عدو اردوغان وبيبي بقلم: تسفي برئيل
هآرتس – مقال – 26/11/2018
بقلم: تسفي برئيل
احيانا يصعب فهم لماذا لا يكون بنيامين نتنياهو ورجب طيب اردوغان صديقين جيدين. كلاهما يعاني من البارانويا، الذي يتركز على الأعداء السياسيين اكثر مما يتركز على الاعداء الخارجيين. كلاهما يمقتان الصحافة الحرة، ولهما يوجد عدو مشترك هو جورج سوروس، الملياردير اليهودي الهنغاري الذي يدعم منظمات حقوق الانسان.
في هذا الشهر اعتقل في تركيا نشيط لحقوق الانسان هو عثمان كوالا، بتهمة محاولة ضعضعة النظام الدستوري واسقاط الحكومة التركية. الامر يتعلق بتهمة عامة، توجه لكل من يتهم بالعلاقة مع منظمة الواعظ الديني فتح الله غولن، الذي ينسب اردوغان له محاولة الانقلاب ضده في تموز 2016. أو مع الاحتجاج الجماهيري الذي اندلع في 2013 ردا على نية هدم متنزه غازي في اسطنبول.
في اللقاء الذي جرى بين اردوغان واشخاص متوجين في الاسبوع الماضي ابلغهم بأن “أحد ممولي الاحتجاج يوجد الآن في السجن، وخلفه يقف اليهودي الهنغاري المعروف سيء الصيت جورج سوروس، الذي يرسل رجاله لتفكيك أمم حيث يستخدم امواله لهذا الهدف”. اردوغان لا يكتفي بالتصريحات. ففي الاسبوع الماضي اعتقلت 13 شخصية اكاديمية بتهمة الانتماء لمنظمة غولن، وحملة الملاحقة لموظفين ومعلمين وشخصيات عامة تستمر بكامل القوة. من استطلاع اجري مؤخرا في تركيا في اوساط المعلمين تبين أن 70 في المئة منهم يخافون من فقدان مكان عملهم بسبب مناخ الخوف الذي يفرضه النظام على جهاز التعليم وعلى خلفية اقالة 41 ألف شخص من عمال الجهاز التعليمي – من أصل 140 ألف من موظفي الدولة الذي تمت اقالتهم منذ الانقلاب الفاشل.
في مناسبة اخرى احتج اردوغان على أن الجامعات متخلفة في اجراء ابحاث علمية وأن المواطنين يقرأون فقط 3 – 4 دقائق يوميا، مقابل 6 ساعات يشاهدون فيها التلفاز. لم يخطر بباله كما يبدو أنه عندما آلاف المحاضرين يستقيلون أو يقالون فان ابحاثهم تتوقف. بالمناسبة، اردوغان اوضح في نفس اللقاء بأنه هو نفسه لا يقرأ الكتب، لكن مساعديه يقدمون له ملخصات. ربما ايضا هو لم يقرأ تشيكوف.
ليس فقط معلمون وقضاة ورجال اعمال يخافون من اليد الطويلة للنظام. صحافيون يواصلون كونهم مؤشر عليهم من قبل المخابرات، رغم حقيقة أنه من بين الـ 29 وسيلة اعلام كبيرة هناك 21 منها بملكية مقربين من اردوغان. الضربة الاخيرة كانت لصحيفة “حريات” التي بيعت في آذار لمجموعة “دمير اوران” المقربة جدا من الرئيس. الفرق بين “حريات” القديمة والجديدة اصبح واضحا فور نقل ملكيتها. فالمقالات الانتقادية تحولت الى تحليلات مائعة، التحقيقات والفضائح اختفت، وفي موقع النسخة بالانجليزية يتم نشر مقالات عن الاستجمام والنزهات والطعام.
عندما تسير قنوات الاعلام التقليدية في التلم تتحول جدران المباني الى صحف حية، التي يرسم عليها الفنانون احتجاجهم. مثلا، اديكان (29 سنة)، وهو إبن لعامل في سكة الحديد، اعتاد على رسم في الظلام رسومات غرافيك مؤثرة بجمالها، يتم فيها وصف شخصيات اشخاص وحيوانات بألوان جريئة التي ترمز بصورة غير قليلة العلاقة بين النظام والمواطنين وبين الاغنياء والفقراء. هذه الرمزية مفهومة بالاساس من قبل المثقفين، ولكن عندما يرسم اديكان خنازير، فالجميع يعرفون من هو المقصود.
الأدب الانتقادي هو ايضا يذوي الى درجة أن الكاتب التركي المشهور اورهان فامو، الحاصل على جائزة نوبل للأدب، والذي قدم للمحاكمة في 2006 بشأن مذبحة الأرمن، يمتنع عن اسماع صوته ضد النظام. محاكمته الغيت في الواقع بعد ضغط دولي، بالاساس من الاتحاد الاوروبي، ولكن فامو ما زال يوجد على قائمة الاهداف. هذه السنة مثلا، كما يبدو في اعقاب ضغط تركي، امتنعت بلدية سراييفو من منحه مواطنة الشرف في المدينة، بعد أن تمت المصادقة على ذلك من قبل لجنة تتكون من سبعة اعضاء.
فامو اقام على حسابه الشخصي قبل بضع سنوات في الجزء الاوروبي من اسطنبول “متحف السذاجة”، وعرض فيه اشياء تمثل واقع الحياة في السبعينيات. جزء منها مرتب بصورة من شأنها أن ترمز الى انتقاد النظام، مثل آلة طباعة وفوقها صورة لملاكم، وهو أمر يرمز الى النضال ضد الرقابة. المتحف والصور فيه تخلق لغة انتقادية جديدة تذكر بالاحتجاج الأدبي الذي رافق احتجاج الربيع العربي في مصر وتونس، حيث تحولت الجدران فيها الى وسائل اعلام. في تركيا هذا النوع من الاحتجاج لم يصل حتى الآن الى ابعاد واسعة كما هي الحال في مصر، لكنه آخذ في الاتساع.
عندما يكون مناخ الخوف والملاحقة هو روح العصر فمن الصعب التطرق بكامل الجدية لتصريحات اردوغان ووزرائه بشأن قضية قتل الصحافي جمال الخاشقجي. في الاسبوع الماضي عبر وزير الخارجية التركي، عن غضبه من اقوال الرئيس دونالد ترامب الذي ألغى استنتاجات الـ سي.آي.ايه التي نسبت لولي العهد السعودي المسؤولية عن عملية القتل. “تصريح ترامب يقول إنه ينوي تجاهل هذا الامر. المال ليس كل شيء. محظور علينا الانفصال عن القيم الانسانية”، قال الوزير، لكن في نفس الوقت اعلن بأنه لا يوجد أي سبب لعدم التقاء اردوغان وإبن سلمان في مؤتمر “جي 20″، الذي سيعقد في نهاية الشهر الحالي في بوينس آيريس. يبدو أن المال، مع ذلك، هو كل شيء.