أقلام وأراء

عريب الرنتاوي يكتب – لبنان وفلسطين : فتّش عن الجذر الداخلي للخراب المقيم

عريب الرنتاوي – 9/5/2021

اعتاد المحللون ربط التطورات المحلية في لبنان وفلسطين، بما يجري في الإقليم من حول البلدين، وأحياناً، بالتبدلات التي تطرأ على المشهد الدولي، وأثرها المباشر في تقرير مسار الأحداث في البلدين…وما كانوا فيما يفعلون قد جانبوا الصواب…لكن الصورة اليوم، تبدو مغايرة لما كانت عليه بالأمس…الأوضاع الداخلية مأزومة وتتجه إلى مزيدٍ من التأزم، فيما الإقليم، يتجه نحو انفراجات وانفتاحات ثنائية ومتعددة الأطراف…المسؤولية في تفاقم أوضاع البلدين، سياسياً واجتماعياً، تقع أساساً على كاهل الأطراف المحلية وعلاقات القوة فيما بينها.

في لبنان، تضغط فرنسا والمجتمع الدولي، لتشكيل حكومة من الاختصاصيين المستقلين، تدير ملف الجائحتين الصحية والاقتصادية، وتمهد لانتخابات برلمانية، وشيكة أو موعدها المقرر…الأطراف الإقليمية، لا تبدي ذاك الاهتمام بمجريات الوضع اللبناني، بل يمكن القول إنها تكاد تكون قد انسحبت من «يوميات» هذا الملف، إما لانشغالها بملفات أكثر سخونة، أو ليأسها من أصدقائها وحلفائها، وضجرها من حالة «العبث» التي تهيمن على الوضع الداخلي.

سوريا لم تعد لاعباً مقرراً منذ العام 2005، وكل ما يهم إيران، تفادي غرق حلفائها في مستنقع الفوضى والفقر والعوز اللبناني، والسعودية لم يعد لها فرس رهان واحد، أو أساسي، تعتمد عليه في إدارة سياستها اللبنانية، والإمارات، تراقب المشهد عن بعد، وقطر تتحسس مواطئ خطواتها المقبلة…لا أحد لديه مشروع أو رؤية أبعد من إدارة الأزمة.

لكن الأفرقاء المحليين، يخوضون «حرب إلغاء» ضارية…القطع والقطيعة بين المارونية السياسية (التيار العوني بخاصة) والسنية السياسية في طبعتها «الحريرية»، تكاد تعطل كل شيء، الثنائي الشيعي مؤتلف ومختلف في الداخل كما في الخارج، وسمير جعجع يرقب المشهد متحيناً لحظة الانقضاض لوراثة تركة عون وتياره، أما جنبلاط، فمن الصعب تتبع تقلباته بين المواقف والمواقع والمحاور، ولا حصر لمفاجآته وانقلاباته، وبقية القوى، ليس لها من تأثير يذكر.

المسؤولية عن انهيار الوضع الاقتصادي والعملة الوطنية، وتفشي الفساد وتفاقم الفقر والجوع، وانهيار الخدمات العامة، وتآكل البنى التحتية، إنما تعود على طبقة سياسية فاسدة، عديم الحساسية والإحساس، يمكن إدراج معظم، إن لم نقل «كلن يعني كلن»، في لائحة اتهام واحدة بجرم مقارفة جرائم ضد الإنسانية، لو أن ميزان العدالة قد انتصب…لا يمكن لوم الخارج عن خراب لبنان وانهياراته المتتالية.

في فلسطين، لعبت المحاور أدواراً متفاوتة، في التسبب بالانقسام، ووقف عجلة المصالحة عن الدوران، لكن «الخارج» اليوم، كل «الخارج» ما عدا إسرائيل، لا يمانع في استرداد المصالحة، وإجراء الانتخابات، وتشكيل حكومة تستطيع مخاطبة المجتمعين الإقليمي والدولي، حتى إسرائيل، ليست لديها قوة «الفيتو» لا على المصالحة ولا على الانتخابات ما لم تجازف بحرب شاملة على الفلسطينيين…أسباب استمرار الانقسام، وتآكل النظام، والعجز عن إجراء الانتخابات، وتجديد الشرعية، وتشبيب المؤسسات والفصائل، إنما تعود إلى «الداخل» الفلسطيني ذاته، وبالذات إلى القيادة المتنفذة في السلطة والمنظمة وحركة فتح، فلا يعقل أن تكون مع الانتخابات شريطة ضمان الفوز فيها، ولا يمكن قبول إلى بفكرة «المرشح التوافقي الأوحد» للانتخابات الرئاسية، وليس ذنب الشعب الفلسطيني، أو «الخارج» أن محمود عباس يعجز عن توحيد فتح، وأن اليسار يعجز عن توحيد نفسه، وأن فتح وحماس تعجزان عن إتمام المصالحة…المسؤول عن حالة الخراب والاحتراب الداخلي في فلسطين، هي القوى المتنفذة في النظام الفلسطيني، أما إلقاء التبعات على الخارج، فتلكم حيلة لم تعد تنطلي على أحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى