أقلام وأراء

عدلي صادق يكتب – زيارة إدريس ديبي لإسرائيل .. خلفيات ومفارقات

عدلي صادق 28/11/2018

حَلَّ الرئيس التشادي إدريس ديبي إتنو، ضيفا على إسرائيل، بعد 46 عاماً من قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية معها. برنامج زيارة ديبي بدأ فقرات زيارته سريعا، بمتحف المحرقة أي بفقرة الشجن، التي لا علاقة لضحايا إسرائيل العرب والفلسطينيين بأسبابها؛ وتلك في العادة أمارة الوداد العاطفية الأولى التي يؤديها الزائرون. وبدا واضحاً أن علاقة ديبي بإسرائيل لم تنقطع منذ حقق مبتغاه واجتاح العاصمة نجامينا، بمساعدة ليبيا إبان حكم معمر القذافي.

قبلها طرح قائد الجيش التشادي إدريس ديبي نفسه، كمتمرد على حُكم الرئيس الأسبق حسين حبري الموالي للأميركيين. وكان حبري، مثل إدريس بعدئذٍ، قد نفذ انقلابا عام 1982 أطاح بالرئيس المنتخب غوكوني عويدي، الذي كانت له شخصية كاريزمية وطنية، واتسمت فترة حكمة بالعدالة وبمحاولاته خفض نسبة الأمية ورفع معدل دخل الفرد السنوي في بلاده، وكان الأدنى في العالم. فمنذ إطاحة حبري بذلك الرئيس، لم تعرف تشاد الحكم الديمقراطي الحقيقي ولم تهدأ الحروب الأهلية، التي كانت إسرائيل شريكة فيها مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ولم تهدأ كذلك الحركات الاحتجاجية في البلاد.

في ذلك السياق استغل إدريس ديبي إنتو، دكتاتورية حبري وموالاته للغرب، لكي يخوض قتالاً ضد قواته للإطاحة به والسيطرة على الحكم والاستمرار فيه منذ عام 1990 حتى الآن. لكن المفارقة أن إدريس عندما قاتل قوات حبري، كانت إسرائيل تساند الأخير، أي خصمه، وتمده بالسلاح الروسي الصنع الذي في حوزتها، وبالمستشارين، وكان وسيط العلاقة بين تل أبيب ونجامينا، هو دكتاتور زائير موبوتو سيسيسكو. بل إن إسرائيل دربت كتائب مغاوير لصالح حبري، وفي عام 1983 زار أرييل شارون نجامينا قُبيل مغادرته منصبه كوزير للجيش، وفي أوائل عام 1984 سحبت إسرائيل مستشاريها، خشية وقوعهم في قبضة القوات التابعة لإدريس ديبي (زائر إسرائيل الآن) التي احتلت العاصمة في نهاية الحرب بمساعدة ليبيا!

عندما فتح ديبي بعد أن تسلم الحكم، علاقات غير رسمية مع إسرائيل، سعياً للاستفادة منها مثلما استفاد سلفه وخصمه، استضاف في عام 2016 المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية (آنذاك) دوري غولد، الذي سافر إلى نجامينا في مهمة استكشافية تتعلق باستعادة العلاقات بين تشاد وإسرائيل، وفي تلك الزيارة ظهرت توجهات إدريس ديبي الجديدة، عندما قال لمدير عام الخارجية الإسرائيلية، إن قطع تشاد علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، لمدة 44 عاماً كان بفعل ضغوط معمر القذافي، وبالتالي إن سبب القطع قد زال مع إطاحة نظام القذافي وقتله!

بخلاف الخسة التي يعبر عنها ذلك التعليل عام 2016 بلسان رجل استضافته ليبيا وساعدته على الوصول إلى الحكم، كان هناك انحراف بيّن عن توجهات الرأي العام الشعبي، في البلد الفقير الذي يشكل المسلمون فيه أكثر من نصف السكان (تعدادهم في آخر الإحصاءات قرابة 16 مليون نسمة، أكثر من 65 بالمئة منهم تحت سن الخامسة والعشرين وبلدهم يحتاج إلى التنمية وليس إلى السلاح).

المقصد الأول لعلاقة إدريس بإسرائيل، هو الحصول على المعدات العسكرية والشرطية لتعزيز قوة النظام، والتدخل في دول الجوار من المواضع الرخوة مثل دارفور في السودان. وكان لليسار الإسرائيلي موقف نقدي من تجاوب حكومة بنيامين نتنياهو مع إدريس ديبي على صعيد التعاون العسكري، بحكم أن السلطات التشادية تعتقل وتضطهد المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وتحظر التجمعات السلمية. وكانت منظمة العفو الدولية قد سجلت وقائع انتهاكات فادحة لحقوق الإنسان في تشاد، وحاول إدريس دحض هذه التقارير، بتكرار القول إنه شريك في محاربة الإرهاب، وأنه يقاتل منظمة بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا. وفي اليوم الأول من زيارته إلى إسرائيل لم يجد ما يقوله سوى أن تشاد شريكة مع إسرائيل في محاربة الإرهاب، في إشارة ضمنية معناها أن من يقاوم الاحتلال الإسرائيلي، ليس إلا إرهابيا.

في زيارته إلى إسرائيل، يطلب إدريس ديبي لنفسه دوراً وظيفياً في قلب القارة الأفريقية، وهذه هي الحقيقة التي تكمن وراء الصيغة التي اختارها نتنياهو للترحيب بضيفه، إذ ركز على أن تشاد بلد مهم بالنسبة لإسرائيل. ولا معنى لهذه الأهمية سوى أن تشاد ستصبح نقطة ارتكاز للنشاط الإسرائيلي في قلب القارة من موضع تشاد الاستراتيجي الذي يلمس أفريقيا البيضاء. وتشاد خامس بلد أفريقي من حيث المساحة، ويزيد عدد المسلمين فيه عن سبعة ملايين، وترى إسرائيل أن لديه آفاقا اقتصادية واعدة وتسهل مساعدته في القطاع الزراعي بكلفة متواضعة، وإبرام اتفاقية للتعاون الأمني معه، بهدف تثبيت حكم رجل أمسك منذ 28 عاماً بمقاليد بلد شارف على إنتاج البترول.

كان لافتاً، أن زيارة الرئيس التشادي ترافقت مع إشارات مقتضبة عن احتمالات إشهار علاقة بين السودان وإسرائيل. وكان هناك حديث من الجانب الإسرائيلي عن وجود اتصالات مع مسؤولين سودانيين. ونُقل على لسان وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور قوله إن الخرطوم تعرض مقايضة علاقات طبيعية مع إسرائيل برفع العقوبات الأميركية عن السودان، وكان النائب الليكودي أيوب قرا قد صرح بأنه على علاقة مع مسؤولين سودانيين وأن إسرائيل دعت الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات تصالحية مع السودان، وهذا الذي جعل نتنياهو يتحدث عن قرب تحقيق إنجاز آخر في بلد عربي كبير. فلعل من بين مقاصد زيارة إدريس ديبي، استكشاف الطريق لآخرين!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى