أقلام وأراء

عدلي صادق يكتب- ضم الأراضي الفلسطينية أساس ما يجمع من توافق نتنياهو وغانتس

عدلي صادق * –  25/4/2020

تعاقد سياسي بين خصمين سيضع إسرائيل على طريق كارثة قومية.

تحت ضغط كورونا، توصل بنيامين نتنياهو وبيني غانتس، إلى حكومة طوارئ وطنية. وبشأن هذا التحالف يجمع المحللون على أن أهم شيء يجمع الطرفين هو سياسة ضم الأراضي الفلسطينية، ما سيجعل إسرائيل أمام كارثة قومية ستبدأ بخسارة الجالية اليهودية في الولايات المتحدة وتنتهي عند التداعيات السلبية التي ستطرأ على العلاقة مع أوروبا.

يختلف ما يرمز إليه عيد الفصح عند اليهود، عن رمزيته عند المسيحيين. فهو بالنسبة للفئة الأولى، يتصل بمعنى الحرية والتحرر البهيج من العبودية، أو الانعتاق الأول الذي جرى بخروجهم من مصر. أما المسيحيون، فيستعيدون في الفصح، ذكرى آلام المسيح وما تعرض له من الأذى.

وقد رأى إسرائيليون من خارج المؤسسة الدينية، في الفصح الأخير، أمراً نقيضاً لمعنى الحرية والتحرر، بحكم كونهم قد اضطروا للبقاء في منازلهم تحاشياً للإصابة بفايروس كورونا، والالتزام الصارم بتدابير الحجر الصحي المنزلي وبحظر التجوال، وبالمحصلة، لم تتح لهم ممارسة “السخرية” المشروعة في ديانتهم، وهي الانعكاس الموضوعي، للتعبير عن حريتهم.

طريق الكارثة

تحالف يسعى إلى ضم أراضٍ فلسطينية، متجاهلين السكان الفلسطينيين ومتغاضين عن كونهم أصحاب حقوق تاريخية“.

كان من بين الإسرائيليين الذين يتحسسون المخاطر الاستراتيجية على دولتهم، مَن رأوا في اتفاق بنيامين نتنياهو وبيني غانتس على تشكيل حكومة توافقية، فألا سيئا معطوفاً على الكورونا التي أحبطت احتفالات الفصح. فالطرفان اللذان اتفقا، في مرحلة يعتبرها هؤلاء المحللون، من أسوأ ما مر في تاريخ إسرائيل السياسي، يريدان ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وهذا منحى، يعتبره المحللون والخبراء العلمانيون في إسرائيل نفسها، أمرا خطيرا جداً، ويتهدد “الإنجاز” التاريخي، الذي حققته إسرائيل، بتوافر فرصة الاعتراف الإقليمي العربي ـ الفلسطيني بها وتحقيق التسوية، وتطبيع العلاقات. فالطبقة الإسرائيلية الحاكمة، التي تستند إلى الأحزاب الدينية الحريدية المتطرفة، وإلى ثقافة الجنرالات والحرب، ستأخذ إسرائيل بهذا الخيار إلى آفاق قاتمة.

لقد تحالف حزبان يسعيان إلى ضم أراضٍ فلسطينية، متجاهلين السكان الفلسطينيين فيها، ومتغاضين عن كون هؤلاء السكان أصحاب حقوق تاريخية وأصحاب قضية ويحظون بتأييد عالمي واسع.

ويذهب المحللون والخبراء العلمانيون إلى القول إن الضم المُزمع أو الذي يحلم به طرفا التعاقد السياسي لتشكيل الحكومة، سيضع إسرائيل على طريق كارثة ـ إن لم يكن كوارث ـ قومية، وأن على هذا الصعيد، لن يُجدي العناد والرفض المتشدد لفكرة الدولة ثنائية القومية، لأن الواقع على الأرض سيفرضها، وسيكون كل ما يستطيع أن يفعله المتشددون الذين أقدموا على الضم، هو تحويل إسرائيل إلى دولة فصل عنصري، تستعبد شعباً آخر يعيش داخل حدودها.

خسارة الحلفاء

هنا، يذهب العقل الباطني لهؤلاء المحللين، إلى أن الشعب الذي ستفرض عليه إسرائيل شروط الإقصاء والاستعباد، لن يرضخ إطلاقاً، مثلما لم يرضخ شعب جنوب أفريقيا من السود. بل إن الزمن، وتطور الحياة، وامتلاك الفلسطينيين قدراً عالياً من التحضر ومن الوعي السياسي، سيجعل الصدام على الأرض أكثر ضراوة وتعقيداً. معنى ذلك أن الجنرالات، محدودي الثقافة السياسية، ومعهم المتشددون دينياً، الخاضعون لغرائزهم، سيذهبون بإسرائيل إلى كارثة، بعد أن قطعت شوطاً طويلاً على طريق التسوية التي تلائمها.

ما دون ذلك من أنماط التفكير في إسرائيل، ومهما روّجت له الأوساط الحاكمة، يظل بلا منطق إن لم يكن يلامس الجنون ويغامر بالحلم الصهيوني. فلا يختلف اثنان، على أن مأزق كوفيد ـ 19 التاجي سوف يمر ويصبح من الذكرى، لأن العقل الإنساني سوف يتوصل آجلاً أم عاجلاً إلى لقاح للقضاء عليه، إن لم يتوصل عاجلاً إلى وسائل علاجية لتطوير مناعة الإنسان حيال الفايروس.

وبما أن الاقتصاد العالمي سيتضرر بشكل فادح، بما فيه اقتصاد إسرائيل، فإن هذه الدولة المنطوية على قوى علمية مرنة وشديدة التطور، ستواجه عقبات سياسية وأمنية تحول دون أخذ المكان الذي تطمح إليه على حلبة السياسة الدولية.

عندئذٍ سيكون الضم الذي لا رجعة فيه ـ طالما ظلت القوى الحاكمة على رواجها ـ سبباً في انهيار السلطة الفلسطينية تماماً، وستخسر إسرائيل ما تحصلت عليه في أغرب مثال في التاريخ للعلاقة بين قوة احتلال وشعب محتل، وهو ما يسمى “التنسيق الأمني”. وستنشأ أجيال فلسطينية متشددة ورافضة للاستعباد والإهانة والحرمان من استقلالها الوطني، ما يشكل تهديداً حقيقياً لأحد المرتكزات الاستراتيجية الرئيسة لأمن إسرائيل، سواءً من خلال تعرضها للحرب من داخل الأراضي التي ضمتها، أو من خلال اضطرار الأردن، بحكم شروط استقراره، لمفارقة دولة الاحتلال والقطيعة معها.

الضم بحسب العلمانيين في إسرائيل، سيؤدي إلى خسارة غالبية الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، وغالبية ما يسمى يهود {الشتات}الضم بحسب العلمانيين في إسرائيل، سيؤدي إلى خسارة غالبية الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، وغالبية ما يسمى يهود {الشتات}

وعلى صعيد العلاقة مع الحلفاء التقليديين، سيكون الضم سبباً في نشوء فجوة واسعة بين إسرائيل والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة. وفي حال طال أمد المنطق والسلوك اللذين يعتمدهما رئيس أميركي من شاكلة ترامب؛ فإن الخطر سيكون أفدح، لأن الولايات المتحدة ستفقد نخبتها السياسية الأكثر استنارة، وتذهب إلى استكمال الطريق الذي بدأه دونالد ترامب في إضعاف علاقة الولايات المتحدة حتى بحلفائها الطبيعيين. فلا تخفى على محللي السياسات الدولية، الآثار الكارثية لحكم ترامب، وما تسبب فيه من خسارة لواشنطن على صعيد هيبتها الدولية وعلاقاتها مع حلفائها، وجدارتها في قيادة العالم حسب المنطق المتداول.

من جانب المحللين العلمانيين الاستراتيجيين في إسرائيل، سيؤدي الضم إلى خسارة غالبية الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، وغالبية يهود ما يسمى “الشتات” على نحو ما رأى  الكاتب والديبلوماسي الإسرائيلي نافاد تامير، الذي يعد من أهم الخبراء في شؤون العلاقة الأميركية الإسرائيلية. وهذه خسارة تمثل  ضربة قاتلة لوجود إسرائيل “كدولة قومية للشعب اليهودي” على حد تعبيره!

كذلك يتحدث خبراء آخرون، عن كون الضم، سيؤثر سلباً على علاقة إسرائيل مع أوروبا وهي الشريك التجاري الأهم بالنسبة لها. فلم يعد هناك مجال للاستمرار في تعزيز أوروبا علاقاتها مع دولة تُديم الاحتلال. ولا معنى للزعم، بأن نوايا إنهاء الاحتلال موجودة لدى السلطة في إسرائيل، ولكن سبب عدم إنهاء هذا الاحتلال هو “عدم وجود شريك على الجانب الآخر”!

نافاد تامير نفسه يقول “إن الدول العربية الموالية للغرب التي لديها مع إسرائيل شراكة استراتيجية ضمنية ضد إيران وداعش والقاعدة؛ لن تكون قادرة على الصمود أمام الضغط الشعبي والكراهية المتزايدة لإسرائيل طالما أنها تسعى إلى دفن آفاق حل القضية الفلسطينية”.

*عدلي صادق  –  كاتب وسياسي فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى