أقلام وأراء

عدلي صادق يكتب – المعبر والعَبَّارة

عدلي صادق 14/2/2021

إسرائيل لا تزال على خطها النقيض، وتهرب من مركز العِلة ومن قلب الجغرافيا المسكونة بالمظلوميات وبعذابات ضحاياها، وتتمسك بالاحتلال العسكري الأخير، الباقي من أزمان الغزو إلى الأطراف البعيدة .

تؤخذ الشعوب بجريرة السياسات أخذا لا يرحم. لكن غلاظة الأخذ، بالنسبة للفلسطينيين من قاطني قطاع غزة، لاسيما في حركتهم من قطاعهم وإليه؛ لم تكن صارمة ومضنية، مثلما كانت خلال السنوات العشر الماضية. لكن ما حدث فجأة الثلاثاء الماضي، هو أن تبسمت السياسات وانفرجت شفتاها عن ضحكة مفاجئة، بعرض المسافة بين معبر رفح وموضع “المَعَّدية” التي تنقل المسافرين والسيارات، من ضفة القناة الشرقية إلى ضفتها الغربية وبالعكس. فقد كانت السياسات، قد جعلت موضعي المعبر و”المعدِّية” موقعين للتأكيد على أن انسداد السياسات، ستؤثر سلبا وقطعا على حياة الناس وحركتهم. طرف يريد “ترطيبها” عند الطرف الجار، والآخر، بدوره، يتمسك بسياسات الوعود القصوى وبخطاب الزلازل، وبترف الحكم في الجغرافيا الضيقة، وفي الوقت نفسه يتعاند مع طرف آخر، فلسطيني، والآخر يتعاند معه، وكانت النتيجة استمرار الانقسام، وانسداد المعابر بين ضفتي الوطن الفلسطيني، الذي قررت التسوية المفترضة، مساحته وشكل خارطته!

الاثنين 8 فبراير، بدت السياسات تؤشر إلى انفراج لا يُرضي مصر وحماس وحدهما، بل يشمل الرضا طرفي الانقسام الفلسطيني، ويجعلهما راغبين في وداد عميق، بل يُعربان عن تطلعهما إلى تشكيل قائمة انتخابية واحدة. فكل منهما، يتوخى العبور من أزمته إلى فضاء مريح، وينتقلان معا من خلال عَبّارة السياسات، إلى موضع آخر، يأملان منه استرضاء الشعب المتأذي، والظفر بتأييده بعد تجريبه، والانتقال إلى فضاء يُريح الإقليم!

كثيرة هي المعابر المسدودة، التي أوشكت على تكريس شروطها، والتبسم قليلا في وجه الفلسطينيين وفك الأقفال. والمفارقة أن المتعارضين في السياسات، كانوا جميعا هانئين، بينما الشقاء والفقر من نصيب الشعب. فعلى عتبة المَعديّة، أو العَبّارة، ذات الحركة المزدوجة بين ضفتي الممر المائي؛ كان الفلسطينيون يتكدسون معظم ساعات الليل والنهار. وما أن تَرَطَبت السياسات، بعد طول عُثار، حتى عادت المعدية إلى حركتها الطبيعية، تقطع المسافة القصيرة بين ضفتي الممر المائي في دقائق، حاملة السيارات والعابرين، فتعززت لدى المسافرين من الناس، الأمنيات بفتح الجسر السريع، ذي الاسم الواعد المتصل بـ”السلام” المُرتجى. فالاسم نفسه، يلامس جوهر السياسات، وتعليلات الإقفال.

لكن إسرائيل لا تزال على خطها النقيض، وتهرب من مركز العِلة ومن قلب الجغرافيا المسكونة بالمظلوميات وبعذابات ضحاياها، وتتمسك بالاحتلال العسكري الأخير، الباقي من أزمان الغزو إلى الأطراف البعيدة، فتعزف موسيقى الحب الكاذب، وتفتعل مقاربات الوداد الجميل، كما في الأغنيات التي لا تفيء ظلا حميدا!

في كل الأحوال، لم يتبق لطالبي الحركة والحقوق، ومعهم طالبو التسوية وترطيب السياسات، إلا تشغيل المعديات ومنافذ الحركة بين الناس. ففي البدء، يتوجب رفع مظالم ذوي القُربى، لكي يتأهل الجميع لرفع مظالم ذوي الأغنيات الشجيّة الكاذبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى