أقلام وأراء

عصام مخول يكتب – معادلتين من الضروري أن تكونا شاخصتين ونحن نقرأ الازمة الفلسطينية

بقلم عصام مخول – 8/1/2021

المعادلة الأولى – أن تزامن الإحباط الفلسطيني العميق والأزمة الإسرائيلية غير المسبوقة والتي تهدد النظام السياسي الإسرائيلي برمته، وتكشف عجزه عن انتاج أجوبة حقيقية للازمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية في إسرائيل ، وانهيار الثقة بين الجمهور الاسرائيلي الواسع وبين المؤسسة الحاكمة ، يشكل فرصة تاريخية أمام الشعب الفلسطيني لإحداث نقلة نوعية في نضاله التحرري عليه أن يحسن استغلالها.

إن عمق الازمة الإسرائيلية غير المسبوقة يستدعي القيام بكل الخطوات اللازمة لتجاوز حالة الإحباط العميق التي تطغى على قطاعات واسعة داخل الشعب الفلسطيني اليوم ، وذلك يعني العودة الى مراكمة أشكال جديدة من المواجهة الشعبية مع الاحتلال وتطوير أشكال المقاومة الشعبية على الأرض وصولا الى الانتفاض في وجهه ، وخلق الآليات للمشاركة الشعبية الواسعة  في السياسة وفي التصدي للاحتلال . وأضاف مخول : إن تفعيل ثقل الجماهير الشعبية الفلسطينية وتحرير زخمها وطاقاتها الكفاحية دفاعا عن حقوقها ووجودها ، هو الورقة القادرة على ابداع أساليب النضال التحرري في وجه الاحتلال وفي مواجهة الأوضاع الخانقة التي ينتجها ، وهي القادرة على انتاج التغيير في البنى السياسية القائمة .  فأية معركة سياسية او ديبلوماسية من جهة، وأي شكل من أشكال مقاومة الاحتلال من الجهة الأخرى، لا يستند الى الزخم الجماهيري الشعبي، لن يكون قادرا على إحداث اختراق في الحالة الفلسطينية.

وفي المقابل فإن أي شكل من أشكال المقاومة الشعبية وأي معركة يخوضها الفلسطينيون في أي موقع كما يحدث مع نضال أهالي بيت دجن اليومي المتواصل والشجاع في مواجهة تمدد الاستيطان فوق ارضهم ، وإضراب ماهر الأخرس البطولي عن الطعام وغيرها،  كانت وستبقى الشرط المسبق لاستنهاض طاقات الشعب الفلسطيني، واستنهاض حركة تضامن عالمية مع الشعب الفلسطيني ، ومن شأنه في الوقت نفسه أن يستنهض قطاعات منزوية ومحبطة حاليا من  القوى التقدمية والمناهضة للاحتلال في إسرائيل – دولة الاحتلال نفسها .

وأضاف مخول : القول ان القيادة الفلسطينية او السلطة الفلسطينية تعيش أزمة عميقة ، وأنها لا تنجح في انتاج الفرصة التاريخية التي نتحدث عنها هو قول صحيح .. ولكنه ليس توصيفا كافيا ولا يفي بتشخيص الأزمة … فالمنظومة السياسية والبنى السياسية الفلسطينية كلها في وضع مأزوم بما فيها البنية الحزبية والفصائلية وبنى المجتمع المدني المتضخم، جميعها تحتاج الى مراجعة وحساب مع النفس وإعادة نظر في أدائها وتحديد أهدافها وقدرتها على تحرير طاقات الشعب الفلسطيني وثقله في المعركة، منطلقة من أن البنى السياسية الفلسطينية وتعبيراتها التنظيمية نشأت وبنت هويتها الكفاحية في سياق تاريخي مختلف ، وباتت بحاجة الى تطوير فكرها وتحديث آليات عملها وتثوير نضالها وملاءمته لظروف الشعب الفلسطيني الراهنة ، فهل تنجح في دفع الفرصة المتوخاة الان ؟

وإذا كانت السلطة غير مؤهلة لقيادة المقاومة الشعبية بسبب ارتباطاتها والمعاهدات التي تكبل أيديها ، فما الذي يمنع القوى السياسية المنظمة ان تؤسس لخلق البنى التحتية لهذه المقاومة كما طرح اجتماع الأمناء العامين للفصائل والأحزاب مؤخرا؟

المعادلة الثانية : هي أن خلق الظروف لإلقاء ثقل الجماهير الشعبية الفلسطينية في السياسة والمقاومة الشعبية للاحتلال ليست مسألة تتعلق فقط بالعلاقة بين الشعب الفلسطيني وبين الاحتلال كطرفي نقيض ، وانما هي مسألة تتعلق بالوجه الوطني والتقدمي الناصع للشعب الفلسطيني وبالعلاقات الداخلية الاجتماعية والقيمية والحضارية التي وسمت تاريخه الكفاحي الثوري وسادت داخل المجتمع الفلسطيني على مر السنين .

واليوم يتضح أكثر من أي وقت مضى ، أنه كلما تراجعت المعركة الوطنية واضمحل الوعي وبهتت المشاركة الشعبية في النضال التحرري وغاب مشروع المجابهة مع الاحتلال وتعثر التصدي لغول الاستيطان ، كلما ارتفع منسوب الفكر الغيبي والممارسات الغيبية وازداد ترسيخ  القيم الاجتماعية الرجعية والمتخلفة، وأصبح التنفيس عن الإحباط عن الإحباط السياسي يأخذ منحى قمع الحريات الثقافية والسياسية والاجتماعية باسم ما يدّعى من “القيم الدينية ” المشوهة،  واغتصاب الحريات ، وتفشي العنف المجتمعي الداخلي وعجز المؤسسة عن وقف هذا التدهور بل مجاراته أحيانا والتعايش معه.

الانقسام الفلسطيني يجب مواجهته

كمشروع استراتيجي اسرائيلي معادٍ لا يعالَج بالتمني!

وقال مخول : يجب أن نعرف ونعترف بأن الانقسام الفلسطيني وانفصال غزة عن المشروع الوطني الفلسطيني مهما كانت مبرراته والقوى التي تمارسه ، هو مشروع ومطلب  إسرائيلي – أمريكي استراتيجي معادٍ للمشروع الوطني الفلسطيني التاريخي ومناقض له بامتياز. وأن هذا الانقسام قائم كل هذه السنوات ، لأن هناك فئات فلسطينية مستفيدة منه ومن دورها في الحفاظ عليه من خلال ارتباطها بقوى إقليمية وعالمية لا تريد الخير للشعب الفلسطيني.

ولا ترى إسرائيل بالانقسام وانفصال غزة بقيادة حماس عن الضفة الغربية والقدس جزءا من المشكلة وانما جزء من حل مشكلتها ، الذي تصبو الى تحقيقه عبر صفقة القرن .  فالدولة الفلسطينية الوحيدة المطروحة وفق الحل الاقليمي، هي دولة وجهتها نحو الجنوب ، مركزها غزة وشمال سيناء لا تشمل القدس والضفة الغربية .      

وأضاف مخول ، لا يصح أن نقول إن السياسة الفلسطينية هي التي بررت او انتجت الهرولة الى التطبيع العربي المتهافت ، فالتطبيع الجاري هو جزء عضوي من مشروع امبريالي عالمي يسمى صفقة القرن ، وجزء من التآمر على القضية الفلسطينية لتصفيتها نهائيا  ولا يقبل التبرير . وليس من المقبول ولا من الحكمة السياسية ربط مشروع التطبيع العربي اليوم بتصرف الفلسطينيين والاتفاقات التي شاركوا فيها لتحقيق الاستقلال ، وانما هو مربوط بتبعية أنظمة التطبيع والتتبيع للمشروع الأمريكي – الصهيوني للقضاء على القضية الفلسطينية .                            

فالتطبيع ليس تغيير في علاقة الأنظمة المطبعة مع إسرائيل .. فهذه العلاقات كانت قائمة منذ عقود .. التطبيع هو تغيير علاقة هذه النظم مع الشعب الفلسطيني وتوجيه طعنة في الظهر لطموحاته القومية ولمعركته على انهاء الاحتلال وممارسة حقه في تقرير المصير .. والتطبيع لا يكتفي بهذا الافتراء على نضال الشعب الفلسطيني وانما يتجاوز ذلك الى تبني الرواية الصهيونية المتطرفة حول الصراع .

نموذج مؤتمر الجماهير العربية المحظور

ووثيقة السادس من حزيران 1980 ما زال ماثلا !

في الإجابة على السؤال “ما العمل” دعا عصام مخول الى التوقف عند تجربة مؤتمر الجماهير العربية المحظور في إسرائيل عام 1980 ، ووثيقة السادس من حزيران التاريخية وفي صلبها تحديد الثوابت الوطنية التي أعطت أجوبة قاطعة لا تموت ، على تحديات سياسة الاضطهاد القومي تجاه الجماهير العربية في إسرائيل ، وحقها في وطنها وحقها في الانتماء لشعبها ، وفي صلبها :  “نحن أهل هذا الوطن ، ولا وطن لنا غير هذا الوطن .. حتى لو جوبهنا بالموت نفسه فلن ننسى أصلنا العريق .. إننا جزء حي وفاعل ونشيط من الشعب الفلسطيني” .. وجزء من معركته على التحرر والاستقلال من موقعنا داخل إسرائيل ، ومن موقعنا على الساحة السياسية في إسرائيل . وقال : إن اللجنة التحضيرية للمؤتمر المحظور والتي قادها القائد الوطني والشيوعي إميل توما ، نجحت في أن تحول الثوابت الوطنية إلى إرادة شعب حقيقية من خلال انضمام عشرات ألوف الناس الى التوقيع عليها وبناء اللجان المحلية التي أسهمت في تثوير الجماهير . وقال : إن هذا الربط بين الجماهير الشعبية والموقف الوطني الثوري المواجه خلق معادلات جديدة قضّت مضاجع المؤسسة الحاكمة في إسرائيل فأصدر مناحيم بيغن قراره بحظر المؤتمر وإخراج اللجنة التحضيرية للمؤتمر ووثيقة السادس من حزيران خارج القانون .

وقال مخول ، إن الحالة الفلسطينية العامة اليوم تتطلب إطلاق حراك شعبي واسع يبدأ بحوار لصياغة وثيقة وطنية شاملة تشارك كل قطاعات الشعب في الحوار من حولها وتبنيها ، لتكون قاعدة سياسية يجري الاعداد على أساسها لمؤتمر وطني شعبي فلسطيني شامل يخلق الاليات المناسبة للمقاومة الشعبية والمواجهة مع الاحتلال يضاف الى مصاف المؤتمرات الوطنية التاريخية التي انطلقت في فلسطين منذ العام 1920 والتي شكلت في المفاصل التاريخية قاعدة لإحداث نقلة نوعية في نضال الشعب الفلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى