أقلام وأراء

عدلي صادق يكتب – ترامب ونتنياهو وحسابات المغنم والمغرَم

عدلي صادق * – 17/10/2020

بالنسبة لمؤيدي نتنياهو الوحدة الوطنية هي أحد العناصر الأكثر أهمية عند مواجهة عدو وهذا ما جعل ثمانين عضوا برلمانيا من أصل 120 يدعمون الصفقة موجهين بذلك رسالة مهمة لإيران.

مآلات يوم الخميس 8 أكتوبر 2020، توحدت الأحزاب الإسرائيلية التي اشتدت بينها المنافسات، لكي تؤيد اتفاقية التطبيع الإسرائيلية مع الإمارات. وقد رأى المراقبون الإسرائيليون في نتيجة التصويت في الكنيست، لحظة استثنائية تجاوزت فيها الأحزاب حال الانقسام والصراعات بـ80 صوتا مقابل 13 وتلك نسبة أكثر من كافية لتشكيل حكومة تستند إلى قاعدة برلمانية عريضة. لكن هذا الأمر، يتعلق حصرا بـ”رسالة قوية مفادها أن إسرائيل ترغب في السلام مع جيرانها العرب” حسب قول أجمعت عليه الأحزاب والتكتلات اليمينية.

كأنما جاء التصويت الإيجابي على المعاهدة الإسرائيلية الإماراتية، لكي يهدئ الانفعالات الجارية، بعد 18 شهرا على فشل الطبقة السياسية في تشكيل حكومة، وبدء الاحتجاجات الشعبية الإسرائيلية على هذا الفشل، لاسيما وأن الشارع رأى في احتمالات الذهاب إلى انتخابات رابعة خلال سنتين، عملية تدويخ للجمهور تستمر معها مرحلة عدم استقرار الحكم.

ومن بين المعنى الذي يمكن استنتاجه من التصويت، أن الحال السياسية الداخلية الراهنة في إسرائيل، لا تعطل مسار السياسة الخارجية و”الإنجازات” الدبلوماسية لحكومة تصريف الأعمال، وبالتالي لا داعي لاحتجاجات شعبية.

في المغزى السياسي التاريخي، كان توافق أقصى يمين الأحزاب الصهيونية مع أقصى يسارها، ومن زعيم حزب العمل ووزير الاقتصاد عامير بيريتس إلى رئيس حزب يمينا نفتالي بينيت، وذلك معناه أن إسرائيل مجتمعة، أصبحت بصدد خطوة مهمة على طريق “السلام” بالصيغة المفضلة بالنسبة لها، مع العالم العربي.

وخلال النقاش الطويل في “الكنيست” الذي استمر نحو تسع ساعات، قبل المصادقة على “المعاهدة” كان الجزء الأكبر من الوقت يتركز على الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، إذ تصدى نواب من اليمين الأشد تطرفا، لقرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعليق ضم مستوطنات الضفة الغربية، مقابل أن تمضي اتفاقية الإمارات قدما.

وورد في معرض دفاع نتنياهو عن قراره، أنه قد اضطر إلى ذلك من أجل إنجاز تحالف إقليمي لما وصفه بـ”التهديد الإيراني المتزايد”. لكن معارضي هذا المنطق، ردوا عليه قائلين إن هذا مجرد ذريعة لصرف الانتباه عن أحد العناصر الرئيسة في الصفقة، فعاد هو نفسه لكي يراوغ ويقول “إن ما جرى، هو سلام مقابل سلام”.

وفي سياق النقاش الطويل نفسه، قال مؤيدو نتنياهو إن “الوحدة الوطنية هي أحد العناصر الأكثر أهمية عند مواجهة عدو”، وهذا ما جعل ثمانين عضوا برلمانيا من أصل 120 يدعمون الصفقة “على النحو الذي يوجه رسالة مهمة لإيران”.

ومن المفارقات، أن إسرائيل في هذا الوقت، تتحسب لاحتمال خسارة الرئيس ترامب، وعندئذ لن يكون وضع نتنياهو ونفوذه السياسي أفضل، لذا كان موعد منتصف أكتوبر لإقرار المعاهدة مع الإمارات مبكرا، أمرا مناسبا بالنسبة لنتنياهو لأن الانتخابات الإسرائيلية في حال إجرائها، ترتبط بنتيجة الانتخابات الأميركية في الثالث من الشهر القادم. فإن غاب ترامب، تصبح احتمالات غياب نتنياهو أقوى. لذا إن وضع الرجلين ثقلهما معا لصالح الصفقة، بينما هما في مواقع المسؤولية، هو الخيار المناسب. فالرجلان يتساندان، وكان طرح المعاهدة للتصويت المبكر، من باب مساعدة ترامب أثناء خوضه الدعاية الانتخابية.

وفي هذه الأجواء، كان ولا يزال هناك موعد آخر،  يشغل إدارة ترامب وأوساط نتنياهو، وهو يوم غد الأحد 18 أكتوبر 2020 عندما يرفع مجلس الأمن حظر استيراد إيران للسلاح، ما يعني أن بلدان العالم، يمكنها بيع الأسلحة لإيران، بينما إسرائيل والولايات المتحدة، تريان أن هذا الأمر من شأنه تعزيز قدرات الجيش الإيراني بشكل كبير.

وكانت الولايات المتحدة قد حاولت إحباط قرار رفع الحظر في مجلس الأمن الدولي، وبذلت جهدا كبيرا لتمديده، لكن سياسات ترامب على مستوى علاقاته الدولية، وبخاصة علاقاته الأوروبية، لم تساعده على نيل التأييد، فمن يقدم السبت يلقى الأحد، فمُني ترامب بفشل ذريع، سواء على مستوى صفقة الملف النووي الإيراني، أو ملف الحظر على تصدير السلاح لإيران.

ففي الملف الأول، أصرت إدارة ترامب على أن العقوبات التي رُفعت عن إيران، في العام 2015 بموجب الاتفاق النووي، قد أعيدت من الجانب الأميركي، لكن الأوروبيين لم يطاوعوا ترامب ولم يقبلوا إعادتها. وواجه المقترح الأميركي لتمديد حظر توريد السلاح لإيران، هزيمة قاسية (13 من 15 في مجلس الأمن ضد) لذا رأى ترامب نفسه ملزما بمواجهة التحالف ضده، من خلال الضغط بكل قوة في الشرق الأوسط، لكي ينجز ما يستطيع من اتفاقيات التطبيع مع العالم العربي. وفي نقاش يوم الأحد الماضي قال غانتس، مبشرا ومعليا من شأن اتفاق الإمارات والبحرين “إن إسرائيل تقوى وإيران تضعف بهذا التطور” وزاد شارحا “في هذه الأيام، عندما يسعى النظام الإيراني إلى استئناف تدفق الأسلحة إليه بعد رفع الحظر، ستكون هناك على الجانب الآخر، تحالفات عسكرية وجديدة ـ قديمة لمواجهة هذا التهديد، وسيقاتل الحلفاء معنا من أجل السلام والاستقرار”.

وفي تصريح صحافي لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بنكهة الدعاية الانتخابية، قال “لقد استطاع الرئيس ترامب تغيير أنموذج المواجهة في الشرق الأوسط من الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، إلى نموذج تسليط الضوء على خطر إيران على الدول العربية المعتدلة في الشرق الأوسط”.

وحيال مثل هذا البوح الصريح، يمكن التنويه إلى خطأ إيراني فادح، ظل يتجدد ويعبر عن نفسه باستمرار، من خلال سلوك إيران في المشرق العربي، واستمرار تدخلاته ومحاولاته توسيع نفوذه، وقد كان بمقدوره أن يكتفي بالصداقة وبالعلاقات القائمة على الاحترام المتبادل لخيارات الدول العربية وسيادتها. إن هذا هو الذي جعل بومبيو يقول دون أن تعوزه البراهين “عندما يصبح التحدي الذي تواجهه الدول العربي، إيرانيا، فلن تكون المشكلة هي الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين”.

لقد تذرعت إسرائيل، وأميركا تبعا لها، بالنفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، لكي تتحدث عن خطر إيراني. واستخدمت الخارطة، التي تبدو فيها المسافات قريبة ومساحات الهوامش ضيقة. وظلت إسرائيل تضرب في سوريا دونما رد إيراني على الرغم من الخسائر المتتالية، لكنها وهي تضرب، تعرف أن نفوذ إيران لا يخسر ولا ينحسر ولو قليلا مثلما هو الحال في العراق. والآن تتحدث تل أبيب عن حلف أقرب إلى الحدود الإيرانية من حبل الوريد. لقد كانت طهران في غنى عن ذلك كله، لو أنها أظهرت عمليا حرصها على ترك الدول لشعوبها فلا تدفع ميليشياتها الأصولية بعشرات أو مئات الأسماء، لكي تسلب الشعوب حقها في تقرير مصيرها وأخذ خياراتها.

* عدلي صادق  –  كاتب وسياسي فلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى