عريب الرنتاوي: حماس ودمشق قصة حب من طرف واحد
عريب الرنتاوي 2022-09-21
لا شيء رسمياً يصدر عن دمشق حول علاقتها بـ»حماس».. كل البيانات و»التسريبات» المتعلقة بهذا الشأن تصدر إما عن «حماس»، أو عن الوسيطين: إيران و»حزب الله».
لا بل إن القليل الذي يرشح من العاصمة السورية، وعلى ألسنة كتاب ومحللين لا يحلّقون بعيداً عن «سرب النظام»، يصبّ في رواية «الممانعة» السورية.. ممانعة من نوع مختلف هذه المرة، لا تنتمي لممانعة «المحور» ومقاومته، بل تندرج في سياق معاكس له ولـ»مشروعه» وأولوياته.
وساطة طهران و»حزب الله» بين «حماس» والأسد قديمة، عمرها تقريباً من عمر القطيعة، وإن كانت «حماس» لم تُبدِ في البدء كبير اهتمام بنجاحها، حين كان رهانها منعقداً على «صحوة الإخوان وصعودهم»، إلا أنها، ومع تآكل دور «الجماعة» في غير ساحة، والاستدارات التركية الأخيرة، التي تُنبئ باستدارات قطرية محتملة، باتت أكثر استعداداً لها واستعجالاً عليها.
في المقابل، تبدو شهية دمشق مسدودة تماماً أمام سيل العروض التي تتلقاها من حليفيها الإيراني واللبناني، وثمة أسباب ثلاثة، يمكن بها تفسير هذا «التمنع» السوري:
الأول أن «حماس» قُدّت من قماشة الإخوان المسلمين السوريين ذاتها، الذين حاربتهم وحاربوها لأكثر من أربعة عقود، وبالذات في عشرية «الربيع العربي»، وأن رهانات دمشق على «فك ارتباط» الحركة بالجماعة، قد سقطت في الاختبار السوري.
الثاني، أن دمشق، اليوم، معنية أكثر من أي وقت مضى بحفظ الهدوء على جبهة الجولان، وتجميد الصراع مع إسرائيل أو ترحيله لزمن آخر، مع أن الأخيرة تتطاول في استباحتها لأراضيها وسماواتها، وتزداد جرأة في استهداف مواقع حيوية كمطارَي دمشق وحلب الدوليين، وهي (دمشق) تقاوم ضغوط إيران والحزب للرد على الضربات الإسرائيلية.. وبطلب منها، يجري اعتماد سياسة «ضبط النفس» حيال العدوانات الإسرائيلية المتكررة عليها، والمؤكد أنها ليست بحاجة لمن يذكرها صبح مساء بالمقاومة وخياراتها الإستراتيجية، وليست بحاجة أبداً لتزويد «بنك الأهداف» الإسرائيلي بعناوين وإحداثيات جديدة، لا سيما إن تدهور الوضع في القدس والضفة وقطاع غزة، بين الحركة وإسرائيل.
والثالث، أن دمشق، اليوم، أقل احتياجاً من أي وقت مضى، لـ»حماس» أو غيرها من منظمات الإسلام السياسي، بما فيها أقربها إليها: «حزب الله».
زمن المعارك الكبرى في سورية ولّى، ودمشق مقبلة على مصالحة مع تركيا، لتفكيك عقد الشمال السوري، وهي أحوج ما تكون للفكاك من قيود «قيصر» الأميركي، أما «قيصر» روسيا، فقد كان واضحاً تماماً مع الأسد وإسماعيل هنيّة على حد سواء: نحن في سورية ليس لمقاومة إسرائيل، وعلى «حماس» قبول قرارات الشرعية الدولية، والانضواء تحت مظلة منظمة التحرير.
لا حاجة لسورية، اليوم، بـ»حماس»، وإن اضطرت دمشق لفتح قنوات اتصال مع الحركة، تحت ضغط إيران والحزب، فستكون في أضيق نطاق، أما «شهر العسل» المديد بين الجانبين فقد بات من الماضي السحيق. «حماس» كذلك ليست على «قلب رجل واحد» حين يتصل الأمر بسورية، فثمة تيار «مقاوم» داخل الحركة يبدو أكثر تماهياً مع خطاب «المقاومة والممانعة»، وأكثر التصاقاً بأولوياته وحساباته.
في حين ثمة تيار آخر، يسعى في «تقريش»، بلغة الصرّافين، موقع الحركة المركزي فلسطينياً، واقتدارها العسكري اللافت، وإمساكها بالقطاع، وقدرتها المتنامية على رفع منسوب «غضب الضفة»، على موائد الدبلوماسية و»الشرعية» والعمل السياسي، والحركة تُجري اختبارات وبروفات، لتأكيد أهليتها بالجلوس إلى مائدة «الممثل الشرعي الوحيد»، إن لم يكن بديلاً عن «فتح»، فشريكاً لها على قدم المساواة، وربما أكثر من ذلك قليلاً.
قد تنتهي وساطات الحزب وطهران، بفتح قنوات بين دمشق و»حماس»، فلا دخان دون نار، ولكن هيهات أن تعود المياه إلى ما كانت عليه قبل العام 2012.