أقلام وأراء

عبد الوهاب بدرخان: مع خطة ترامب هل تبقى غزّة فلسطينية؟

عبد الوهاب بدرخان 8-10-2025: مع خطة ترامب هل تبقى غزّة فلسطينية؟

قبل يومين من انتهاء المهلة التي حدّدها الرئيس الأميركي لموافقة “حماس” على خطته، سلّمت الحركة إلى الوسطاء ردّها “الإيجابي والموضوعي”: مع وقف الحرب، وتبادل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، وإدخال المساعدات إلى قطاع غزّة، فضلاً عن إلغاء مشروع تهجير سكان القطاع ومنع إسرائيل من ضمّ الضفة الغربية. كان يكفي أن يعلن دونالد ترامب أن الحرب بلغت نهايتها لتُلبَّ شروطه ولم يكن مضّطراً- كـ “رجل سلام” مفترض- لتبنّي نهج الابتزاز الإسرائيلي، فخلال المفاوضات السابقة كان معيار النجاح أو الفشل أن تتبرّع واشنطن بـ”ضمانات” لوقف الحرب، ولم تفعل. وإذ طرح ترامب خطّته فإن دولاً عربية وإسلامية وغربية سجّلت أنه عدّلها بما يناسب بنيامين نتنياهو، ومع ذلك رحّبت بها وواصلت التساؤل عن مدى جدّيته واستعداده للنأي عن ألاعيب نتنياهو ومآربه. فكلما جلس الرجلان وتفاهما تكون هناك خدعة أخرى، سواء لاستمرار الحرب أم حتى لوقفها في غزّة في مقابل استئنافها في لبنان أو إيران.

لا بد من أن ترامب شعر بامتنان إزاء “حماس” لأنها راعت التوقيت الذي يناسبه كي يستخدم ردّها في ملف ترشيحه وضغوطه لنيل “جائزة نوبل للسلام” يوم 10 تشرين الأول (أكتوبر)، وإذا مُنحَت إليه فلن يكون ذلك مجرّد عملية تلفيق أخرى في تاريخ الجائزة، بل أكبرها على الإطلاق. وبالنسبة إلى دول العالم، ليس مهمّاً أن يحصل على الجائزة، بل أن ينتقل إلى الأفعال ولا يكتفي بالقول إنه قدّم “خطة جيدة” أو “جميلة” كما يصف كلّ شيء يصدر عنه. وعليه أن يبدّل أسلوبه ومقاربته لقضايا العالم والشرق الأوسط ليصبح ملتزماً فعلاً تحقيق السلام، فحتى الآن تحدّث عن غزّة بلغة “إسرائيلية”/استعمارية، إذ قال بعد أيام من عرض خطته “سنحصل على غزّة”، مؤكّداً عقلية الاستحواذ التي جعلته يكرّر سابقاً: “سنتملّك غزّة”.

تطلّب الأمر الكثير من حسن النيّة والثقة بترامب ونتنياهو للترحيب بخطة “إنهاء الحرب”- أما “حماس” فلم يتبقَّ لها خيارات. جاءت الخطة كردٍّ أميركي على “التسونامي” الديبلوماسي الذي عزل إسرائيل عالمياً عبر الاعترافات بـ”دولة فلسطين”. ومع أن ترامب فرض نفسه رئيساً لـ “مجلس السلام” الذي يطمح الى حلّ صراع “عمره 3000 عام” كما ادّعى، إلا أنه لم يقدّم نفسه كوسيط محايد أو متوازن، بل أن خطابه كان حريصاً على اظهار انحيازٍ متوقّعٍ إلى إسرائيل. وبالنظر إلى التجارب السابقة فإن أي مبادرات يقودها أو يشارك فيها وسطاء أميركيون تُوظّف حتماً لإحباط حقوق الشعب الفلسطيني وطموحاته.

يحاول معظم بنود خطة ترامب اخفاء نيّة فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية كهدفٍ غير معلن لكن متّفق عليه بين ترامب ونتنياهو، فالأول وافق لأن الثاني اشترط الفصل لضمان عدم قيام دولة فلسطينية. لذلك تأخرت الإشارة إلى هذه “الدولة” حتى البند 19 الذي ربط التقدّم في إعمار غزة وفي برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية باحتمال توافر “الظروف اللازمة لمسار موثوق نحو تقرير المصير للفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطينية”.

وفي سابقة “اتفاق أوسلو” (1993) كان يُفترض أن تنبثق تلك “الدولة” عام 1999 عن التفاوض الثنائي، لكن الإسرائيليين نقضوا الاتفاق بمساعدة الأميركيين، واتضح أنهم متفاهمون على هدف استراتيجي أعلنه نتنياهو مراراً: “لن تكون هناك دولة فلسطينية”.

أما الهدف الاستراتيجي الآخر الذي تعهده ترامب خلال حملته الانتخابية عام 2024 فهو “توسيع خريطة إسرائيل” الذي كانت الحرب على غزة توشك أن تحققه، لكن خطة ترامب تنص الآن على الآتي: “لن تحتل إسرائيل غزّة ولن تضمها” (البند 16)، و”لن يُجبر أحد على مغادرة غزّة”، فهل أنهى ترامب فعلاً أحلام المتطرّفين الإسرائيليين وهل أوقف الشراكات التي أعدّت مشاريع للتملّك والاستيطان، وهل حقّاً “سيُعاد إعمار غزّة لمصلحة سكانها؟… أم أن “خطة التنمية الاقتصادية” لإعادة بناء غزّة ستتولّى عبر “الهيئة الانتقالية الدولية” هندسة مسارات استثمارية لإسرائيل إلى قلب “غزّة الجديدة” أو “الواجهة السياحية” كما تصوّرها صهر ترامب (جاريد كوشنر) في “صفقة القرن” عام 2020 بتواطؤٍ وإشرافٍ إسرائيليين؟

بعد موافقة “حماس” على خطة ترامب، علّق نتنياهو أنها “قبلت المقترح الذي وضعته إسرائيل”. وعلى رغم ابلاغ واشنطن مساء الجمعة ردّ “حماس” قتل الجيش الإسرائيلي السبت أكثر من سبعين فلسطينياً. وتقول خطة ترامب (البند 1) إن غزّة “ستصبح منطقة منزوعة التطرف وخالية من الإرهاب، لا تشكل تهديداً لجيرانها”، لكنها لا تؤكّد أن جيرانها الإسرائيليين لن يهددوها. وتعد الخطة بإنشاء مسارٍ لحوار بين الأديان هدفه “تغيير العقليات والسرديات لدى الفلسطينيين والإسرائيليين عبر تأكيد المنافع المترتبة على السلام”، لكن ماذا عن تغيير “العقليات” في الإدارات الأميركية، وماذا عن تمكين إسرائيل من الإفلات من المحاسبة والعقاب على جرائمها؟

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى