عصام بكر: المجلس الوطني الفلسطيني اسئلة برسم الاجابة
عصام بكر – 27/4/2018
يلتئم المجلس الوطني الفلسطيني وهو اعلى هيئة تمثيلية تشريعية للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده كما هو مقرر في موعده في الثلاثين من نيسان الجاري بعد سنوات طويلة من الانقطاع شارفت على الربع قرن، طرأت خلالها تغيرات كبيرة اثرت على صميم المشهد الداخلي او الاقليمي او الدولي، عصفت بالكل الوطني الى واقع لم يسبق له مثيل منذ عقود وتعقد هذه الدورة “دورة القدس وتجديد الشرعية ” وسط جدل حاد في اوساط القوى والفصائل سواء تلك التي وافقت او تحفظت او امتنعت عن المشاركة رغم تأكيد واتفاق الجميع من يقاطعون ومن يحضرون على العديد من القضايا الاساسية، واهمها ان المرحلة الحالية هي الادق والاكثر خطورة على مستقبل القضية الوطنية للشعب الفلسطيني، وان هذه الحالة تتطلب حراكا في المياه الراكدة يؤسس لبناء مرحلة جديدة باستخلاصات الحالة التي سادت خلال السنوات العجاف يكسر حالة الجمود الراهنة، ثم ثالثا تجديد الهيئات القيادية العليا للشعب الفلسطيني بما فيها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومؤسسات المنظمة الاخرى وهو بات مطلبا يمثل حجر الزاوية من شأنه المساهمة في التفعيل، ويخرجها من حالة التجاذب والترنح وفي ظل استقواء السلطة عليها، واهمية تحديد العلاقة بين السلطة والمنظمة من جهة اخرى، وهذه القضايا الهامة والمفصلية اضافة لعدد من القضايا الاخرى قد لا يختلف عليها احد، وتشكل ارضية مناسبة لنقاش حيوي يساهم في وضع التوجهات اللاحقة للسنوات القادمة .
ولا شك ايضا ان الجميع واقصد الكل الوطني الفلسطيني بالوانه وتلاوينه من مكونات النظام السياسي كلها تعيش ازمة وحالة تراجع كبيرة، وباكثر صراحة باتت تفقد بموجبها مقومات استمرارها، وشرعية وجودها في نظر الغالبية العظمى من ابناء وبنات الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات والمنافي سواء البرامج المطروحة او بالهياكل والاطر على حد سواء ومن شأن استمرار هذه الحالة ان يهدد بانهيار هذه البنى وهياكلها القائمة على صعيد التنظيم الحزبي لكل فصيل على حدة او على مستوى الاطار الاوسع وهو منظمة التحرير بحيث ان الجميع يكاد يتفق تماما على عدم المقدرة على الاستمرار بهذه الحالة لما يحمله من نذر مرحلة من الفوضى وربما الضياع، مما يستدعي البحث عن اليات عمل تمكن الجميع من تجاوز الاثار السلبية التي علقت بهذه المكونات، والحاجة الماسة لمناقشة برنامج المنظمة ومعالجة اسباب الفشل، وتقيم الاداء لكل مجريات، وتفاصيل المرحلة التي تمتد لاكثر من عشرين عاما، وتنطلق حالة الجدل بنظر الكثير من المحللين من مرتكزين اساسين الاول لماذا لم يعقد المجلس الوطني طوال السنوات الماضي رغم الحاجة الماسة؟ ولماذا الان ؟ والثاني اية قرارات يمكن ان يتخذها المجلس على ضوء الواقع الراهن من استمرار حالة الانقسام، وغياب عدة قوى بمن فيهم من هم اعضاء في منظمة التحرير؟؟ وللاجابة على هذه الاسئلة لا بد من الاشارة الى ان القرار بالذهاب لعقد المجلس وعلى ضوء المستجدات الاخيرة يمثل اهمية بالغة من المفترض ان تجيب على الاسئلة الصعبة الكبرى على رأسها مواجهة صفقة العصر، ومحاولات الادارة الاميركية الرامية لتصفية القضية الوطنية وتستند بالاساس لما كرسه الاحتلال طوال السنوات الماضية من امر واقع، وملخص الصفقة كما هو معلوم ما تجلى بشكل واضح من اعلان ترمب الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لدولة الاحتلال وعزمه نقل سفارة بلاده اليها منتصف مايو المقبل، وهو ما يخرجها خارج اية تسوية مستقبلية ان وجدت هذه التسوية اصلا، وتقليص الدعم والتزامات المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين ” الانروا ” تمهيدا لانهيارها، وبالتالي شطب حق العودة الذي يمثل جوهر القضية الوطنية واهم الثوابت فيها، ثم ثالثا الاعتراف بضم ما يسمى الكتل الاستيطانية اضافة للاغوار والمناطق المصنفة “ج” ثم العمل بشكل حثيث بموازاة ذلك على فتح وتوسيع الطريق امام التطبيع العربي الرسمي والاقتصادي والثقافي مع دولة الاحتلال عبر حل اقليمي يفرض على الشعب الفلسطيني ولا يبقى امامه اية خيارات، وينقل العلاقات العربية من السرية للعلن، وفتح ممثليات ومكاتب تجارية وغيرها، وبالتالي لا يعود الحديث عن مرجعيات او مقررات دولية، ولا جدوى من الرهان على قوة الشرعية الدولية رغم هشاشتها، ولا الظهير العربي الذي يقف خلف الحقوق الفلسطينية، ولا حتى العامل الذاتي الداخلي مع احتمال الانتقال لمربع الفوضى وتكريس حالة الانقسام وتحويلها لحالة انفصال دائم يراد لها ان تنخر ما تبقى من النسيج الوطني رغم ما مثلت مسيرات العودة الاخيرة من اعادة للاعتبار لمكانة الجماهير الشعبية ودورها في قيادة النضال الوطني الفلسطيني وامكانية النهوض من جديد .
مع هذه التحديات حري بالكل الفلسطيني وضمن المسؤولية الوطنية الملقاة على الجميع ان يتخذ المواقف التي من شأنها تعزيز التوجه للتصدي للسياسات الاميركية، وخطط الاحتلال والعمل مباشرة قبل نفاذ الوقت وبواقعية ثورية تستنهض حق الشعب الفلسطيني في مواصلة كفاحه الوطني المشروع بما يمكنه من نيل حقوقه باوسع التفاف شعبي يعيد تصويب البوصلة ويتخذ القرارات التي ترتقي لمستوى هذه التحديات، وهي ليست عملية بسيطة كما يتفق الجميع، واعادة بناء اللغة الجامعة، وبلسان موحد يعيد بناء الخطاب السياسي الجامع الوحدوي بعيدا عن التشكيك والتخوين لان الجميع شريك في صياغة البرنامج وهو اي البرنامج ليس كتلا ودساتير جامدة بل اداة عمل وطني للخلاص من الاحتلال ولتحقيق السيادة والاستقلال الوطني بما يضمن الحرص على الشراكة وحمايتها .
المجلس ينعقد في ظروف بالغة الدقة هذا صحيح وهو بهذه الحالة ليس مهرجانا خطابيا او منصة للمبارزة السياسية، والاستعراض بل ساحة فعل وطني، وورشة عمل تملي على الجميع ايجاد معالجات جدية لحالة مستعصية، وهناك ملفات ذات طبيعة استراتيجية ومصيرية بحاجة للبحث والنقاش من بينها اعادة تعريف المرحلة الحالية من حياة الشعب الفلسطيني على ضوء سنوات اوسلو، وما جرى خلالها من تهشيم على الارض، ويتفق الجميع امام ذلك كله ان المرحلة الراهنة التي نعيش هي مرحلة التحررالوطني من اجل انجاز الاهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني حق العودة وفق القرار الاممي 194،وتقرير المصير، والاستقلال الوطني في دولة كاملة السيادة عاصمتها القدس، وتحديد والاتفاق على ادوات وطرق الوصول لهذه الاهداف ومن ضمنها مقررات جلسات الحوار الوطني وما اجمع عليه الجميع باعتماد المقاومة الشعبية بما فيها حملات المقاطعة التي جرى تبنيها خلال الدورة الاخيرة للمجلس المركزي في كانون الماضي 2018، واحدى اهم الاسئلة في دورة المجلس الوطني وتحظى ايضا بنقاش واسع ما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية وما يتطلب ذلك من تصليب بنيتها وبنيانها، وبما يعزز تمثيل الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده، وتوحيد طاقاته بما يخدم ويعزز الانغماس الجمعي في معركة التحرر الوطني، وان اختلفت ساحات الفعل والعمل وفق خصوصية هذه الساحات في الداخل والخارج، وبما يعزز من وحدة وارادة الجمهور لما تمثله المنظمة من تاريخ رغم ان قائلا ما قد يقول انها “شاخت” نعم ربما اعترى المشهد في مؤسسات منظمة التحرير وهن وضعف، وربما يقول قائل انها غابت او غيبت، وهذا صحيح ايضا لكن الجسد المترنح ما زال هنا موجودا ومن شأن سريان الدماء فيه ان يعيد بريق امل لنضال الشعب الفلسطيني، ومكانة الحركة الوطنية بعد التخلص من التكلس، ونفض الغبار عن مؤسساتها واتحاداتها،وضخ دماء جديدة فيها، وبالاستناد لايجابيات التجربة السابقة ومعالجة ما لحق من سلبيات، بناء شراكة سياسية بكل معنى الكلمة، واعادة الاعتبار للمنظمة بوصفها المظلة الاوسع،والهوية الجامعة، والائتلاف الجبهوي الكفاحي والديمقراطي العريض المعبر عن اماني وطموحات الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده، بديلا لتحريفات العدمية والتخوين والتشيكيك فيها، وفي ظل انعدام النظرة الثاقبة بعيدة المدى لدى البعض والاكتفاء بمواقف متحجرة بعيدة عن الواقع، وملامسة شروط السلامة العامة للحفاظ على الكيانية الفلسطينية، وحمياتها من الذوبان والتبخر في بحر المتغيرات الجارية ، وبناء على فرضيات لا تنطلق من تحليل الواقع، وان دغدغت عواطف الكثيرين وتماشت مع شعارات جوهرها صحيح لكن باطنها قبيح !! ولا يمكن الاعتماد على الاتهامات وتوجيه سهام النقد الدامي والاكتفاء بمواقف؟؟ فمن السهل بل الاسهل في حالتنا هو توجيه الانتقادات اللاذعة والمرور دون تكليف انفسنا الانخراط في معالجة ما قمنا بنقده رغم صحية النقد واهميته لكن التأفف والتهكم، والتنظير الهلامي، بالخطوط العامة قد تشد الجمهور وقد يلقى اذانا صاغية لكنها لا تقدم حلولا ولا علاجات شافية لحالة مرضية طويلة ومزمنة .
ينعقد المجلس الوطني وعلى جدول اعماله بنود طويلة وتسود حالة من النقاش لكن تجديد الشرعية، واعادة منظمة التحرير لدورة العمل من جديد على اسس جديدة ايضا من شأنه ان يقطع الطريق على كثير من المحاولات الرامية لشطب قضية الشعب الفلسطيني عن الطاولة، واذا كانت هناك مخاوف على المصالحة فان المعادلة الجديدة تصبح – منظمة تحرير قوية فاعلة ومفعلة ضمان لمصالحة تدوم وتنهي الانقسام اذا ما خلصت النوايا واخلصت، لكن حالة الانتظار حتى اتمام المصالحة ما هي الا مضيعة مقصودة للوقت لنصل الى حالة ان لا مصالحة انجزت وتحققت، ولا منظمة بقيت، وهو وبال ينذر بانهيار كل المشروع، اما عن الحكومة والسلطة فهي ستكون احدى مؤسسات المنظمة وليس العكس، واتخاذ القرارات لاحداث تغيرات جدية على وظيفة السلطة وبنيتها من سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال لبوابة للعبور للاستقلال وتحديد مهمتها بتعزيز صمود الناس، وتطبيق قرارات المجلس المركزي في دورته الاخيرة كانون الماضي، وقرارت اذار 2015 وفرض معادلة لفك العلاقة السياسية والاقتصادية والامنية مع الاحتلال، والتوافق على معادلة جديدة ان الشعب الفلسطيني برغم حالة الوهن والضعف التي يعيش يملك مقومات الورقة الرابحة لتغير المشهد الشرق اوسطي ويسقط صفقة العصر متمسكا بحقوقه غير القابلة للتصرف، وعنوانه الاساس منظمة التحرير الفلسطينية .
لم يعد النقاش الان حول امكانية عقد المجلس الوطني من عدمه، ولا تفاصيل النقاش حول عقد جلسة عادية او جلسة طارئة ولا مشروعية القرارات التي يتخذها، وتقليل او زيادة الاضرار الناجمة عن الانعقاد بمعزل عن الصفة التي يعقد فيها وهي بناء على الدعوة التي وجهت دورة عادية بجدول اعمال واسع، واصبح عقده امرا واقعا تمليه ضرورات العمل للحفاظ على الثوابت والحقوق الوطنية وانعقاده ينصب حول الوضع الفلسطيني ازاء القرارات المنتظرة الممكن اتخاذها، والضغط داخل المجلس لاقرار قرارات مغايرة مصيرية يجب ان تحاكي الواقع، وتجيب على الاسئلة الصعبة اولها التصدي لصفقة العصر واية حلول اقلمية، اسئلة كثيرة برسم الاجابة تتعلق بالتوافق على استراتيجية جديدة لانهاء التفرد الاميركي في اية مساعي مستقبلية للعودة للتسوية، والاعتماد على صيغة متعددة الاطراف، والتاكيد ان اي حل يجب ان يمر ببدء تطبيق القرارات الدولية الركيزة الاولى فيها انهاء الاحتلال الاسرائيلي لاراضي دولة فلسطين بما فيها عاصمتها القدس، والسؤال الاهم هو حول كيفية حماية وصون الحقوق الوطنية بروح المسؤولية التاريخية والوطنية تعيد وحدة الصف ويعيد لمنظمة التحرير موقعها، ومكانها الطبيعي بين ابناء الشعب الفلسطيني.