أقلام وأراء

عدلي صادق يكتب – حماسة أردوغان لترامب أقوى من حماسة خصومة

عدلي صادق  – 2/11/2020

معلوم أن إدارة أردوغان ، فعلت علنا وبلا استحياء، في تأييد ترامب ودعمه، ما لم يفعله أصدقاؤه العرب الذين راهنوا عليه وطاوعوه.

عاد سيث فرانتزمان، الخبير الإسرائيلي ـ الأميركي المخضرم والمتنوع، المتخصص في تاريخ المشرق العربي والعالم الإسلامي وقضاياه، إلى طرح أسئلة العلاقة بين تركيا وإسرائيل، لكي يعرف، أو يُعرّف قراءه في الصحف ووسائل الإعلام الكثيرة التي تنشر له (ومن بينها “الجزيرة” القطرية) لماذا كانت إسرائيل هي الغائب المفتقد، في سجالات وخصومات وتهديدات تركيا الأردوغانية، خلال الأشهر الأخيرة، في تحريض تركيا على تل أبيب، بينما التصعيد يتعلق باليونان وأرمينيا وفرنسا ومصر والسعودية وغيرها.

لا يأتي فرانتزمان بجديد عندما يقول ما معناه إن هذا الأدب الجم، ليس لأن الحزب الحاكم في تركيا، ورئيسها أردوغان، يحبان إسرائيل. فالتاجر السياسي أو السياسي التاجر، وحزبه، من أشد الأطراف عداء لإسرائيل، لكن المصالح فوق كل شيء عند أردوغان.

ومن جانبنا نعتقد أن الكاتب الإسرائيلي لم يشأ الخروج عن القاعدة الدعائية الإسرائيلية التي تشكو في العادة من “عداء” مفترض أو مزعوم، ومن مظلوميات تاريخية. فالعداء الأردوغاني لإسرائيل، ليس صحيحا. فلو كان صحيحا، لكان قديما، ولو كان قديما لما أظهر الرئيس التركي في العديد من المرّات تعاطفا كبيرا مع إسرائيل ومع التاريخ اليهودي وكانت له علاقة جيدة مع شارون، عندما كانت أميركا نفسها تتحسس منه.

المحللون الإسرائيليون، يميلون بطبائعهم إلى اختراع مقاصد خبيثة لكي تنال إسرائيل ما تريد.. لذا يقيمون دليلهم على أن أردوغان لا يحب إسرائيل، بسبب استضافته شخصيات من حماس وإطلاق تصريحات متعاطفة مع قضية فلسطين، علما بأن إسرائيل تعرف تماما، أن أردوغان يستضيف ويصرح، لكي يحوز على الزعامة الإسلامية السنية، كما تعرف إسرائيل، أن كل تجليات العلاقة مع تركيا، تجري في الواقع دونما عراقيل، في الأمن والصناعات العسكرية والتجارة والسياحة والتعاون الاستراتيجي، ومن آخر إنجازاته، أن سفير الولايات المتحدة في أنقرة، هو الذي أنجز ملف الترسيم الحدودي بين إسرائيل ولبنان.

كل الدلائل تشير إلى أن أردوغان يتلقى دعما قويا من إدارة ترامب. ولهذا وجب الصمت عن إسرائيل في أسوأ مراحل تطرفها وإنكارها للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. ولا ينتظر قراء فرانتزمان، أن يعرفوا منه سبب حرص نظام أردوغان على عدم إثارة أي أزمة مع إسرائيل. فمنذ أن تسلم ترامب منصب الرئاسة بعد انتخابات 2016، كانت أولى اتصالات إدارته مع فريق أردوغان. فقد أخذ ترامب علما، بأن قناعة الرئيس التركي بشأن موقف إدارة أوباما من الأحداث في سوريا كانت خاطئة، لاسيما بخصوص عملها مع “حزب العمال الكردستاني” المصنف إرهابيا لدى السلطات التركية.

استطاعت إدارة ترامب، من خلال علاقتها الاستراتيجية مع أنقرة، التخفيف من خطاب أردوغان ضد إسرائيل “.

وفي الأسابيع الأولى من عمل إدارة ترامب، وجدت حكومة أردوغان ضالتها في مستشار الأمن القومي الأميركي مايكل فلين. وعندما طرده ترامب، يممت حكومة أردوغان وجهها شطر وزارة الخارجية الأميركية، وركزت على مبعوثها إلى سوريا جيمس جيفري.

لكن المفارقة الطريفة، كانت في الفكرة التي خالجت عقل أردوغان، وهي أن علاقاته الاستراتيجية مع ترامب تحمل على مدار الساعة رسالة قصيرة للحكومات العربية التي يعمل معها الرئيس الأميركي، وتحقق فيها الولايات المتحدة اختراقات كبيرة، تقول لهم “أيها العرب، إن صاحبكم الكبير، في جيبي، وبالتالي أنا الذي أقود على المستوى الإقليمي!”.

بعد أقل من سنة، على حكم أردوغان، بدأت تكثر الإشارات المغذية للفكرة الأردوغانية الموهومة، عن علاقة استراتيجية متكافئة، مع الولايات المتحدة. ومن بين تلك الإشارات، حدث غير مسبوق، إذ سمحت السلطات الأمنية الأميركية، في العام 2017 للقوة الأمنية التركية المتواجدة داخل سفارة بلادها في واشنطن، بأن تقمع الأميركيين من أصل تركي، الذين تظاهروا أمام السفارة احتجاجا على سياسات أردوغان القمعية.

وقد أدار ذلك الحدث رأس أردوغان، ثم تكررت سعادته عندما بادر ترامب في أكتوبر 2019 إلى إخلاء مواقع أميركية في شمالي سوريا، لكي يفسح المجال للقوات التركية لكي تهاجم الأكراد حلفاء أميركا التقليديين. وفي تلك المناسبة شعر أردوغان أن الدعم الذي تلقاه على الأرض، لم تظفر بمثله إسرائيل من واشنطن، بحسابات الخارطة الفعلية على الجغرافيا.

وبالطبع، استطاعت إدارة ترامب، من خلال علاقتها الاستراتيجية مع أنقرة، التخفيف من خطاب أردوغان ضد إسرائيل، على الرغم من الحرج الذي شعرت به أنقرة، حيال قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها.

ولكن مع تخفيف الهجوم على إسرائيل، سُمح لأردوغان أن يتحرك في مساحات أخرى مهمة، فانتقل إلى الحركة العسكرية في ليبيا، ودخل في مجالات ترسيم الحدود في خطوات فردية مضبوطة مع طموحاته إلى الحصول على ثروة بترولية، وفي الوقت نفسه استمر في حال الاشتباك مع الوضع السوري، ونقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا، وخاض في نزاعات مع اليونان والعراق وأرمينيا، واستخدم جيشه للغزو وللتنقيب في شرقي المتوسط والحدود البحرية القبرصية، وأظهر نوعا من التنمر على الإقليم، وفعل كل ذلك مستأنسا بإدارة ترامب.

وهناك مفارقة أخرى، وهي أن خصوم أردوغان في المنطقة، لا يزالون يراهنون على ترامب نفسه، وينتظرون فوزه في الانتخابات. بل يعتبرون فوز جو بايدن، نكسة لهم وخيبة أمل كبرى. هنا، لا حرج من التساؤل، أي الطرفين الذي يكون قد بنى عاطفته ورهانه على حسابات دقيقة وموضوعية وخالية من الأوهام: أردوغان أم خصومه في المشرق العربي؟

معلوم أن إدارة أردوغان، فعلت علنا وبلا استحياء، في تأييد ترامب ودعمه، ما لم يفعله أصدقاؤه العرب الذين راهنوا عليه وطاوعوه. فقد أغرقت أنقرة ترامب بالإطراء والتجاوب مع توجهاته الأوروبية، مع التغني بعلاقتها معه، وانتقدت منافسه جو بايدن ونانسي بيلوسي، علما بأن الخارجية الأميركية، والوزير مايك بومبيو تحديدا، أظهر تحفظات كبيرة على التعاون التركي الروسي في منظومة الدفاع الجوي وصواريخ أس – 400، وتعاون أنقرة مع طهران، وتهديد اليونان. لكن ترامب، وضع مسألة الصواريخ في إطارها التجاري، باعتبار أن الروسي تاجر سلاح، أما التفوهات الأردوغانية ضد اليونان وإسرائيل، فهو يراها بمنظوره وبحكم تجاربه، من عدة النصب!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى