عريب الرنتاوي يكتب – إدارة ذاتية مسلحة ؟!
عريب الرنتاوي 11/12/2019
قنوات الحوار والتفاوض بين دمشق والقامشلي، لا تتوقف عن العمل… وهي تأخذ أشكالاً أمنية وسياسية وحزبية، رسمية وشعبية … بيد أن الطرفين ما زالا بعيدين عن التوصل إلى اتفاق نهائي، ينهي حالة القطع والقطيعة بين أكراد سوريا ونظامها.
مردُّ ذلك أن الأكراد ما زالوا «عالقين» فوق قمة شجرة رهاناتهم وأحلامهم، قل أوهامهم، فيما «العودة إلى ما قبل 2011» هي الخيار الأول لدمشق، لو ترك الأمر لها من دون ضغوط أو إكراهات … الفجوة بين الجانبين واسعة للغاية ... الأكراد يراهنون على «الأمر الواقع» الذي أنشأوه بدعم أمريكي – غربي، وتفهم روسي … أما دمشق، فرهانها على «عامل الزمن» الذي يعمل لصالحها، سيما وأن «العدو التركي اللدود للأكراد» يقف متربصاً على مرمى حجر، وأملاً بانسحاب أمريكي من سوريا آت مهما طال الزمن أو قصر، ورهاناً على «تشققات» في جبهة الأكراد – العشائر التي تعمل دمشق، على توسيعها.
دمشق، تتحدث عن «إدارة محلية»، وهي دون «الإدارة الذاتية» التي يطالب بها الأكراد، وأقرب لصيغة من صيغ «اللامركزية الإدارية» … الأكراد يطرحون تصوراً للإدارة الذاتية، يحاكي حالهم في شمالي العراقي (إقليم كردستان) ويكاد يستنسخه، بما في ذلك، السيطرة على الموارد المالية وباطن الأرض والحدود (إن أمكن) وقوات مسلحة منفصلة عن الجيش وتكتفي بعلاقات «تعاون وتنسيق» بينهما … دمشق رفضت ذلك بشدة، وتحدثت عن «اندماج/انصهار» وحدات الحماية بالجيش النظامي.
كلا الطرفين، لا يكف عن إطلاق تأكيدات الحرص على وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها … سنصرف نظراً عن حكاية «الاستقلال» بوجود نفوذ روسي متنامٍ في سوريا، وانتشار إيراني كثيف على الأرض وفي مفاصل الدولة … كما سنصرف النظر عن لجوء الأكراد إلى الجيوش الغربية واستقبال قواعدها والمطالبة ببقائها في مناطقهم وعلى أطرافها وحدودها … سنصرف النظر عن كل ذلك، باعتباره نتيجة للحرب الدائرة في سوريا وعليها، و «عرضاً من أعراضها».
وسنكتفي بالقول، أنه لا معنى للحديث عن وحدة سوريا على المدى الأبعد، بوجود جيشين «نظاميين»، واحد عربي والثاني كردي… وحدات الحماية تخطت فوضى الحالة الميليشياوية وبدأت تتحدث عن جيش وجنرالات وقوة تعدادها ما بين 70-80 ألف مقاتل، مدربين ومسلحين ومجهزين بأسلحة أمريكية وغربية عموماً، فضلاً عن أجهزة أمنية وشرطية واستخبارية، وبما يشبه «قوام دولة ناجزة»، ينقصها الإشهار … استمرار هذا الوضع، هو وصفة للخراب، وطريق مختصرة لحروب أهلية لاحقة.
نفهم أن يستمسك الأكراد بمندرجات الإدارة الذاتية، وأن يطالبوا بحقوق ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية في إطار النظام الذي ستتمخض عنه اللجنة الدستورية … بيد أننا لا نفهم إصرارهم على الاحتفاظ بقوات مسلحة كاملة العتاد والعديد والتجهيز.
نفهم دوافع وحيثيات المواقف الصادرة عن الطرفين، من نوع: انعدام ثقة الأكراد بدمشق، والقتال المشرف الذي خاضته وحدات الحماية ضد «داعش» من جهة، ومخاوف دمشق من جنوح الأكراد وجموح مطالبهم… لكن ذلك، يملي على الأكراد ودمشق، سواء بسواء، العمل لاسترداد الثقة وبنائها، والبحث عن كفالات وضمانات دولية (روسية أساساً في هذه الحالة)، تعيد لسوريا وحدتها القائمة على التنوع، وتكفل بقاء الدولة وديمومة مؤسساتها، وفي المقدمة منها المؤسسة العسكرية.