أقلام وأراء

عدلي صادق يكتب – “كورونا بوند” للاقتراض الأوروبي المشترك

عدلي صادق – 24/4/2020

شكلت الجائحة غير المسبوقة اختبارا حاسما لفاعلية الاتحاد، واتسمت بخطورة لا تحتمل التلكؤ ولا انتظار القنوات الدبلوماسية لكي تتوصل إلى نقاط التقاء.

خصص الأوروبيون 500 مليار يورو لمواجهة تداعيات جائحة كورونا على بلدانهم، منها 200 مليار لمساعدة الشركات و100 مليار مخصصة لتمويل رواتب العاملين الجزئيين. فبعد فترة من التردد، تخللتها بعض المواقف السلبية، استدرك قادة القارة، وأدركوا أن السلوك الأناني المنكفئ لن يفيد أصحابه، لأن تفشي الوباء لا يعرف الحدود ولا السدود. فقد ظهرت التناقضات بين أعضاء الاتحاد في بداية تفشي الوباء، وظهرت بعض السياسات الخاطئة والمعيبة، ووصل الأمر إلى إقدام بعض الدول على عرقلة تصدير معدات طبية أساسية إلى إسبانيا وإيطاليا، ثم اتسمت المداولات بين الحكومات الأوروبية بالمماطلة لبعض الوقت، وكادت التناقضات أن تتسع فتتهدد بتداعياتها مشروع الاتحاد الأوروبي، بدءا من وضعية التعارض بين شمالي أوروبا وجنوبها.

فقد شكلت الجائحة غير المسبوقة اختبارا حاسما لفاعلية الاتحاد، واتسمت بخطورة لا تحتمل التلكؤ ولا انتظار القنوات الدبلوماسية لكي تتوصل إلى نقاط التقاء، لأن الأمر يتعلق بصحة الناس وحياتهم، على النحو الذي من شأنه المساس باستقرار القارة. وتركز الاختبار على آليات تفعيل الاستقرار المبتغى، وهو أساسا وجوهريا، يتعلق بجاهزية دول الوفرة لمساعدة الدول المتعثرة، شرط أن تلتزم هذه الأخيرة بإجراءات تقشف باستثناء قطاع الصحة.

وعلى الرغم من توصل الأوروبيين إلى اتفاق، فإنهم لا يزالون عاجزين على التفاهم بخصوص فرضية الاستدانة المشتركة، التي يمكن الاضطرار إلى اللجوء إليها في حال استمرار الوباء في الانتشار. وهناك مقاربة لهذه الاستدانة، عُرضت على الحكومات الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي إصدار سندات خزينة حكومية ربحية، تطرحها في أسواقها للمستثمرين وتسمى “كورونا بوند”. والغاية من إصدار هذه السندات، توزيع ديون البلدان الأقل قدرة على مجمل دول القارة،  لمساعدة الأولى على إعادة بناء اقتصاداتها بعد الإجهاز على الفايروس. ومثلما كانت ألمانيا متشددة مع اليونان في أزمتها الاقتصادية العاصفة في العام 2010 فقد أظهرت هذه المرة، هي وهولندا، في أزمة كورونا تشددا مماثلا. بينما ترى معظم دول شمال أوروبا أن التعاون وتوزيع الديون وآليات العمل المشترك، من شأنها جميعا أن تمثل رمزا قويا للتماسك!

وعلى الرغم من الاتفاق الأوروبي على تخصيص الـ500 مليار يورو، لمواجهة الجائحة، فإن الأمور تظل مقلقة وتحت رحمة الوباء نفسه. ففي حال لم تستطع أوروبا والعالم، التخلص من الفايروس، فإن الأمور – حسب التوقعات- يمكن أن تتجه إلى أن تُمنى القارة بضربات أخرى، وستتحمل ألمانيا أمام الدول الأخرى المسؤولية عن هذه التداعيات.

الآن، يدعو رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي إلى حزمة إنقاذ لا تقل عن 1.5 تريليون يورو، وهو لا يرى سبيلا إلى التدفق النقدي بخلاف إصدار السندات الجماعية “كورونا بوند”. لكن ألمانيا من جهتها، تذكر شريكاتها الأوروبيات بأن الفايروس أصابها وضرب اقتصادها وأضر بها مثلما أضر بإيطاليا. وعلى الرغم من ذلك، يقول الألمان إنهم مستعدون للمساعدة، دون أن تمس هذه المساعدة بمبدأ أساس في منطقة اليورو، وهو ألا يكون الاتحاد مسؤولا عن التزامات الحكومات فرادى!

الـ”كورونا بوند” المقترحة للتصدي للجائحة، تعني اللجوء إلى الاستدانة الطويلة الأمد، بحجم يقدره البنك المركزي الأوروبي، بنحو 19 في المئة من حجم الناتج المحلي الأوروبي، من دون سداد خدمة الديون لسنوات طويلة. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الصيغة، ستتيح لإيطاليا وإسبانيا الاقتراض في الظروف الطبيعية باسم الاتحاد الأوروبي بشروط ميسرة.

لكن الدول الأقل تطورا في أنظمتها الصحية، اليونان والبرتغال وإسبانيا وهي من الجنوب الأوروبي، تقول إن هشاشة النظام الصحي فيها جاءت أصلا بسبب التقشف الذي فرضته دول الشمال عليها منذ العام 2012. ولم تتفش الجائحة إلا بسبب التداعي في الأنظمة الصحية، بحكم أن البلدان الثلاثة التزمت بالقيود المشددة على موازناتها الحكومية من قبل الاتحاد الأوروبي. لذا فإن الدول التي تحتاج اليوم إلى الاستدانة، ترى أن من حقها على القارة، مساعدتها ولو من خلال آليات الاقتراض الأوروبي. وهنا، أعربت ألمانيا وهولندا عن رفضهما المطلق لهذا المنطق بذريعة أن هناك مبالغ ضخمة ستنتقل من الشمال إلى الجنوب بكلفة زهيدة جدا.

في هذا السياق، يُطل اليمين الألماني برأسه ممثلا في حزب “ألمانيا البديل” فيقول إن 60 في المئة من الألمان، وفقا لاستطلاعات الرأي، يرون أن فايروس كورونا، وحتى اليورو الأوروبي نفسه، لا يبرران استنزاف دافعي الضرائب الألمان، وتحميلهم عبء ديون القارة كلها. ويؤكد بورغ موتن المتحدث باسم الحزب اليميني على ضرورة منع حدوث أي عجز في موازنة البلاد، لتغطية تعثرات دول جنوب القارة!

*عدلي صادق – كاتب وسياسي فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى