ترجمات عبرية

عبد ل. عزب / نحن العرب هنا في بيتنا وعلى أرضنا

هآرتس – بقلم  عبد ل. عزب  – 24/5/2018

قبل اسبوع قمت بحظر صديق سابق لي في الفيس بوك. في الحقيقة هو ليس مجرد صديق سابق في الفيس بوك، بل هو معرفة قديمة وحتى قريب عائلة من بعيد. سبب ذلك بسيط وهو أنه خلال الحمام الدموي على حدود قطاع غزة رفع تعليقات يائسة توسل فيها لبنيامين نتنياهو لينفذ “الحل النهائي” على الفلسطينيين. مؤخرا سمعت اصوات يائسة كهذه من هذا النوع أو ذاك حيث كان آخرها (مع الاختلاف) مقال روغل ألفر (“هآرتس”، 20/5) الذي استنتج من تعزز قوة اليمين في البلاد ومن النشوة التي يعيشها، بأنه اصبح من الصعب العيش هنا. العجز الذي وصل الى حافة الاكتئاب يقطر من شاشة الحاسوب.

ليس صعبا علي فهم ألفر. أعتقد أن قلقه جدي وهو يشعر بقلق جدي على مصير الدولة، ازاء ما يحدث هنا مؤخرا. وقد أحسن وصف ذلك. ولكن ايضا صحيح أ الارض بدأت تسحب من تحت أرجل النخب القديمة، الاشكنازية واليسارية (أو المتشبهة بذلك)، التي ينتمي اليها. لقد حكموا الدولة بدون معترض حتى انقلاب 1977 وابعد من ذلك. من يريد دليل على المقولة الاخيرة فليتذكر الموقف المهين من دافيد ليفي في ولاية اسحق شمير كرئيس للحكومة.

الليكود الذي يستمد قوته من اليهود الشرقيين يتعامل معهم فعليا بصورة اسوأ بكثير من مباي التاريخية. يوجد لنظام حكم اليمين في عهدنا، أي في عهد نتنياهو، ميزتين ظاهرتين متكاملتين تغذيان بعضهما. الاولى، تحريض متوحش وعنيف ضد كل من ليس محسوبا على معسكره وتحريض مؤيديه على كل باقي المواطنين. الثانية هي محاولة تدمير أسس الدولة، بما فيها الجهاز القضائي والادارة السليمة. نتيجة لذلك فان الفساد مستشري في كل شيء، لكن لاغلبية مصوتي اليمين هذا لا يزعج أبدا. ليس هذا شعور ذاتي مجرد للنخبة اليهودية القديمة، بل هو حقيقة ثابتة: أنتم تدفعوننا نحو الزاوية.

في المقابل، وضعي كابن للاقلية العربية في اسرائيل افضل بكثير من وضع الفر، رغم أن النظام الحالي يحاول بكل الطرق، وبصورة علنية وواضحة المس بنا. نحن دائما كنا مضطهدين حتى تحت حكومات تبدو كيسار – وسط. في حينه كان الوضع سيء والآن هو اسوأ، لكن المجمل العام لا يختلف كثيرا. الاحداث الصادمة اكثر اجتازها مواطنو اسرائيل العرب تحت حكم حزب العمل في مختلف طبعاته.

من بدأ العنصرية والتمييز المؤسس ضدنا ليس بنيامين نتنياهو بل دافيد بن غوريون، هو من واصلوا طريقه. لم نشعر في أي يوم أنه مرغوب بنا هنا، لم نشعر في أي يوم أننا متساوين، لم نكن في أي يوم شركاء حقيقيين، لكن الواحد لا يحتاج الى كل هذه عندما يكون في بيته وعلى ارضه، وهذا هو المكان الذي نوجد فيه – في بيتنا وعلى ارضنا، هذا البيت لنا وهو ايضا لكم. ولكن لازالة الشك هو لنا، وكيف نحن.

ايضا لدينا “الاطفال المدللون” يشعرون باليأس والرغبة في الهجرة. صرخة من صرخات اليأس الاعلى اسمعها في حينه سيد قشوع في مقال بعنوان “لقد انتهى الامر” (“هآرتس”، 3/7/2014)، والذي قال فيه إن تجربة الحياة المشتركة مع اليهود فشلت ولم يعد هناك ما نبحث عنه هنا. في تلك الفترة كان هناك “مدلل آخر” يئس واراد تمزيق الرزمة – زهير بهلول – الذي صرخ بيأس بعد وقت قصير من اندلاع عملية “الجرف الصامد”: “لقد مللت من أن اكون عربي في هذه الدولة. ليس هناك شيء يمكنه أن يساعد. العربي يظل عربيا” (“هآرتس”، 20/7/2014). قشوع وجد ملاذ خلف المحيط، في بلاد الرئيس ترامب الذي يحب العرب، وبهلول سقط في احضان “المعسكر الصهيوني” برئاسة آفي غباي، الذي هو ايضا محب معروف للعرب.

في طفولتي كنت ارعى قطيع الابقار للعائلة. في هذا الموسم من السنة (أيار – حزيران) عندما كانت ما تزال توجد بواقي عشب اخضر في الوديان وعلى التلال المحيطة بالبيت اعتدنا تمديد وقت الرعي حتى ساعات الظهيرة. المشكلة الكبيرة في هذا الموسم التي يعرفها كل راعي هي ذبابة الخيل – وهي الحشرة التي تمتص الدماء وتنشط في ساعات الحر الشديد في اليوم، والتي كانت لدغتها تخرج الابقار عن اطوارها وكانت تتفرق في كل الاتجاهات. تجميع القطيع واعادته الى البيت كان مهمة متعبة. ولكن لم نفكر في أي يوم بعدم الخروج الى الرعي بسبب ذلك. لم نفكر في أي يوم بربط الابقار من اجل أن لا تهرب. أو مثلما كان يقول جدي: في كل مرة يهيج فيها عجل من لدغة سنمد له الحبل؟ هذه المقولة تبدو بالعربية أفضل كثيرا. لقد اعتاد جدي القول (ليس هو فقط): الاتراك كانوا هنا وتركوا، الانجليز كانوا هنا وتركوا. اسرائيل جاءت وهي ايضا ستترك.

أنا لا آمل ذلك على الاطلاق، لكن هذا سيحدث آجلا أم عاجلا فهذه هي الحياة. حتى الثقافات الفخمة والاقوى ذوت وذابت: مصر القديمة، آشور، اليونان والرومان. ولكن ليكن واضحا: نحن هنا، زعتر وعدس يكفينا، قمح وخبيزة تكفينا، سنأكل البلوط اذا لم نجد الكستناء، شوك الحمار سيكون حلوى لنا. نحن هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى