أقلام وأراء

عبد الناصر النجار يكتب – الوحدة والمصالحة ممارسة وليست دعاية افتراضية

عبد الناصر النجار – 12/9/2020

شتّان بين الفضاء الافتراضيّ والواقع العمليّ لمفهوم حركة حماس للوحدة الوطنية والمصالحة وإنهاء الانقسام ومواجهة مخططات تصفية القضية، وبناء استراتيجية جامعة تفرض نفسها على الساحة السياسية الفلسطينية الآن.

في الأسابيع الأربعة الماضية شاهدنا وسمعنا ما نرغب به على شبكات الواقع الافتراضي، ولكن على أرض الواقع كانت هناك تساؤلات بحاجة إلى إجابات مقترنة بالفعل.

في اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي عقد الخميس قبل الماضي في رام الله وعبر الفضاء الافتراضي مع بيروت ودمشق، تحدث رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، بشكل جيد، مؤكداً على وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، ومتحدثاً عن المخاطر غير المسبوقة والتهديد الاستراتيجي المحيط بالقضية الفلسطينية، والمرتبط أساساً بصفقة القرن الترامبية ومشروع الضم الذي تم تجميده. وأكد ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني ودعم المقاومة وبناء تحالف قادر على إجهاض مخططات التصفية، مشدداً على أنه لا يمكن نزع غزة عن محيطها الفلسطيني.

ما طرح في الفضاء الافتراضي، لم نشاهد مفاهيمه السابقة.. فقد بدأت زيارة إسماعيل هنية إلى لبنان بصفته زعيم حركة ضمن الدائرة الفلسطينية، وليست الحركة هي القيادة الفلسطينية المتمثلة أساساً بمنظمة التحرير ثم السلطة الوطنية الفلسطينية بتشكيلاتها المختلفة، التي نفترض أن «حماس» وجماهيرها جزء أساسي منها ومكون ذو تأثير فيها. الواقع أن حركة حماس تواصل اللعب سياسياً في ملعبها الخاص ثم تنتقل إلى الملعب الجماعي كيفما ترغب، وكما ترى أن فيه تحقيقاً لمصالحها.

في زيارته لبنان كنا نفترض أن الأخ هنية سيكون تحت مظلة العلم الفلسطيني، الجامع لشعبنا والرمز لقضيتنا، لكن ما حصل هو أن الآلاف الذين خرجوا لاستقبال إسماعيل هنية في مخيم عين الحلوة (بترتيب من قيادات حماس وعناصرها) رفعوا رايات «حماس» على امتداد المسيرة. حتى القبعات التي ارتداها عدد كبير من المشاركين كانت خضراء تحمل شعارات «حماس».. ألم ينتبه إسماعيل هنية ومن حوله إلى هذه الظاهرة الخطيرة؟ وأي وحدة حقيقية لا تكون تحت العلم الفلسطيني؟!!

المسيرة في شوارع المخيم التي حُمل فيها هنية على الأكتاف أثارت كثيراً من الإشكالات داخل القوى والأحزاب اللبنانية، بعضها اعتبر أنها اصطفاف فلسطيني واضح إلى جانب إيران وحزب الله، وأن ما حصل ليس سوى إعادة زجٍ للمخيمات الفلسطينية في التجاذبات اللبنانية الداخلية.

قبل ذلك بساعات، وخلال كلمة هنية في الفضاء الافتراضي، اعتقدنا أن «حماس» أصبحت جزءاً من الدائرة الواسعة لمنظمة التحرير وخطوات إصلاحها وتفعيلها، وهنا نطرح مجموعةً من الأسئلة التي على قيادة «حماس» الإجابة عنها: أين العلم الفلسطيني في عين الحلوة؟ أين الشعارات التي تؤكد على حيادية المخيمات في ظل أوضاع لبنانية داخلية حرجة؟ لماذا هذه المسيرة بهذا الشكل؟ هل هناك غمز خفي بأن المخيمات اللبنانية هي لحركة حماس ولا وجود حقيقياً لمنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية فيها؟!!

في الوقت نفسه، الفصائل الوطنية تتحمل مسؤولية كاملة عن هذا الفراغ القاتل والتقصير غير المبرر، هل من المعقول ألا نرى أي وجود لفصائل المنظمة حتى في هذا الاستقبال، بصرف النظر عن الموافقة أو عدم الرضا عنه؟!! أم أن لا قوة للفصائل الفلسطينية في المخيمات، وكل ما نقرأه في وسائل إعلامنا مجرد نفخ في الهواء، هل خسرنا عين الحلوة التي كان قلب الفدائيين الفلسطينيين؟!

الوضع حرج في مخيمات لبنان، وبحاجة إلى إعادة ترميم، ورحم الله الزعيم ياسر عرفات عندما كانت الجماهير تهتف وراءه «على القدس رايحين شهداء بالملايين» و»بالروح والدم نفديك يا فلسطين»، لم يقل «فتح» ولا «المنظمة» لأن الشعار دائماً كان فلسطين.

أيضاً هناك أسئلة بحاجة إلى إجابات حول اتفاق الهدنة الأخير بين حركة حماس وحكومة الاحتلال برعاية قطرية، عقب أسابيع من التصعيد ثم الوساطة المصرية والأممية ثم المال القطري، حتى تم التوصل إلى الهدنة، «حماس» تصرفت كحكومة ودولة مستقلة، هذا هو الواقع.

الفضاء الافتراضي كان للاستهلاك الإعلامي أما الواقع فغير ذلك، هل أعلمت «حماس» قيادة منظمة التحرير بتفاصيل ما حصل؟ حتى من باب رفع العتب، إن كانت حماس تقر فعلاً بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على الرغم من التحفظات الكثيرة على فعالية المنظمة.

هل أبلغت «حماس» الحكومة الفلسطينية التي هي باعتراف «حماس» حكومة الضفة والقطاع؟! هنا أيضاً تطرح مجموعة من الأسئلة، هل قطاع غزة منطقة مستقلة بذاتها؟!! وهل المصالحة تعني التقاسم الوظيفي الكامل دون تدخل كل منطقة في شؤون الأخرى؟ بمعنى أن ما للضفة للضفة وما للقطاع للقطاع؟ وهل قرار الحرب والسلم سيكون مشتركاً وحدوياً أم أن حماس أعلم بمصالحها؟!

أسئلة تثير الدهشة قبل سماع الإجابة، كل ما يطمح إليه الشعب الفلسطيني في ظل ظروف استثنائية قاهرة هو وحدة وطنية حقيقية، ومصير واحد مشترك وتمثيل واحد أساسي، ومقاومة جامعة للتصدي لكل المؤامرات، فهل سنرى ذلك على أرض الواقع أم سيبقى ذلك ضمن الفضاء الافتراضي؟!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى