبية الساحقة من الشعب الإيراني أيدت وهلّلت بتظاهرات حاشدة في عموم أنحاء البلاد لقيام القوت المسلحة بقصف الكيان الصهيوني وطالبتها بالمزيد. تأييدُ الجمهور سيدفع نتنياهو إلى الاستمرار في الحرب، فهل تراه يقوم باستعمال أسلحة أخرى أكثر تطوراً وفتكاً لم يستعملها من قبل؟ وهل تفعل إيران الأمر نفسه، ام تعمد إلى استخدام عددٍ أكبر وأشد فتكاً من الصواريخ التي استعملتها حتى الآن لقصف وتدمير مرافق وبنى «إسرائيل» الاقتصادية؟ الأرجح أن يحاول نتنياهو تكثيف قصفه الجوي لإيران بالطائرات والصواريخ. إذا نجح في إلحاق أضرارٍ فادحة بها أعلن نفسه منتصراً. أما إذا أخفق في مناورته، ولم يُلحق بكيان الجمهورية الإسلامية أضراراً فادحة، هَرَع إلى ترامب مناشداً إياه التدخل السريع لتفادي انتصار إيراني سيكون بالضرورة ليس على حساب «إسرائيل» وحدها، بل على حساب دول الغرب الأطلسي جميعاً.
قد يوافق ترامب على مناشدة نتنياهو له بالتدخل، فيبرّر الاستجابة له أمام الرأي العام الأمريكي بما كان أعلنه سفيره في «إسرائيل» مايك هاكابي بأن حرب إيران رداً على «إسرائيل» تشكّلُ حرباً على الولايات المتحدة ذاتها. لماذا ؟ لأن هناك 700 ألف أمريكي (من مزدوجي الجنسية) يقيمون في كيان الاحتلال! لكن، ماذا لو تلكأ ترامب في نجدة نتنياهو لانشغاله بمواجهة اضطرابات واسعة، ما زالت تتفاعل في ولاية كاليفورنيا وتمدّدت إلى ولايات أخرى. فهل يُقدم رئيس الحكومة الإسرائيلي، المهجوس بمسألة بقائه في السلطة، لتفادي مثوله أمام المحكمة المتهم أمامها بالفساد والارتشاء، على استخدام أسلحة نووية لإكراه إيران على التراجع والكفّ عن تدمير مرافق كيان الإحتلال العسكرية والاقتصادية والتهديد بضرب مفاعل ديمونة النووي؟
هذا الاحتمال يبدو غريباً ومستبعَداً، لكن الذين يعرفون نتنياهو ومدى اقتناعه بأن ما جاء في التوراة والتلمود ليس دعوة للإيمان فحسب، بل هو أيضاً أمر بمباشرة تنفيذ مضمونه، لا يستبعدون ابداً قيامه باعتماد هذا «الخيار» الغريب والصعب. فالتوراة والتلمود ينصّان على «أن أرضك يا إسرائيل تمتدّ من الفرات إلى النيل». هذه الكلمات محفورة في لوحة مثبتة في مدخل الكنيست (البرلمان). ثم إن التوراة والتلمود ينصّان ايضاً على أن «كل ما تطأه أقدامكم هو أرض لكم». الصهاينة المتعصبون يجدون في هذه الكلمات دعوةً وامراً صريحين للتنفيذ.
أياً ما كان الأمر، فالأرجح أن يحاول ترامب السعي إلى إقناع حكومة إيران بالعودة إلى التفاوض ربما، بوساطة روسيا ورعاية سلطنة عُمان بغية الخروج من المأزق الراهن بتسويةٍ مقبولة من الأطراف الإقليمية المعنية. لكن ثمة احتمالاً آخر هو أن ترفض إيران العودة إلى المفاوضات، بعدما بات ثابتاً لها اشتراك الولايات المتحدة في حرب «إسرائيل» المستمرة ضدها، تمويلاً وتسليحاً وخداعاً سياسياً ودبلوماسياً مكشوفاً. فماذا تراها تفعل بعدما عانت كل هذه المخاطر والتحدّيات؟
قدّ تُقرّر إيران عدم القبول بممارسة حقها في تخصيب اليورانيوم بنسبةٍ مئويةٍ متدنية، بل تقوم برفعها إلى أي نسبة مئوية تراها مناسبة لحاجاتها ومصالحها، كما بالاحتفاظ بالكمية التي قامت وستقوم بتخصيبها تحت يدها، وذلك كاحتياط استراتيجي لاستخدامها في صنع قنابل نووية، إذا اقتضى الأمر، مع العلم أن ما تملكه حالياً من اليورانيوم المخصّب كافٍ لصنع 9 قنابل نووية. أكثر من ذلك، ربما تُقدم إيران على الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، أو التهديد بذلك ليكون الانسحاب أو التراجع عنه ورقةً تفاوضية بيدها، يمكن استخدامها لحمل الولايات المتحدة وبالتالي «إسرائيل» على التسليم بأحكام القرار الدولي 181 لعام 1947 القاضي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، ما يستوجب تالياً إلزام «إسرائيل» بتفكيك مستعمراتها (أي مستوطناتها) من جميع الأراضي المخصصة للعرب الفلسطينيين بموجب قرار التقسيم المذكور، التي كان الصهاينة قد احتلوها بمساحةٍ تربو على أكثر من 65 في المئة من مجمل مساحة فلسطين التاريخية، على أن يبقى لشعب فلسطين الحق في تحرير ما تبقّى من فلسطين المحتلة وضمّه إلى كامل الوطن المحرر ودولته المستقلة.
إذا نجحت إيران في تحقيق ما سبق بيانه ـ وهو أمر صعب جداً ـ تكون قد خدمت، مرحلياً، قضية فلسطين وشعبها المناضل من أجل التحرير والعودة اكثر بكثير مما فعلته الدول العربية جميعاً منذ النكبة سنة 1948.