عصام بكر يكتب – مقترحات لدورة المجلس المركزي المقبلة
بقلم عصام بكر * – 16/10/2018
على ابواب الدورة القادمة للمجلس المركزي لمنظمة التحرير المقرر ان تلتئم في رام الله في الثامن والعشرين من اكتوبر الجاري بعد الدورة السابقة منتصف اب الماضي، وبعد خطاب الرئيس محمود عباس في الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها 73 التي حدد فيها معالم مسار جديد يتشكل بديلا لحالة الانسداد التام في الافق السياسي في خضم مرحلة المخاض التي نعيش، وهي الاكثر دقة وخطورة منذ نشوء القضية الوطنية مطلع القرن الماضي، وايضا تنعقد هذه الدورة بعد دورة المجلس الوطني نيسان/ ايار الماضي ومعها باتت تتضح اكثر فاكثر صورة قاتمة لوضع سياسي غاية في التدهور وهو ما يهدد بانزلاق محفوف بخطر الاطاحة بالقائم، الامر الذي يتطلب ويحتاج لتناول القضايا من زاوية مختلفة للحفاظ على القائم وبما يمكن من مواجهة التحديات .
وعلى ضوء التطورات التي بموجبها بدأنا نشاهد تشكل وضع جديد في ظل انغلاق مسار التسوية وحالة الجمود والتأرجح في ملف المصالحة ودخولها في حسابات ضمن معادلة مغايرة عن السابق تجعل الانفصال اقرب للواقع، وفي ظل تردي الاوضاع الاقتصادية، والجدل الذي يؤشر لحالة تفاعلية تشهدها الاراضي الفلسطينية وفيها من التناقض ما يضع علامات استفهام كبرى ازاءها تتعلق بسيناريوهات الخروج من المأزق الراهن – بمعنى امتلاك احد اي احد والمقصود هنا جهة او اطار رؤية قادرة على اخراج القضية باقل الخسائر الممكنة في توجه صريح ومباشر وبدون شعارات وضخ المزيد من الامنيات على اساس الماضي التليد، والحديث عن المستقبل المزهر، فالانتقال من الرأي لعكسه تماما وضده بات مشهدا معاشا بشكل يومي فمن يصدق المواطن!! ولمن يلجأ!! في غزة الجريحة المكلومة التي تنتفض ويسقط فيها الشهداء يوميا والجرحى لرفع الحصار الظالم عنها، وتوفير مقومات حياة تليق بالبشر لاهلها ولكن هذا ليس كل شي فغزة ايضا هي جزء من وطن جريح يئن تحت وطأة احتلال وحتى لو انتهى الحصار عن غزة فان ذلك لن يحل المشكلة ولن يكون الشعب الفلسطيني قد حصل على حقوقه المشروعة- فرق بين النضال المطلبي والنضال السياسي الوطني والا ماذا عن حالة الاستيطان المسعور في الضفة وهو يلتهم جزء مهم من الارض يوميا في جبل الريسان، والقدس التي تشهد هجمة غير مسبوقة تطال كل شي فيها، في الاغوار وفي سلفيت والخان الاحمر، ومسافر يطا هذه هي معالم وخطوات تنفيذ صفقة القرن يا سادة وهي اخذة بالتدحرج تدريجيا ضمن التطابق التام في مواقف اليمين المحافظ في الولايات المتحدة بزعامة ترمب، واليمين القومي الديني المتطرف في اسرائيل بزعامة نتنياهو ودون الدخول معمقا في تفصيلات الموضوع وكل المعطيات التي قيل وسيقال عنها الكثير، وبالعودة لجلسة المجلس المركزي المرتقبة فان السؤال الذي يطرح نفسه امام مكونات النظام السياسي ليس في حضور الاجتماع او تسجيل موقف بالامتناع والغياب عنه ومعها يعود النقاش تسجيل موقف مخالف هنا، ومعترض هناك وحسب دون حساب للمخاطر المحدقة التي يجمع الكل الوطني على خطورتها وتهديدها لمستقبل القضية الوطنية برمتها فحالة الديماغوجيا الفريدة المتكأة على دراما متوحشة عبر حقب تاريخ طويل يكتوي بها الشعب الفلسطيني بفعل الة الاحتلال ومشاريعه التوسعية وسلسلة القوانين التي اخرها واكثرها خطورة قانون القومية الذي اقر في النصف الثاني من تموز الماضي، وما دام الجميع يتفق على خطورة المرحلة، وما دامت طريق المصالحة تشهد المزيد من التعثر دون الوصول لمصالحة طال انتظارها فأن المؤكد ان استرجاع حالة نضالية قادرة على الوصول لانتفاضة شعبية شاملة وفق المعطى المباشر وعدم اسقاط الخيار كحق طبيعي لاي شعب تحت الاحتلال الصورة التي تتحدث عنها حتى استخبارات الاحتلال ان الاوضاع الميدانية في الاراضي الفلسطينية قد تذهب باتجاه التصعيد الميداني سواء الفردي او الجماعي وهو تحليل يتفق عليه عديد من اقطاب المؤسسة الامنية والسياسية في اسرائيل .
ودون الغوص في مجمل التفاصيل لمجريات الاوضاع وما قد تؤل اليه في الفترة القريبة المقبلة فأن الجميع يتفق ايضا على استحالة التعايش مع الحالة المركبة الراهنة التي قوامها بقاء السلطة تحت الاحتلال، واحتلال غير مكلف بل يتربح من وجوده بشتى الطرق، وامام هذه الصورة برأيي فان من شأن العمل على ترجمة قرارات المجلس المركزي اذار 2015 والوطني نيسان/ايار 2018 والمركزي الاخير ان تشكل مدخلا لاعادة الثقة بقرارات الهيئات القيادية، بل وخلق حالة التفاف اعلى من الجمهور معها من منطلق تعريف المرحلة بانها تحرر وطني وانهاء الاحتلال بما يعنيه ذلك بشكل واضح ايضا من وقف التعاطي مع امكانية العودة للتسوية السياسية بذات الطرق والوسائل السابقة، كما يقع ضمن العناوين التي يمكن ان تقدم على بساط البحث والنقاش لدورة المجلس المركزي ان يسار الى تنفيذ جملة من القرارات والمواقف منها مثلا اصدار قرار واضح من منظمة التحرير يعقبه مرسوم بمنع جميع المنتجات الاسرائيلية من دخول اسواقنا ردا على ما يسمى قانون اقتطاع عائدات الضرائب من اموال المقاصة الموجهة لاسر الشهداء والجرحى والاسرى وان المس بهذه المخصصات يمثل تجاوزا فضا لكل الاتفاقات المبرمبة فاسرائيل التي اتخذت وباشرت بتنفيذ هذا القرار في مطلع تموز الماضي تدرك ان الاسرى والشهداء والجرحى هم رموز وطنية، وعناوين للكرامة والتضحية، ولا يمكن القبول بالمس بها وان للقرار بالتعدي على هذه المخصصات انعكاساته الاقتصادية والسياسية ويتوجب الرد بالمثل وفق رؤية شاملة للتحلل من اتفاق باريس الاقتصادي وتبعاته الضارة بالاقتصاد الوطني وبمشاركة الاطراف ذات العلاقة من وكلاء المنتجات، وتجار، وموردين، وخبراء اقتصاد .
المسألة الاخرى ضمن ما يمكن السماح باقتراحه وهي المتعلقة بالاعتراف الاميركي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وما تبعها من نقل السفارة اليها في تحدي اميركي لكل القرارات الدولية وما ينطوي عليه القرار من ظلم تاريخي تصعيدا للحرب المفتوحة على حقوق الشعب الفلسطيني ليس في القدس فقط وانما سائر الحقوق المشروعة وفي مقدمتها حق العودة وفق القرار 194 وبالمقترح المباشر الاجرائي يتوجب علينا التفكير في اجراء الانتخابات لبلدية القدس الشرقية وفق ما تقتضيه الظروف الموضوعية والذاتية للمدينة، وبما يمثل من تحديا وطنيا لبلدية نير بركات الاحتلالية، وبرهان ملموس على حق الشعب الفلسطيني باجراء انتخابات لبلديته المحتلة وان القدس ليست ولن تكون موحدة ولا عاصمة لاسرائيل، بالبنط العريض يثبت المقدسيون عروبتها كما فعلوا في معركة البوابات في باحات المسجد الاقصى حين شاهد العالم الصورة على حقيقتها وبالطبع هذا ليس قرارا سهلا ويحتاج من الامكانات الشيء الكثير، اسرائيل لن تقبل قد تقدم على اعتقال المرشحين، ومنع التسجيل، وقد تفرض المزيد من الاجراءات من ضرائب، سحب البطاقات وغيرها ولكنها اي الخطوة ستظهر من جديد واقعا مغايرا لما يريده الاحتلال، وما يحاول تكريسه بالاستيطان والاجراءات على الارض، وهي في ذات الوقت معركة سياسية علينا معرفة كيف نفتحها، ونوجهها ونصل بها الى ما نريد.
المسألة الثالثة قانون القومية العنصري الذي اقر في النصف الثاني من تموز الماضي من قبل كنيست الاحتلال، هذا القانون هو بمثابة دستور جديد بامتياز وعلينا الرد عليه بشكل جماعي تماما كما رد عليه شعبنا بالاضراب الشامل مطلع تشرين اكتوبر الجاري وفي كل اماكن تواجده في رسالة سياسية للعالم يسقط معها القناع عن واحة الديمقراطية وحقوق الانسان الرد باعادة وحدة الهوية، وتبني حملة دولية واضحة ليس فقط للتمسك بحق العودة وما يمثله من جوهر القضية الفلسطينية، وانما مضمون الحملة هو باعادة ربط الصهيونية بالعنصرية باعتبارها كذلك بحسب قرار الامم المتحدة 3379 الذي اقر منتصف تشرين ثاني العام 1975 قبل ان يتم وقف العمل بهذا القرار بداية كانون اول1991، اليوم مطلوب تحرك سياسي دبلوماسي لبناء حملة وطنية شعبية شاملة مع الاصدقاء الدوليين لاطلاق هذه الحملة بوصف الصهونية التعبير الفاشي الذي يشكل خطرا على الامن والسلم الدوليين، والعمل على محاسبتها وفرض العقوبات عليها وسحب الاستثمارات منها، وان يصدر قرار واضح بتبني حركة المقاطعة لاسرائيل BDS باعتبارها احد اشكال المقاومة المشروعة، على ان يسار لاعادة العلاقة وترتيبها مع لجان التضامن الدولي، ومع المعسكر المعادي للولايات المتحدة وسياساتها العدوانية والمنافية لحق الشعوب في تقرير مصيرها وتحقيق استقلالها، تتحول فيه مكاتب تمثيل م.ت.ف وسفارات دولة فلسطين في العالم لخلايا نحل فاعلة وبمثابرة وفعل يومي لتعزيز التضامن الدولي مع شعبنا وحقوقه العادلة المكفولة بالشرعية الدولية يترافق مع ذلك كله العمل على المستوى المحلي لاطلاق اوسع اشكال المقاومة الشعبية ردا على سياسات الاستيطان الاستعماري، وبناء هياكل اللجان الشعبية في جبهة وطنية موحدة تعم الارض الفلسطينية قوامها العودة للذات والجذور، تغيير وظائف السلطة بما يخدم انجاز هدف التحرر والاستقلال الوطني وتوفير مقومات الصمود والبقاء فوق الارض.
هذه العناوين تشكل مدخلا هاما باعتقادي لاعادة تصويب الامور في ذات الوقت يتم تطوير وسائل الاشتباك السياسي في كل المحافل الدولية مع الاحتلال ومطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته تجاه الوضع القائم والاعتراف بدولة فلسطين تحت الاحتلال، وتوفير الحماية لشعبها حتى انهاء الاحتلال عنها – لكن ومع كل هذا يبقى حجر الاساس والعنوان الاهم في هذه المرحلة هو اعادة بناء منظمة التحرير، وتطوير عملها بشراكة سياسية كاملة وتفعيل وتوسع عمل مؤسساتها، لما تشكله من عنوان جامع لكل الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده، وتحديد شكل العلاقة مع السلطة في اطار روح حركة التحرر الوطني تنصهر فيها الطاقات والامكانات، بتنسيق وتكامل وانسجام لمواجهة الاخطار باعتبار المنظمة الخيمة والمظلة التي يستظل بها الجميع، بوصفها الكيان المعنوي الذي تذوب فيه التناقضات الثانوية مهما عظمت امام التناقض الرئيس مع الاحتلال، علينا اعادة الامل والثقة وسبر غور طرق شائك لكننا لا نحيد عن الطريق فالهدف واضح امامنا رغم وعورة الدرب والضباب بان نكون على موعد مع حقوقنا كاملة غير منقوصة وغير قابلة للمساومة او المقايضة او الانتقاص منها، وقدرتنا على صنع مستقبل اجيالنا وان ننتزع لهم الحياة التي يستحوق في وطن حر يليق بهم .
*عضو المجلس الوطني