عصام نعمان: أزمة سلاح «حزب الله»: تسوية معقدة أم انفجار قادم؟

عصام نعمان 28-4-2025: أزمة سلاح «حزب الله»: تسوية معقدة أم انفجار قادم؟
لبنان بلد الأزمات على جميع المستويات، ما أن تُعالج أو تَهمد أزمةٌ حتى تتوالد أزمات أخرى بسرعة قياسية. تعددية المجتمع اللبناني العميقة والمرهقة، ربما تكون العامل الأول وراء اندلاع الأزمات، لكن التدخلات الخارجية هي العامل الأفعل في تأجيجها. اليوم يبدو سلاح المقاومة هو الأزمة الأكثر إثارة للجدل، وإذا استمر الجدل حوله بوتيرته الحادّة فقد يتحوّل إلى نزاع. كيف يمكن احتواء الأزمة قبل «تطويرها» إلى نزاع وربما إلى ما هو أوسع وأخطر؟
ثمة فريق من الأحزاب اليمينية المعارضة لحزب الله كان وما زال منذ ما قبل 25 مايو 2000 (وهو تاريخ عيد المقاومة والتحرير، الذي يرمز إلى إرغام القوات الإسرائيلية على الانسحاب من شريط الاحتلال الذي دام 18 عاماً) يرفض ما يسميّه سكوت الدولة عن نشوء مقاومة مسلحة من دون موافقتها ضد الاحتلال الإٍسرائيلي، لاسيما في جنوب لبنان، ما أدى إلى ازدياد شعبية حزب الله كمؤسس للمقاومة منذ سنة 1982، وإلى تعاظمها بعد تمكّنه من دحر الكيان الصهيوني في حربه على لبنان سنة 2006. لكن في المقابل ازدادت شعبية الأحزاب اليمينية المعارضة له، في بعض الأوساط التي تشكو من سيطرته مع حركة أمل على مرافق الدولة بشكلٍ أو بآخر.
إلى ذلك، ازدادت الأزمة حماوةً وتعقيداً بعد قيام المقاومة في لبنان بإسناد حركة حماس، التي واجهت، وما زالت، حرباً إسرائيلية ضارية على قطاع غزة عقب معركة طوفان الأقصى فجرَ يوم 7 أكتوبر2023. فقد شَكَت الأحزاب اليمينية المعارضة لحزب الله من قيام المقاومة بإسناد حركة حماس، ما ورّطَ لبنان في حربٍ لا قدرة له على الوفاء بمتطلباتها. غير أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا تحت وطأة هجمةٍ شنّتها جماعات إسلامية محافظة، تدعمها تركيا أدّى إلى تدخل الولايات المتحدة ودول أخرى أوروبية وإقليمية، ودفْعها أطراف الحرب المحتدمة ضد لبنان إلى القبول باتفاقٍ لوقف إطلاق النار، جوهره تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 القاضي بإخلاء المنطقة الممتدة من نهر الليطاني جنوباً إلى حدود لبنان مع فلسطين المحتلة من كل القوى المسلحة غير النظامية (أي المقاومة بقيادة حزب الله) مقابل وقف الحرب وانسحاب إسرائيل من أطراف قرى كانت قد احتلتها خلال القتال.
موافقةُ حكومة لبنان على قرار وقف إطلاق النار، حملت حزب الله على الموافقة بدوره عليه وقيامه بسحب وحدات المقاومة وأسلحتها من منطقة جنوب نهر الليطاني. غير أن الأحزاب اليمينية التي كانت صدارتها، وما زالت لحزب «القوات اللبنانية « بقيادة سمير جعجع، رفضت الاكتفاء بتجريد منطقة جنوب الليطاني من أسلحة المقاومة ومواقعها فقط، بل طالبت بتجريد المقاومة من أسلحتها في جميع أنحاء لبنان. مع وقوف الولايات المتحدة في ظلّ إدارة دونالد ترامب إلى جانب «إسرائيل» الساعية بكل الوسائل العسكرية والسياسية إلى تدمير «حماس» في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان، اتخذ الجدال الحادّ المتصاعد وجهةً اقتصادية سلبية محورها، قيام الولايات المتحدة بالضغط على مؤسسات التمويل الدولية، خصوصاً صندوق النقد الدولي، لرفض تقديم قروض وتسهيلات مالية لبرنامج لبنان لإعادة الإعمار إلاّ بعد قيام حكومته أولاً بإنهاء المقاومة وجوداً وسلاحاً ونفوذاً، وعدم تمثيل حزب الله في الحكومة. هذا الموقف الأمريكي المتصلّب شجع حزب «القوات اللبنانية» على مطالبة الحكومة بوضع جدول زمني لنزع سلاح المقاومة من كل مناطق البلاد في مهلة أقصاها ثلاثة أشهر، لكن رئيسَ الجمهورية العماد جوزف عون رفض، كما غيره من قوى سياسية معتدلة، نزع سلاح المقاومة بالقوة، ودعا إلى إجراء حوار وطني بغية التوصّل إلى خطة وطنية يُصار بموجبها إلى دمج وحدات المقاومة تدريجياً بالجيش اللبناني. حزبُ الله رفض نزع سلاح المقاومة طالما «إسرائيل» مستمرة في حربها على لبنان، واحتلال مناطق في جنوبه واستهداف قياديي المقاومة في شتى أنحاء البلاد، حتى بعد قيامها بسحب مقاتليها من منطقة جنوبي نهر الليطاني التزاماً منها بأحكام اتفاق وقف إطلاق النار. كيف يمكن الخروج من معمعة جدالٍ قد يتطوّر إلى نزاع مسلح؟ قبل الإجابة، يقتضي التبصّر في واقعات واعتبارات بالغة الأهمية والتحسّب لتداعياتها الخطيرة:
*»إسرائيل» كانت وما زالت في حال عدوان مستمر على لبنان منذ توقيع اتفاق الهدنة بين الطرفين سنة 1949. ليس أدل على ذلك من أن صحيفة «النهار» (بيروت) غير المتعاطفة مع المقاومة، نشرت تحقيقاً في عددها الصادر بتاريخ 21 فبراير 1973، اي قبل وجود حزب الله بنحو تسع سنوات، كشَفَ قيام «إسرائيل» بـِ2000 اعتداء على لبنان ما بين 14 يونيو 1968 و 21ديسمبر1973.
*قامت «إسرائيل» بعد إعلان موافقتها على قرار وقف إطلاق النار باحتلال خمسة تلال داخل الأراضي اللبنانية، بدعوى حماية عودة المستوطنين الصهاينة الذين كانوا هربوا من مستعمراتهم في منطقة الجليل الأعلى المحاذية لمنطقة جنوب لبنان.
*خلال الأيام الـ 14التي تلت التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، «قتل الجيش الإسرائيلي نحو 140 عنصراً (يزعم أنهم ينتمون إلى حزب الله) أي بمعدل عنصر واحد في اليوم» بشهادة صحيفة «يديعوت أحرونوت» بتاريخ 2025/4/23.
*إزاء استمرار «إسرائيل» في اعتداءاتها المتواصلة، ترفض المقاومة نزع سلاحها وتتضامن معها غالبية اللبنانيين من شتى الطوائف والانتماءات السياسية، الأمر الذي يحول دون قيام السلطة بمحاولة ٍ لنزع سلاحها بالقوة.
*حتى لو افترضنا أن السلطة قررت الإقدام على نزع سلاح المقاومة بالقوة، فإن الجيش اللبناني غير قادر، بل غير موافق أصلاً، على القيام بهذه المغامرة. مع العلم أن الولايات المتحدة حرصت دائماً على عدم السماح بتزويده بأسلحةً ثقيلة بدعوى الحؤول دون وقوعها بأيدي المقاومة، وتشترط فوق ذلك على قيادة الجيش القيام بتفجير الأسلحة التي تسلّمها له المقاومة فوراً في منطقة جنوبي نهر الليطاني مخافةً أن تُستخدم في يوم من الأيام ضد «إسرائيل»!
في ضوء هذه الواقعات والدلالات يمكن الاستنتاج، أنه ليس من المنطقي على الإطلاق اللجوء إلى نزع سلاح المقاومة بالقوة، لاسيّما وأن المقاومة وافقت على تنفيذ قرار وقف إطلاق النار في منطقة جنوب الليطاني، وتقوم بتسليم أسلحتها رضاءً في المنطقة المذكورة إلى الجيش اللبناني. الأهم من ذلك كله أن المقاومة جمّدت القتال ضد العدو الإسرائيلي في هذه الآونة، لعدم إحراج الحكومة اللبنانية الحريصة على تنفيذ القرار الدولي 1701 الذي يُلزم «إسرائيل» أيضاً بوقف إطلاق النار. لكن المقاومة أكّدت أنها ستعود إلى القتال في حال استمر العدو في الاعتداء على قرى ومرافق واراضٍ في لبنان. هي وافقت على تأجيل القتال طالما «إسرائيل» ملتزمة قرار وقف إطلاق النار. فتأجيل المقاومة لضرورات أمنية أو إنسانية ولمدة محددة مشروط دائماً بالتزام العدو بوقف الحرب.
الخلاصة، تأجيل المقاومة إلى حين ممكن.. نزع سلاح المقاومة مرفوض ومستحيل.